قوات الدعم السريع تسحب الورقة الإنسانية من الجيش السوداني

خطوة إنشاء الوكالة الإنسانية تستهدف مساعدة المناطق المهمشة في إقليم دارفور وتوسيع شعبية حميدتي.
الاثنين 2023/08/14
واقع مرير خلقته الحرب

الخرطوم- يبدد إعلان قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) إنشاء وكالة للإغاثة الإنسانية روايات مبالغا فيها نسجتها الآلة الإعلامية للجيش حول انتهاكات ارتكبتها قواته.

ويمثل هذا التحرك تصرفا إنسانيا يتواءم مع الواقع المرير الذي خلقته الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل الماضي، ويسد عجزا كبيرا بعد أن حاول الجيش السيطرة على مفاتيح تلقي الدعم الإنساني وتوجيهه بطريقة غير متوازنة.

وأكد إعلان حميدتي في بيان عن هذه الوكالة تعاطفه الشديد مع مواطنين موجوعين بدأت تداعيات الحرب ترهقهم وتغيّر نمط حياتهم المعيشية وتجبرهم على البحث عمّا يسدّ رمقهم، حيث لم تستطع الحكومة المكلفة من قبل رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان تنظيم تلقي المساعدات الخارجية وسد احتياجات الناس العاجلة.

وقال بيان إنشاء الوكالة الجديدة إنها جاءت “نظرا للأوضاع الإنسانية المأساوية والكوارث الناتجة عن الحرب التي فرضت علينا من النظام البائد وحلفائه في قيادة القوات المسلحة، والحاجة الماسة إلى تيسير العمليات الإنسانية في المناطق التي تدور فيها العمليات العسكرية أو تقع تحت سيطرة قوات الدعم السريع”.

وكانت دول عديدة ترسل غالبية مساعداتها إلى بورتسودان على البحر الأحمر أو الحدود البرية مع بعض دول الجوار، ولا توجد ضمانات بشأن عدالة توزيعها، وتواجه منظمات إغاثية مختلفة تعمل في السودان متاعب في إيصال معوناتها إلى مواطنين فقدوا الكثير من مقومات الحياة الطبيعية.

ويقول مراقبون إن تصرف قائد قوات الدعم السريع يعزز حنكته السياسية، حيث لامس وترا إنسانيا مهما بالنسبة إلى المواطنين والكثير من الدول التي ترغب في تقديم مساعدات كثيفة، لكن الجيش لا يقدم لها العون الكافي في تنظيم عملية وصولها إلى مستحقيها بعد خسارته السيطرة على مناطق كثيرة في الخرطوم ودارفور وكردفان.

ويضيف هؤلاء المراقبون أن خطوة إنشاء الوكالة الإنسانية تستهدف مساعدة المناطق المهمشة في إقليم دارفور وتوسيع شعبية حميدتي، حيث نشبت في بعض مناطق الإقليم معارك ضارية حالت دون وصول المساعدات إلى من هم بحاجة إليها.

◙ البرهان قرر قبل أيام تشكيل لجنة لـ"جرائم الحرب وحصر انتهاكات وممارسات قوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل الماضي"

ويؤكد تأسيس الوكالة ثبات قوات الدعم السريع في الحرب بالدرجة التي تمكن قائدها من توفير طاقة إضافية لتنظيم عمل المساعدات، وهي رسالة تدعم قدرته على الصمود العسكري ومشاركة المواطنين أوجاعهم، فضلا عن توطيد العلاقات مع الجهات الإقليمية والدولية البارعة في تقديم المساعدات إلى السودان قبل أن يفتر حماسها.

وبموجب هذه الخطوة تلتزم قوات الدعم السريع بتمكين المدنيين من الحصول على المساعدات الإنسانية بلا إعاقة والمساهمة في حمايتهم والالتزام بالقانون الإنساني.

وتهدف الوكالة إلى توفير الإغاثة الإنسانية في المناطق المتضررة من الحرب، خاصة الخرطوم ودارفور وكردفان، ومناطق النازحين، وضمان وصول المساعدات إلى جميع المجتمعات المنكوبة وتوزيعها بشكل عادل وشامل، والحيلولة دون استخدامها لأي أغراض تتعارض مع الأنظمة والمبادئ العالمية للعمل الإنساني.

وقال المحلل السياسي السوداني عادل حمد لـ”العرب” إن “الخطوة تحوي تمددا جديدا لقوات الدعم السريع في المجتمع السوداني، بما يشير إلى أنها باتت قوة ‘شاملة’ عسكريا واقتصاديا وسياسيا وإنسانيا أيضا، وهو وجه قد يمنحها نفوذا شعبيا بعد تعرضها لاتهامات كثيرة في الفترة الماضية”.

وتسعى الوكالة لدعم التعايش والسلم الاجتماعي والتسامح بين المجتمعات ونبذ خطاب الكراهية وإشاعة ثقافة السلام في المناطق التي تنتشر فيها الصراعات القبلية.

عادل حمد: الدعم السريع باتت قوة شاملة عسكريًّا واقتصاديّا وسياسيّا وإنسانيّا
عادل حمد: الدعم السريع باتت قوة شاملة عسكريًّا واقتصاديّا وسياسيّا وإنسانيّا

وتقوم الوكالة، بالتنسيق مع المنظمات الوطنية والدولية العاملة في مجال الإغاثة وحقوق الإنسان والعون الدولي الإنساني، بتخفيف المعاناة وتوفير المساعدات الغذائية والرعاية الصحية والطبية وإصلاح وصيانة المرافق الخدمية الضرورية دون تمييز.

وتتولى إصدار التصاريح اللازمة للمنظمات الإنسانية الوطنية والدولية الراغبة في العمل في المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات الدعم السريع بلا تأخير أو تعارض مع مبادئ ومقتضيات العمل الإنساني في ظروف الحرب والكوارث.

وجاء الإعلان عن إنشاء الوكالة عقب قيام النائب العام السوداني خليفة أحمد خليفة بأداء اليمين الدستورية كرئيس لما يسمى بـ”لجنة جرائم الحرب وانتهاكات وممارسات قوات الدعم السريع”، وجرت المراسم بمدينة بورتسودان السبت، أمام نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي مالك عقار.

ورغم أن هذه المهمة لا يستطيع النائب العام القيام بها في خضم الظروف التي يعيشها السودان وهدفها سياسي، فإن مضمونها يكشف الفرق في التفكير بين قائد الجيش عبدالفتاح البرهان وحميدتي، فالأول يغلب عليه الانتقام من خصومه وعدم الاكتراث بما يمكن أن يفضي إلى تخفيف المعاناة عن الناس، بينما الثاني يريد كسب تعاطفهم عمليا من خلال تشكيل آلية تتولى مساعدتهم.

وقرر البرهان قبل أيام تشكيل لجنة لـ”جرائم الحرب وحصر انتهاكات وممارسات قوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل الماضي”.

وسيحدد التعامل الخارجي مع الوكالة الجديدة مستوى الثقة فيها، بما يجعلها أداة إنسانية وليست وسيلة سياسية لتسجيل النقاط، ولعل حاجة شريحة كبيرة من المواطنين إلى هذه الآلية سيوفر لها الدعم الحقيقي على الأرض، بعيدا عن التوازنات التي تفرضها الحرب بين الطرفين المتصارعين، فإنقاذ البشر مقدم على الانتقام منهم.

 

اقرأ أيضا:

        • الإمارات: لا ننحاز لأي طرف في السودان

1