المنصات الرقمية تحفّز الإنتاج الدرامي العربي المشترك

أبدت المنصات الرقمية في الأشهر الأخيرة اتجاها نحو الإكثار من الأعمال الدرامية المشتركة، مع الانفتاح على السوق الخليجية، وهو ما يمنح المنتجين مساحة أوسع لطرح المواضيع والهروب من سلطة الرقابة المشددة لكنها تثير انتقادات حادة، حيث يرى نقاد أنها تفقد الأسواق المتنوعة خصوصيتها وتهدد أسواقا رائدة مثل السوق المصرية التي كانت تقود القطاع الدرامي في العقود الماضية.
القاهرة - تزايدت وتيرة التعاون بين شركات إنتاج عربية في محاولة لملاحقة سيل كبير من المحتويات الدرامية التي تحتاجها المنصات الرقمية سنويا، مدعوما بما تحققه المنصات من قدرة على الانفتاح والانتشار في دول عربية مختلفة، بما يعزز جودة المضمون المقدم، والذي ينعكس إيجابيا على شركات إنتاج تضع معايير تنافسية بحثًا عن تطوير ما تقدمه ويجعلها حاضرة بشكل مستمر في سوق الإنتاج الدرامي.
سلّط التعاون المشترك بين شركة “حارس أستديوز” وشبكة “زي” الإعلامية لتقديم مسلسل “ترانزيت” الذي يشارك فيه فنانون من مصر والأردن وفلسطين والسودان والإمارات الضوء على إعادة ترتيب أوراق الإنتاج الدرامي، وكشف عن مدى قدرة شركات الإنتاج على تحقيق معادلة بين تقديم محتوى يتماشى مع ثقافات عربية مختلفة وتمكنها من إحداث حالة من التكامل بين عناصر العمل الفني.
بدأ قبل أيام الإعداد لمسلسل “ترانزيت” ويتم تصويره بشكل كامل في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتدور قصته في إطار من الأحداث العاطفية المشوقة بطابع اجتماعي، يتخلله خط من الحركة أو “الأكشن”، ويتناول حياة زوجين يشرعان في رحلة مشتركة، يشاء القدر في أثنائها أن ينخرطا في أحداث غير متوقعة.
يشارك في بطولة العمل نادين تحسين بيك وهافال حمدي وجهاد سعد ونادين خوري وبديع أبوشقرا وجلال شموط ونظلي الرواس ونورا رحال. ويشهد الإنتاج الدرامي العربي بوجه عام إعادة رسم الخارطة التي ارتكنت سابقا إلى الإنتاج المصري والسوري واللبناني، واستطاع الإنتاج الخليجي في غضون سنوات قليلة أن يغير في هذه المعادلة التي أسفرت عن تعدد أنواع التعاون بين شركات لديها ميزانيات ضخمة وأخرى تملك إمكانيات فنية يمكن أن توظفها لتقديم أعمال ناجحة.
تعد شركة “حارس أستديوز” التي تشارك في تقديم مسلسل “ترانزيت” من الشركات الصاعدة حديثا في سوق صناعة الترفية العربي، وتأسست منذ نحو عام، وتهدف إلى تقديم أعمال تخاطب جمهورا ذا ثقافات مختلفة ولا ترتكز على المنطقة العربية فقط، الأمر الذي يتماشى مع صناعة الدراما المعروضة على المنصات الرقمية.
وخلق التطور الملحوظ في الدراما اللبنانية، مع مساعي البعض من المنتجين السوريين للعودة مرة أخرى، قدرا من التعاون الثنائي وتقديم أعمال درامية ناجحة في العامين الماضيين، بينها “وأخيرا” و”العربجي”، ويأخذ هذا النمط في التصاعد عبر زيادة التنسيق في الدراما التي يتم الإعداد لها لموسم رمضان المقبل.
يتفق العديد من منتجي الدراما المصرية على أن زيادة وتيرة الإنتاج العربي المشترك لها مزايا بالنسبة للمحتوى المقدم، وأن الانفتاح على خبرات التصوير والقصة والإخراج يخلق تنافسا يدفع المنتجين والمخرجين نحو تطوير مهاراتهم وما يقدمونه من مسلسلات، كما أن الفنانين المصريين من أكبر المستفيدين من هذا التعاون مع تزايد الاستعانة بهم في أعمال عربية عدة.
قالت المنتجة المصرية رنا خليل إن الإنتاج المشترك يحمل مكاسب لمنتجي الدراما المصرية ممن ينتظرون المزيد من التعاون مع شركات تملك قدرة على ضخ تمويلات ضخمة لتقديم أعمال فنية متطورة، ويساهم في تنشيط الدراما، لأن مخاوف المنتجين تتمثل في صعوبة الوصول إلى ثقافات مختلفة، وتدخلات الرقيب التي قد تُوقف عملية الإنتاج، وفي هذه الحالة يكون الاتجاه للعمل بالخارج هو السائد.
وأكدت في تصريح لـ"العرب" أن التعامل مع الإنتاج المشترك من زاوية المخاوف من تقديم محتويات لا تتماشى مع الثقافات المحلية يدفع إلى تراجعه، وكانت هناك جهات مسؤولة عن صناعة الدراما في دول الخليج تدفع إلى ضخ أموال والدفع بعدد من الممثلين الخليجيين في الدراما المصرية، والأمر الآن أضحى مختلفا مع التوسع في تدشين شركات إنتاج والتوسع في الأعمال المشتركة للاستفادة من الخبرات العربية.
وأشارت إلى أن الإنتاج المشترك يقود إلى تحقيق نوع من التكامل، فالاعتماد على شركات مصرية يأتي من خلال القدرة على الاستعانة بممثلين والاستفادة من خبرات الإنتاج التي لديها قدرة على تصوير مشاهد كثيرة في وقت قصير وإمكانيات محدودة، كما أنه تجري الاستفادة جيدا من الخبرات السورية واللبنانية في مجال التصوير وكيفية تقديم أعمال متقنة ودرجة عالية من صياغة القصص والأفكار المشوقة.
تكمن أزمة الإنتاج المشترك في أن بعض الدوائر المسؤولة عن الرقابة قد لا ترتاح للانفتاح على جهات إنتاجية غير معروفة توجهاتها وأهدافها بما يؤدي إلى تقديم أفكار مشوشة، ما يمثل حائلا دون إتمام بعض الأعمال، خاصة التي يتم تصويرها في دول تتزايد فيها تدخلات الرقابة، وهو ما يجعل غالبية الأعمال التي تتعاون فيها أكثر من شركة إنتاج يتم تصويرها في لبنان وبعض الدول الخليجية.
يعد التعاون الإنتاجي من العوامل الإيجابية للكثير من المؤلفين الذين ينتظرون الفرصة لتقديم أفكارهم بشكل لا يضمن بترا أو تشويها لها عبر إنتاج سخي يدعم اختلاق مشاهد كبيرة، ما يعزز نجاح بعض الأعمال التي حققت جماهيرية عربية واسعة مثل مسلسل “المنصة” بأجزائه الثلاثة، وجرى عرضه على منصة “نتفليكس”، وشارك في البطولة مكسيم خليل وسلوم حداد.
وحقق مسلسل “أسود فاتح” بطولة هيفاء نجاحا، وشارك فيه فنانون من مصر ولبنان، بينهم أحمد فهمي وصبري فواز، وسيرين عبدالنور ونسيب نجيم، وتأليف الكاتب المصري أمين جمال.
وأعلنت شركة الصباح اللبنانية للإنتاج والتوزيع الفني بالتعاون مع شركة "ايبلا" السورية للإنتاج والتوزيع الفني عن عمل درامي عربي مشترك بعنوان "نظرة حب"، من تأليف رافي وهبي، وبطولة نخبة من النجوم السوريين والعرب، ووقع الاختيار على المخرجة السورية رشا شربتجي.
أوضح الناقد الفني طارق الشناوي أن المنصات الرقمية تعمل بشكل مستمر على تطوير محتواها بما يجعلها بعيدة عن التكرار، وتخدم التعاون العربي المشترك الذي بات محسوما تاريخيا لأنه حقق نجاحات، لافتا إلى وجود الكثير من الأعمال التي شارك فيها منتج مصري أو سوري ومصور لبناني ومؤلف عراقي.
وأشار لـ”العرب” إلى أن الإنتاج المصري يعتمد بشكل كبير على الفنانين العرب وغيرهم من المشاركين في صناعة الأعمال الدرامية، وهو ما يحقق نجاحا على مستوى توزيع الأعمال عربيا ويجعلها أكثر قابلية لتحقيق النجاح.
وذكر أن الإقدام على تقديم إنتاج درامي مشترك بلا إشارة إلى ذلك صراحة من الآفات التي يجب القضاء عليها، ولا يخدم دخول أطراف إنتاجية في الكواليس العمل الدرامي، والتوسع الحالي مهم شريطة أن يكون إنتاجا معلنا، والفروق البسيطة بين الثقافات العربية تجعل الأعمال ملائمة للعديد من المجتمعات وتحقق انتشارا في أماكن قريبة ثقافيا من الدول العربية، مثل تركيا.
ولا يقتصر الأمر على التعاون الإنتاجي الدرامي فقط بعد أن عاد الإنتاج المشترك سينمائيا، ويعد فيلم “ع الزيرو” بطولة محمد رمضان ونيللي كريم بلورة لتعاون مشترك بين “أستوديوهات فوكس” و”العدل جروب”، والأولى ذراع الإنتاج التابعة لشركة ماجد الفطيم للترفيه وهي لاعب ناشئ في الإنتاج العربي، وهذا الفيلم باكورة أعمالها.