"جوزف أنطون".. مذكرات سلمان رشدي أيام التخفي

مازال الكاتب البريطاني من أصل هندي سلمان رشدي ملاحقا بآثار الفتوى بالقتل التي أطلقها ضده آية الله الخميني بعد صدور روايته “آيات شيطانية” أواخر الثمانينات، ليعيش بعدها حياة التخفي. مسيرة شجاعة وغريبة وقاسية يحكيها الكاتب في مذكراته، قبل أن يهاجم في محاولة قتل خلال العام الماضي.
مذكرات سلمان رشدي “جوزف أنطون” هي كتب كثيرة في كتاب واحد، كما وصفتها نيويورك تايمز. إنها قصة شخصية تحدث في وسط أزمة عالمية: شجب آية الله الخميني لرواية الكاتب الرابعة “آيات شيطانية” في 1989 واعتبارها تجديفا ضد الإسلام، وأصدر الفتوى الداعية إلى قتل رشدي. إنها صورة الفنان شابا، وتصف تأثراته وطموحاتنه وصعوده في عالم النشر. كما تؤرخ لانتقاله من بومبي إلى لندن ثم إلى نيويورك حيث استقر عام 2000. يتحدث فيها عن والده وعائلته وزيجاته وفشلها. كما تصور، بحسب نيويورك تايمز، الصراعات السياسية والثقافية في حقبة تتسم بعدم اليقين وبالصراعات الأيديولوجية وتقاطع المصالح.
إن المذكرات التي ترجمها الشاعر والمترجم السوري أسامة إسبر تبدأ بتلقي خبر الفتوى، ثم الاختفاء، والدخول في حماية الشرطة البريطانية، ثم تتحول إلى قصة حياة المؤلف وعائلته وعلاقته مع والده وأمه وشقيقتيه، وكيف كان الموقف في الهند، وفي أوروبا والعالم العربي، ومن منظور جوزف أنطون نرى رشدي بعين أخرى، بعين نفسه ولكن من منظور قائم على مسافة.
معركة ابن رشد
المذكرات تبدأ بتلقي خبر الفتوى ثم الاختفاء والدخول في حماية الشرطة البريطانية لتتحول إلى قصة حياة المؤلف وعائلته
يشير إسبر إلى أن “جوزف أنطون”، ليس كتاب مذكرات فحسب، فعلى امتداد أكثر من 600 صفحة نقرأ تاريخا للثقافة المعاصرة، وللجدل الدائر داخل الغرب، حيال النظرة إلى الثقافات الأخرى، ويحاول هنا رشدي أن يلعب دورا تنويريا ويرى أن هناك في الغرب من ينظرون إلى الآخر على أنه كتلة واحدة أو هوية متجانسة لا تعدد فيها.
يمكن اعتبار مذكرات رشدي نوعا من القراءة المضادة من الداخل للثقافة الغربية، وهو يبحث عن تضامن موضوعي، أي مع متضامن يدافع عن الأدب ضد كل أشكال التعصب سواء كانت إسلامية أو مسيحية أو يهودية، أي إنه يرفض التضامن معه على أساس العداء للإسلام.
إن “جوزف أنطون” يمكن اعتبارها رواية أخرى من روايات رشدي، بل يمكن اعتبارها من أهم رواياته، حتى لو أنها اتخذت شكل مذكرات عن حياته. إنها رواية عن حياة حقبة بأكملها، تتحرك عبر الأزمنة، وعبر الحدود الثقافية، كي تظهر أن الفرد ليس ابن ثقافة محددة بلغة محددة، بل إنه دوما يعاود ابتكار نفسه سياقيا وفي هذا السياق تتقاطع المؤثرات الكونية. إنها رواية من نوع آخر بطلها المؤلف نفسه. سلمان رشدي ابتكر لنفسه اسما مزيجا من أنطون تشيخوف وجوزف كونراد، وجعله جوزف أنطون. جوزف أنطون صار بطل رواية تنطلق من تلقي خبر الفتوى من آية الله الخميني ضد مؤلف “آيات شيطانية”، كي تبدأ حياة تخف جديدة تحت الحراسة البريطانية تحت اسم مستعار.
ويرى المترجم أن سلمان رشدي في هذه المذكرات يتحدث عن علاقاته الغرامية، عن تنقله من منزل إلى آخر، عن حياته تحت الحراسة في أجواء سرية، ويبرع في وصف تفاصيل هذه الحياة بدقة هائلة، كما يظهر اطلاعا واسعا على تفاصيل حياة الشرطة السرية وأنواع السيارات المستخدمة في الحراسة.
وثمة فصول عن علاقته بابنه وزوجته الأولى، وعلاقاته الغرامية والشخصيات التي دعمته وتلك التي خذلته، والعلاقة المهمة التي كانت تربطه بوالده، وكيف أن كلمة رشدي تحيل إلى ابن رشد، هذه الإحالة من خلال اطلاع والده على آراء الفيلسوف ابن رشد واعتناقه لها وانتقال هذا الحب إلى سلمان رشدي نفسه، دفع سلمان رشدي إلى الدفاع عن نفسه، بطريقة عقلانية، أي أنه اعتبر ما طرحه في رواية “آيات شيطانية” امتدادا للتوجه العقلاني والعلماني داخل التراث الإسلامي نفسه، أي إن سلمان رشدي لم يعتبر نفسه ناقدا للإسلام من الخارج على طريقة بعض المستشرقين، بل اعتبر نفسه صوتا من داخل التراث، امتدادا للتراث العقلاني الفلسفي المضاد للتدين في شكله السلفي، أي أن الرواية المثيرة للجدل هي نتاج هذا الجدل.
يقول سلمان رشدي في الكتاب عن والده “أطلق أنيس اسما جديدا على نفسه هو رشدي بسبب إعجابه بابن رشد الفيلسوف العربي الإسباني من القرن الثاني عشر من قرطبة الذي رقي وعيّن قاضيا لإشبيلية، وكان مترجما ومفسرا مشهورا لأعمال أرسطو. حمل ابنه الاسم لعقدين قبل أن يفهم أن والده، الباحث الحقيقي في الإسلام، كان أيضا يفتقر بشكل كامل للإيمان الديني، واختاره لأنه احترم ابن رشد كونه في مقدمة الجدل العقلاني ضد التفسير الحرفي للإسلام في زمنه، ومرت عشرون سنة أخرى قبل أن تردد المعركة على رواية ‘آيات شيطانية’ في القرن العشرين صدى الجدل الذي عمره ثمنمئة عام”.
ويتحدث رشدي عن اسمه قائلا إنه دخل المعركة الحامية التي سببتها روايته حاملا الاسم الصحيح: قال لنفسه حين هبت العاصفة فوق رأسه “على الأقل، أنا أدخل المعركة حاملا الاسم الصحيح”. ومن داخل القبر سلّمه والده الراية التي كان مستعدا كي يقاتل تحتها، راية ابن رشد، التي عبرت عن الفكر والحجة والتحليل والتقدم وتحرر الفلسفة والتعلم من قيود اللاهوت، والتي جسدت العقل الإنساني ضد الإيمان الأعمى والخضوع والقبول والبلادة. لم يرد أحد أبدا الذهاب إلى الحرب، ولكن إذا جاءت الحرب إليك، من المحتمل أن تكون أيضا الحرب الملائمة، حول الأشياء الأكثر أهمية في العالم، ويمكنك أيضا، إذا كنت ستخوضها، أن تدْعى رشدي، وتقف حيث وضعك والدك، في التراث الأرسطي المهيب، تراث ابن رشد، أبي الوليد محمد ابن أحمد ابن رشد”.
ويرى إسبر أن المذكرات تصف رشدي حياته مختبئا لأكثر من عقد، ويزعم فيها أن رواية “آيات شيطانية” هي أقل كتبه انخراطا في السياسة، ويعدها انخراطا فنيا لمناقشة ما يسميه بظاهرة الوحي، من وجهة نظر شخص غير مؤمن. أصر رشدي على أن روايته عمل فني ولا يمكن اختزالها في هجوم على الإسلام.
ذكريات التخفي والأصدقاء
"جوزف أنطون" يمكن اعتبارها رواية أخرى من روايات رشدي، بل يمكن اعتبارها من أهم رواياته رغم أنها مذكرات
يلفت إسبر إلى أن “جوزف أنطون” لا تخلو من حس الفكاهة، ذلك أن رشدي ينتقل في سرده عبر العوالم والثقافات والأزمنة، أي إن نص المذكرات هو أشبه بما يمكن أن يطلق عليه مصطلح “الأنثروبولوجيا الذاتية”، فرغم أن المؤلف يتحدث عن نفسه، إلا أنه وضع نفسه في سياق ثقافات متعددة، بالتالي سلمان رشدي هو متعدد، متجاوز للحدود، لا يتقيد بزمان ومكان، ينتقل بين زمن الوحي وزمن المسلمين الحاليين، بين زمن والده، والوقت الذي عاشه كطالب أو كاتب إعلانات، بين زمن روايته قبل الإسلام وبعد وزمن المظاهرات الدموية التي قدحت شررها فتوى الخميني، والعزلة الشديدة التي عاشها في الخفاء.
ويضيف “في هذا المقطع نلاحظ حس السخرية لديه خاصة حين تعلق الأمر بالشعر المستعار، اقترح رجال الشرطة لمة شعر مستعار، وأن يشاهده رجلهم الأفضل في صنع اللمات ويأخذ عينة من شعره. كان شكاكا جدا لكن طمأنه عدد من ضباط الحماية بأن الشعر المستعار يعمل في الحقيقة. قالوا: ستتمكن من السير في الشارع دون أن تلفت الأنظار. ثق بنا. تلقى تأكيدا غير متوقع لهذا من مايكل هير. قال مايكل، وهو يتحدث ببطء وعينه ترمش بسرعة: في مسألة التمويه ليس عليك أن تغير الكثير، يا سلمان. فقط العلامات الأساسية”.
وتابع “صنعت الباروكة ووصلت في علبة كرتونية بنية مثل حيوان صغير نائم. وحين وضعها على رأسه شعر بأنه غبي على نحو غريب. قال رجال الشرطة إنها تبدو عظيمة. قال بالتباس: حسنا. لنأخذها في نزهة. ساقوا به إلى شارع سلون وصفوا قرب هارفي نيكولس. حين خرج من السيارة استدارت جميع الرؤوس كي تنظر إليه وابتسم كثيرون ابتسامات عريضة أو حتى ضحكوا. سمع صوت رجل يقول: انظروا، هذا ابن الحرام رشدي يلبس باروكة. عاد إلى الجاغوار ولم يرتد الباروكة بعد ذلك أبدا”.
وتحدثت المذكرات عن علاقة رشدي بإحدى زوجاته، وهي الأميركية ماريان ويجينز والتي انفصل عنها، وجاءت إلى شقته وسرقت بعض الأشياء الثمينة، كما يوضح هذا المقطع من المذكرات: “طلب من بولين أن تحضر بعض الأشياء له لكن عددا منها كان مفقودا، اختفت ألبومات صوره، خمسة منها، تحتوي على حياته كلها قبل ماريان، ونسخته الشخصية، النسخة رقم 1، من الطبعة المحدودة للنسخ الموقعة التي عددها 12 من رواية ‘آيات شيطانية’. (فيما بعد باعه ريك جيكوسكي، وهو بائع أميركي للكتب القديمة في لندن، نسخة تيد هيوز من هذه الطبعة المحدودة، النسخة رقم 11. دفع مبلغ 2200 جنيه كي يشتري هذه النسخة من كتابه). لا أحد يمتلك مفاتيح لذلك المنزل إلا بولين وسامين وماريان. وبعد عامين كتب الصحافي فيليب وايس لمحة عنه في صحيفة إسكواير كانت غير جيدة بشكل صادم لكنه مدح ماريان. وكانت إحدى الصور المرفقة من ألبومات الصور المفقودة”.
وأضاف “تحت ضغط من أندرو اعترفت صحيفة إسكواير أن ماريان هي التي قدمت الصورة زاعمة أنها قدمت لها كهدية. وفي الوقت نفسه تقريبا عرضت ‘نسخة نهائية مطبوعة’ من رواية ‘آيات شيطانية’، المفقودة أيضا من مكتبه في شارع سينت بيتر، للتجار للبيع. أخبره ريك جيكوسكي أن ماريان كانت تقول إن هذه أيضا ‘هدية’، وسحبت في النهاية النسخة من السوق، غير سعيدة من الأسعار التي قدمت لها. كانت النسخة الخطأ، إن النسخة الأكثر قيمة، نص العمل المغطى بالحواشي والملاحظات والتصحيحات، لا يزال بين مقتنياته. لم يعثر أبدا على ألبومات الصور ولم تعد”.
رؤية الأدب للطبيعة البشرية شجعت على الفهم والتعاطف والتماهي مع أشخاص مختلفين، لكن العالم يدفع الجميع في اتجاهات مختلفة
يذكر رشدي في المذكرات الكثير من الأشخاص في الغرب والعالم العربي الذين تضامنوا معه، وقد ورد اسم إدوارد سعيد، إذ تحدث رشدي عن علاقته الحميمة معه، ولقاءاتهما أكثر من مرة في لندن، حتى بعد أن أصيب إدوارد سعيد بسرطان الدم. تحدث أيضا عن علاقته مع الروائي الأميركي بول أوستر قائلا “كتب في رواية أطفال منتصف الليل: إن معظم ما يهم في حياتنا يحدث في غيابنا”. ولم تكن أوامر الموت ومؤامرات القتل والتهديدات بالقنابل والمظاهرات وجلسات المحكمة والمكائد السياسية موجودة في ذهنه، لكنها احتشدت في قصة حياته كي تبرهن وجهة نظر راويها الخيالي.
وكان من المؤثر معرفة أن محنته تهم الكثير من الغرباء الذين يتمنون له الخير. فقد كتب الروائي الأميركي بول أوستر، الذي صار فيما بعد صديقا حميما، “صلاة” له: “حين جلست كي أكتب هذا الصباح، كان الشيء الأول الذي فعلته هو التفكير بسلمان رشدي. فعلت كل صباح”.. وأراد مايك والاس المساعدة. وقال الصحافي الأسطوري لـ”سيكستي مينتز” للمدير التنفيذي للبنغوين إن “بيانا آخر مشابها لمقالة ‘بإيمان جيد’، أو ربما ‘أبعد خطوة أو خطوتين’ (مهما عنى هذا) يمكن أن يحمله شخصيا إلى رفسنجاني وقد يقوم هذا بالخدعة ويرفع الفتوى”.
ويلفت إسبر “أثناء فترة التخفي، استلم رشدي في ستوكهولم جائزة كورت تتشولسكي التي تمنح للكتاب الذين يقاومون الاضطهاد، والتي شجبتها إيران، في الكلمة التي ألقاها في هذه المناسبة قال رشدي في المذكرات: إنه في قلب الجدل حول رواية ‘آيات شيطانية’، ووراء كل الاتهامات والإساءات، هناك سؤال له أهمية كبيرة: من الذي يجب أن يمتلك السيطرة على القصة؟ من يمتلك، من يجب أن يمتلك، القوة كي يروي القصص التي بها وفيها عشنا كلنا، وأن يقول أيضا بأي طريقة يمكن أن تروى تلك القصص؟ لأن الجميع يعيشون بالقصص وداخلها، ما يدعى بالسرديات الكبيرة. كانت الأمة قصة والعائلة قصة أخرى، والدين قصة ثالثة”.
وأضاف “كفنان مبدع يعرف أن الجواب الوحيد على السؤال هو: الجميع أو أي شخص يمتلك أو يجب أن يمتلك تلك القوة. ينبغي أن نكون جميعا أحرارا كي نأخذ السرديات المهيبة إلى مهمة، أن نتجادل معها ونسخر منها ونصر على أن تتغير كي تعكس الأزمنة المتغيرة. ويجب أن نتحدث عنها باحترام وبدون احترام، بهيام وبشكل لاذع، أو كيفما شئنا. وهذا من حقنا كأعضاء في مجتمع مفتوح. وفي الحقيقة، يستطيع المرء أن يقول إن قدرتنا على أن نروي من جديد ونعاود صنع قصة ثقافتنا أفضل دليل على أن مجتمعاتنا هي حرة حقا. ففي مجتمع حر ما يهم هو الجدل. إن الجدل هو الحرية. لكن في مجتمع مغلق يحاول الذين يمتلكون السلطة السياسية أو الأيديولوجيا باستمرار أن ينهوا هذه المجادلات. يقولون: سنروي لك القصة، وسنقول لك ما تعنيه. سنخبرك كيف تروى القصة ونمنعك من أن ترويها بأي طريقة أخرى. وإذا كنت لا تحب الطريقة التي نروي بها القصة إذا فأنت عدو للدولة أو خائن للدين. الويل لك! سنأتي إليك ونعلمك معنى رفضك. إن الحيوان الرواي يجب أن يكون حرا كي يروي حكاياته”.
أدوار الأدب
"جوزف أنطون" ليس كتاب مذكرات فحسب، فعلى امتداد أكثر من 600 صفحة نقرأ تاريخا للثقافة المعاصرة، وللجدل الدائر داخل الغرب
تحدث رشدي عن فن الرواية، أثناء حديثه عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر، قال “اختار الإيمان بالطبيعة البشرية، بكونية حقوقها وأخلاقها وحرياتها، والوقوف ضد أخطاء النسبية التي في قلب اللغة البذيئة لجيوش الأديان (نكرهك لأننا لسنا مثلك) والمتعاطفين معهم في الغرب، أيضا، والذين كثير منهم يساريون. وإذا كشف فن الرواية أي شيء فهو أن الطبيعة البشرية هي الثابت العظيم في أي ثقافة وفي أي مكان وفي أي زمان، وإنه، كما قال هيراقليطس قبل ألفي عام، إن روح الإنسان، طريقته في الوجود في العالم، هي عفويته، المبدأ الموجه الذي شكل حياته، أو، في الصياغة الأكثر حدة وألفة للفكرة، تلك الشخصية هي القدر”.
وأضاف “كان من الصعب الاقتناع بتلك الفكرة بينما كان دخان الموت يتصاعد في السماء فوق مكان الانفجار وبعد أن قتل آلاف الرجال والنساء الذين لم تحدد شخصياتهم أقدارهم، بينما كان هذا في أذهان الجميع، لم يهم إن كانوا عمالا مجدين أو أصدقاء كريمين أو آباء محبين أو عاشقين كبارا، لم تكترث الطائرات بأرواحهم، ونعم، إن الإرهاب يمكن أن يكون القدر، فحيواتنا لم تعد ملكنا بشكل كامل كي نسيطر عليها، لكن طبائعنا المستقلة تحتاج إلى أن نصر عليها، ربما أكثر من السابق وسط الرعب، كان من المهم أن ندافع عن المسؤولية البشرية الفردية، أن نقول إن القتلة مسؤولون أخلاقيا عن جرائمهم، ولا يشكل دينهم أو غضبهم ضد أميركا أي عذر لهم، كان من المهم في زمن أيديولوجيات هائلة ومتضخمة ألا ننسى الميزان الإنساني، أن نواصل الإصرار على إنسانيتنا الجوهرية، وممارسة الحب، إذا جاز القول، في ساحة المعركة”.
حول الدور الذي يعلبه الأدب قال رشدي “كان هذا ما يعرفه الأدب، وعرفه دوما. حاول الأدب أن يفتح الكون، أن يزيد، ولو بشكل ضئيل فحسب، إجمالي ما هو ممكن للكائنات البشرية أن تدركه وتفهمه، وهكذا أخيرا، أن تكونه. وذهب الأدب العظيم إلى حواف المعروف ودفع حدود اللغة، والشكل والإمكانية، كي يجعلنا نشعر بأن العالم أكبر، وأوسع من قبل. لكن هذا كان عصرا يميل فيه الرجال والنساء إلى تعريفات أكثر ضيقا لأنفسهم، متشجعين على أن ينادوا أنفسهم بشيء واحد فحسب، صربا أو كرواتا أو إسرائيليين أو هندوسا أو مسلمين أو مسيحيين أو بهائيين أو يهودا، وكلما ضاقت هوياتهم ازداد احتمال الصراع بينهم”.
وتابع “شجعت رؤية الأدب للطبيعة البشرية على الفهم والتعاطف والتماهي مع أشخاص مختلفين، لكن العالم يدفع الجميع في اتجاهات مختلفة، نحو الضيق والتعصب والقبلية والطائفية والحرب. كان هناك كثير من الأشخاص الذين لا يريدون الكون مفتوحا، والذين في الحقيقة يفضلونه مغلقا قليلا، وهكذا حين ذهب الفنانون إلى الحدود ودفعوا غالبا ما وجدوا قوى جبارة تدفع إلى الخلف. ولكنهم فعلوا ما يجب أن يفعلوه، وكان الثمن أحيانا راحتهم، وفي أحيان أخرى حياتهم”.