الاتحاد في مواجهته مع الحكومة التونسية.. كل الجبهات خاسرة

موازين القوى ليست لصالح القيادات النقابية الحالية والجماهير التونسية ملت لغة تعطيل مصالح الناس باسم الحريات النقابية وما من عاقل يرضى بالإضرار بفلذة كبده في سبيل مطالب أي فئة مهما كان حجمها.
السبت 2023/07/15
قيادات بدأ يأفل نجمها

“لن نسلم الدولة لمجموعة من المغامرين” كلمة حاسمة أطلقها وزير التربية التونسي محمد علي البوغديري في معرض رده على محاولات التصعيد التي لوح بها الاتحاد العام التونسي للشغل إثر تفاقم الأزمة بين وزارته ونقابة المعلمين الأساسيين التي هددت باللجوء إلى القضاء لإلغاء قرارات وزارة التربية بإعفاء 350 مدير مدرسة، وحجز رواتب 17 ألف معلم على خلفية رفضهم الإفصاح عن كشوف اختبارات الطلاب.

الرأي العام في تونس بدا منحازا إلى قرارات الوزارة ضد من نغصوا على التلاميذ فرحتهم بعطلة الصيف، وحرموهم من نيل الكشوفات المدرسية ونتائج الاختبارات، منحدرين في ذلك برسالة التعليم وقيمها النبيلة إلى الدرك الأسفل، وقد وضعوها في ميزان التجاذبات النقابية والابتزازات المطلبية كما يرى أهالي التلاميذ.

ومن جهتها، ترى نقابة التعليم أن مطالبها مشروعة، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال، حرمان هؤلاء المدرسين من أجورهم وتعريضهم مع عائلاتهم للجوع لمجرد أنهم مارسوا حقا نقابيا يسمح به الدستور وتبيحه كل القوانين المحلية والدولية.

◙ من ينبغي أن يثوب إلى رشده في هذه القضية هو نقابة المعلمين وليس الحكومة، ذلك أن ما أقدموا عليه من حجب للكشوفات المدرسية ونتائج الاختبارات، يعتبر تجاوزا غير مبرر

الأزمة تتصاعد إذن، وليس هناك من حلول على المدى المنظور، في ظل تدخل المركزية النقابية على لسان أمينها العام المساعد سامي الطاهري الذي وصف كلام وزير التربية التونسي بأنه “تحريضي” ملمحا إلى إمكانية تدويل القضية عبر رفعها إلى منظمة العمل الدولية.

لا أحد يعلم عواقب هذه الأزمة غير المسبوقة التي استخدم فيها الاتحاد سلاحا من العيار الثقيل وهو حجز الكشوفات المدرسية، مما يمس بأحد أركان سيادة الدولة عبر تعطيل نظامها التربوي وتعريض الناشئة إلى مصير مجهول.

الحقيقة أن السلطات التونسية في الموقع الأقوى وفق جميع وجهات النظر، وكسبت إلى جانبها الرأي العام الذي أبدى التفافا غير مسبوق حول الرئيس قيس سعيد، وحكومته التي شبهها البعض بما أقدمت عليه رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر عام 1984 من قبضة حديدية حيال نقابات العمال.

وثمة من يزيد على هذا بالقول إن الاتحاد العام التونسي للشغل قد بدأت شمسه تغرب، وقيادته يأفل نجمها في عهد الرئيس سعيد، الذي تسانده الجماهير كما لم تفعل من قبل، منهيا بذلك عقودا من نجومية النقابة الأعرق في العالم، والتي تأسست قبل دولة الاستقلال بعشر سنوات.

قد تنتهي الأزمة بين الاتحاد والحكومة عبر تسويات كما يحدث في كل مرة، لكن تبادل التنازلات اليوم، لن يكون في صالح الاتحاد من جهة أمينه العام نورالدين الطبوبي ومساعده سامي الطاهري، كما كان يحدث مع قيادات نقابية سابقة ورؤساء حكومات سابقة، وإنما سوف تكون الكلمة الحسم للرئيس سعيد الذي ضمن مساندة قوى برلمانية وسياسية وقطاعات عريضة من المجتمع.

السطوة النقابية ورمزيتها، أصيبت بالوهن هذه المرة، وانفض الكثير من حولها نتيجة عوامل ذاتية وأخرى موضوعية، فالخلافات على أشدها داخل البيت النقابي بسبب تراشق اتهامات بالفساد، وتباين الولاءات.

◙ لا أحد يعلم عواقب هذه الأزمة غير المسبوقة التي استخدم فيها الاتحاد سلاحا من العيار الثقيل وهو حجز الكشوفات المدرسية، مما يمس بأحد أركان سيادة الدولة عبر تعطيل نظامها التربوي

أما الظروف الوطنية والإقليمية والدولية في السبعينات والثمانينات والتسعينات، فلم تعد هي نفسها في وقتنا الحالي الذي يعاني فيه العالم ما يعانيه من أزمات تضخم وبطالة وهجرة وأوبئة وكوارث.

أمام هذه التحديات، لم يبق للاتحاد العام التونسي للشغل إلا النظر إلى حجمه الطبيعي دون تضخم أو مبالغة في تقدير دوره الذي لن يكون أكثر من نقابي كما أراده الرئيس سعيد الذي وإن اتهمته قوى معارضة بأن الجميع صار يعمل بمثابة السكرتارية في حكومته، فإنه – والحق يقال – يتمتع بتأييد شعبي يزداد يوما بعد يوم.

موازين القوى ليست لصالح القيادات النقابية الحالية، والجماهير التونسية ملت لغة تعطيل مصالح الناس وشل البلاد باسم الحريات النقابية، كما أن ما من عاقل يرضى بالإضرار بفلذة كبده في سبيل مطالب أي فئة مهما كان حجمها ودورها مثل المدرسين.

من ينبغي أن يثوب إلى رشده في هذه القضية هو نقابة المعلمين وليس الحكومة، ذلك أن ما أقدموا عليه من حجب للكشوفات المدرسية ونتائج الاختبارات، يعتبر تجاوزا غير مبرر في كل أنظمة العالم الديمقراطية وسقوطا أخلاقيا مدويا وغير مسبوق.

ومهما كانت الجبهات التي يمكن للاتحاد فتحها في تصعيده ضد الحكومة، فإنها سوف تكون خاسرة وغير مسنودة قانونيا وأخلاقيا وشعبيا، وكذلك دوليا لمن أراد تدويل الأزمة من قيادات الاتحاد الذي لم يعد متحدا.

9