مشاهير في السوشيال ميديا يستغلون ضحايا زلزال الحوز بحثا عن "الشو"

أظهر المغاربة تضامنا كبيرا ولافتا مع المتضررين من الزلزال الكارثي الذي ضرب منطقة الحوز، لكن ذلك لا يغفل تسجيل بعض الظواهر السلبية كإقدام بعض المشاهير في السوشيال ميديا على استغلال مأساة المنكوبين ولاسيما الأطفال، وتصويرهم في وضعية ضعف وانكسار، بحثا عن "البوز" للمزيد من مراكمة الأرباح.
الرباط - عمد عدد من مؤثري وسائل التواصل الاجتماعي إلى استغلال وضعية الأطفال وضحايا الزلزال المدمر الذي ضرب منطقة الحوز في المغرب لزيادة عدد المشاهدات، الأمر الذي أثار استهجان الكثير من المغاربة. وندد رواد مواقع التواصل الاجتماعي بإقدام بعض مشاهير السوشيال ميديا، وغيرهم ممن حجوا إلى القرى التي ضربها الزلزال، على تقاسم صورهم رفقة مجموعة من الأطفال الذين فقدوا آباءهم وعائلاتهم، سعيا وراء تحقيق الأرباح لقنواتهم.
وطالب العديد من المغاربة بضرورة الكف عن تصوير القاصرين على اعتبار أنه عمل غير قانوني، داعين السلطات والأشخاص المتواجدين على عين المكان إلى حماية أطفال القرى المنكوبة. وظهر بعض المؤثرين المغاربة في فيديوهات مصدومين من الفقر وطريقة البناء القديمة، ويتباكون وهم يحملون هواتفهم الباهظة ويرصدون مشاعر الأهالي، ويضيفون إلى الفيديوهات أغاني حزينة، مع تقريب الكاميرا إلى الضحايا لإظهار مشاعر حزنهم وبكائهم، ويتم توضيب الفيديوهات بشكل احترافي قبل نشرها.
وتعرضت المغنية المغربية كريمة غيث للانتقاد بسبب نشر صور وفيديوهات على صفحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث ظهرت في إحداها وهي تقدم الحليب إلى أحد الأطفال ضحايا الزلزال نواحي مدينة مراكش من العلبة مباشرة، في مشهد بدا مهينا. واتُّهمت الفنانة باستغلال الأطفال الصغار للحصول على المزيد من “البوز”، كما تم تداول الكثير من الصور الأخرى التي ظهرت فيها غيث وهي توثق لحظة تقديمها لحلوى لا يتجاوز ثمنها درهما واحدا (فانيد) إلى طفلة صغيرة وكأن هذا ما تحتاجه هذه الطفلة في مثل هذه الظروف.
وعلى خلاف ما قامت به كريمة غيث، كتبت المغنية شاما "توقفوا عن تصوير الأطفال". ووصف نشطاء نشْر صور الأطفال في مثل هذه الوضعيات على الإنترنت بالخطوة غير المحمودة، خاصة وأن هذه المحتويات تظل راسخة في العالم الرقمي وقد تخلق العديد من المشاكل لهؤلاء الأطفال مستقبلا الذين لم يعوا بعد حجم المأساة ولا توابع تلك الصور والفيديوهات.
وقال الباحث في علم الاجتماع حمزة أندلوسي إن استغلال الأطفال ضحايا الزلزال عبر تصويرهم في مقاطع فيديو فرجوية هو فعلٌ غير إنساني وغير أخلاقي، ولا يبتغي صاحبه إلا تحقيق منفعة مادية مغرضة عبر اجتذاب الجمهور ورفع عدد المشاهدات في مواقع التواصل الاجتماعي، وإن التحول الكبير في منظومة القيم الناجم عن تأثيرات الاقتصاد الرأسمالي على الأفراد يُفَسِّر هذه النرجسية المغرضة والنزعة الاستغلالية البشعة التي أصبحت تَسِمُ سلوك المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأشار أندلوسي في تصريح لـ"العرب" إلى أن هؤلاء المؤثرين يبذلون الغالي والنفيس في تصوير أنفسهم وتصوير أي شيء آخر يُمْكِنُ أن يحقق لهم هذا التقدير الوجودي عبر ما يمكن تسميته بالمعيش الديجيتالي من خلال كم اللايكات والاشتراكات والمشاهدات على المنصات الرقمية المختلفة، دون أي اعتبار للمبادئ الأخلاقية والإنسانية، من قبيل ما نراه في بعضٍ من “نجوم الإنستغرام” اليوم الذين يُظْهِرُون إنسانية زائفة تخفي نرجسية وحبا للتباهي، ونزعتهم نحو استغلال الأطفال في زلزال الحوز اليوم لا يمكن وصفها إلا بأنها "طقس متوحش من طقوس عبادة المال".
وقال الإعلامي عبدالله ترابي بلهجة محليّة إن “هادوك الطفيليات ديال عندهم مكان خاص بهم في جهنم، حتى الموت والخراب ماخلاوهاش في التيقار". وتم تداول عدد من السلوكيات على وسائل التواصل الاجتماعي من قبيل عروض الزواج من قاصرات من طرف أشخاص استغلوا ظرفية الزلزال، كما عرض آخرون التكفل بالأطفال اليتامى الذين فقدوا ذويهم في هذه الفاجعة، دون اللجوء إلى أي مساطر قانونية، وسط تحذيرات قوية من السماسرة الذين يتاجرون بالبشر وبمآسي الناس.
ودفعت هذه السلوكيات اللجنة الوطنية لتنسيق إجراءات مكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه إلى التحرك. وقالت اللجنة في بيان إنه تم رصد عدد من المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تتضمن مضامين مسيئة خاصة بفئة الأطفال والنساء الضحايا، والتي من شأنها الحض على أفعال تندرج في خانة الجرائم والجنح المعاقب عليها قانونا بمقتضى القانون رقم 27.14 المتعلق بالاتجار بالبشر، والذي يعرّض مرتكبيها لعقوبات زجرية مشددة.
وأعلنت اللجنة الوطنية أنها قامت، ضمن الاختصاصات التي تضطلع بها، بإحالة هذه الحالات المرصودة على السلطات الأمنية والجهات القضائية المعنية لاتخاذ الإجراءات اللازمة. وأكدت حرصها على تتبع ورصد كل مظاهر جريمة الاتجار بالبشر والتنسيق والتعاون بشأنها مع السلطات المختصة انطلاقا من الاختصاصات الموكولة إليها.
وكانت المؤثرة هبة العايدي دعت عبر شريط مصور الأشخاص الذين ذهبوا إلى القرى التي ضربها الزلزال من أجل تقديم المساعدات إلى توعية الأطفال بمخاطر الاختطاف، وذلك لتفادي وقوع مشكلة أكبر.
ووجه الإعلامي فهد الهاشمي عبر حسابه على إنستغرام “نداء إلى السلطات المغربية من أجل حماية أطفال المناطق المنكوبة، ذكورا وإناثا، من الوحوش البشرية… الكثيرون فقدوا عائلاتهم فسهل استغلالهم. كل شيء ممكن يوقع في ظل الأزمة، الله يخليكم كيفما كينين ناس خيرة ومزيانة وتخاف الله (حفظكم الله وأبقاكم من الناس الحسان خلقا وخلقة ومن الذين يخافون الله)، هناك فئة مجرمة وتستغل الظروف، والله يحميهم (الأطفال) ويحفظهم".
وكتب ياسين لمنور بلهجة محلية "قاعدة رقم واحد مكنصوروش الدراري (الأطفال) الصغار، وقاعدة رقم جوج (اثنان)، غادي لواحد المنطقة عندها خصوصية ديالها كنلبسو لباس يليق بديك المنطقة بغيتي تبرونزا عوّج لتاغازوت. الحديث عن بعض الاختلالات والسلوكات السلبية كيبقا استثنائي مقارنة بحجم الخير اللي كاين، ويقدر يصدر سلوك سلبي من شخص ولكن عن حسن نية أو عن جهل خاصو تقويم بدون التحامل والحقد على الشخص".
◙ اللجنة الوطنية لتنسيق إجراءات مكافحة الاتجار بالبشر ترصد عددا من المنشورات تتضمن مضامين مسيئة للضحايا
وحتى لا يتم تشويه قلة لصورة التضامن والتآزر التي طبعها المغاربة منذ اليوم الأول من مساعدة الضحايا، طالب نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي وحقوقيون السلطات القضائية بالتحقيق الفوري ومتابعة المتجاوزين وتطبيق الإجراءات القانونية ضد كل شخص ليكون عبرة لمن يفكر في استغلال مأساة الناس بهدف تحقيق مصالح شخصية.
وفي إطار جهودهما الرامية إلى حماية ومواكبة ضحايا زلزال الحوز أسس نادي المحامين في المغرب، بالشراكة مع مؤسسة عطاء، خلية تتولى تجميع المعطيات حول المخالفات القانونية التي يرقى بعضها إلى جريمة الاتجار بالبشر، تخص بالأساس شبهات التلاعب بالمساعدات و الأموال الموجهة إلى ضحايا الزلزال و محاولات النصب والاحتيال، بالإضافة إلى محاولات استغلال الأطفال القاصرين، وستقوم مؤسسة عطاء بتلقي الشهادات ورصد الخروقات بحكم تواجدها في إقليم الحوز وسيقوم فريق من المحامين بدراسة الملفات قانونيا ومواكبة الضحايا عند تقديمهم شكايات لمواجهة المعتدين.