يوسف وهبي مسرحي أسس للميلودراما وقام بتمصير الكثير من الأعمال العالمية

أسماء بسام: مسرح وهبي في قلب الحركة السياسية والاجتماعية المصرية.
الخميس 2023/07/06
يوسف وهبي أحدث طفرة في تاريخ المسرح المصري

حفل مسرح يوسف وهبي بثراء فني كبير حيث تعددت معالجاته ومناقشاته للقضايا الإنسانية ومنها الاجتماعية والوطنية بشكل خاص. وعلى الجانب الآخر حفلت حياته الفنية بمسيرة تواكبت مع تطورات وتغيرات واسعة في المشهد المسرحي والغنائي والموسيقي، ما جعله أبرز التجارب المسرحية المؤسسة لا في مصر فحسب بل على المستوى العربي.

تناولت الكثير من الدراسات الأكاديمية والمتخصصة أعمال المسرحي المصري يوسف وهبي محللة لتجلياتها، آخرها دراسة الأكاديمية أسماء بسام “مسرح يوسف وهبي”، والتي اعتمدت على منهج تاريخي وصفي تحليلي مقارن.

تقول بسام عن نشأة يوسف وهبي “نشأ حيث بداية المسرح الغنائي على يد سلامة حجازي، مرورا بتراجيديا جورج أبيض، ثم الكوميديا على يد عزيز عيد ونجيب الريحاني، وحاول أن يساير الألوان الفنية الموجودة في هذا الوقت لكنه فشل فشلا ذريعا، ثم اتجه إلى ألوان أخرى استطاع من خلالها أن يقدم فنّا جميلا كان المتلقي في هذا الوقت يتعطش له، ويحتاجه نظرا إلى الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي مر بها الوطن في هذا الوقت، وتعددت أيديولوجيات المجتمع وتعدد عرض يوسف وهبي لهذه الأيديولوجيات، ولكنه لم ينسلخ من تقديم لون الميلودراما على أيّ حال، حيث قدم على مسرحه مسرحيات ميلودرامية اجتماعية ومسرحيات دموية تساير مسرح الجرانجينول الفرنسي، وقدم مسرحيات كوميدية، وروايات ممسرحة، وأخرى ممصّرة، وغيرها مترجمة”.

بحث صعب

يوسف وهبي لم ينعزل عن الحركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للبلاد بل شارك فيها في معظم مسرحياته

تكشف أسماء بسام أنها بدأت مشروعها في هذه الدراسة منذ أواخر عام 2010 لتكون مشروع دراستها في مرحلة الماجستير، والتي حصلت بها على درجة الماجستير في الآداب قسم اللغة العربية من كلية الآداب جامعة الزقازيق في عام 2012، حيث قالت “هذه الدراسة المتواضعة التي تنفض الغبار عن زمن جميل عاش وسيعيش في أعماق المسرح العربي، أقدمها إلى عشاق البحث عن التراث؛ لتوثق لهم زمنا من أروع الأزمان التي عاشها الفن المسرحي في ذلك الوقت“.

تذكر الباحثة أنها في إطار دارستها حللت الشخصيات المسرحية لوهبي ونقدها للأحداث، قائلة “درست الشخصيات التي تنتمي إلى الطبقة الوسطى، وشخصيات الطبقة الأرستقراطية، وشخصيات نسائية، مع نقد لبنية المسرحية الاجتماعية التي مما لا شك فيه أنها تنتقد المجتمع المصري آنذاك، إذ لم يعد في فترة ذيوع هذا اللون لأصحاب الأراضي الزراعية أيّ صفة لسيادة المجتمع وذلك لبروز الدور الذي لعبته الطبقة البرجوازية في الحياة الاقتصادية والسياسية في المجتمع، وإفسادها الحياة بظاهرة التمدين التي تخنّث الشاب، وتفسد الحياة على الفتاة”.

واعتمدت بسام في دراستها، الصادرة عن دار المعارف، على مسرحيات يوسف وهبي المؤلفة مصدرا أساسيا، والتي عثرت على معظم مخطوطاتها في إدارة التراث بالمركز القومي للمسرح والموسيقى. وجاءت الدراسة في مقدمة وأربعة فصول وخاتمة.

عرضت الباحثة بداية في الفصل الأول “تاريخ مسرح يوسف وهبي” لنشأة يوسف وهبي وحياته والعوامل المؤثرة في تكوينه الفكري والنفسي، وكذلك محاولاته في تأليف المنولوجات، والتي كانت إرهاصا لإبداعه المسرحي، وأشارت إلى بعض معاصريه في محاولة للوقوف على خارطة الإبداع المسرحي في عصره وموقفه منها وموقعه فيها؛ حيث بداية المسرح الغنائي التي كان يتزعمها سلامة حجازي والتي جعلت يوسف وهبي يسايرها في تأليفه للمنولوجات الغنائية.

ب

بعد انصراف المسرح عن المسرحية الغنائية واتجاهه للفودفيل والكوميديا على يد عزيز عيد، أخذ وهبي ينصرف إليها بمشاركته في المسرحية الكوميدية “حنجل بوبو”، في هذه الفترة ملكت الكوميديا زمام المسرح المصري مما جعل أبيض وحجازي يوحدان فرقتيهما بهذا اللون، ولكنهما فشلا، وفي فترة التنافس الشديدة التي نشأت بينه وبين الريحاني، جعلت الريحاني يفلت من زمام الكوميديا بمسرحية ميلودرامية بعنوان “ريا وسكينة” لمجاراة يوسف وهبي في هذا اللون ولكنه سرعان ما فشل فشلا ذريعا.

ودرست بسام في الفصل الثاني “التمصير في مسرح يوسف وهبي دراسة مقارنة”، الظروف التي أدت إلى ازدهار التمصير في المسرح المصري وقتئذ، والوقوف على خارطة التمصير عند يوسف وهبي والمعاصرين له، وأسباب اختيار وهبي مسرحيات أجنبية بعينها، وحللت مسرحيات ملائمة للتمصير مثل: “بنات الريف” الممصّرة عن رواية “البعث” لتولستوى، “بيومي أفندي” الممصّرة عن “الأب ليبونار” لجان إيكار، “أولاد الفقراء” الممصّرة عن “الشرف” لهرمان سودرمان، “زوجاتنا” الممصّرة عن “العرائس” لبيير وولف.

وحللت في الفصل الثالث “مسرحة الرواية عند يوسف وهبي” لمسرحة الرواية في مسرحيتي “بنات الريف”،”راسبوتين”. واختتمت بدراسات نقدية في مسرحيات يوسف وهبي “الميلودراما ـ مسرح الدم والدموع ـ المسرحية التاريخية ـ المسرحية الاجتماعية”.

وتلفت بسام إلى الصعوبات التي واجهتها في بحثها وتقول “كان أولها صعوبة العثور على المخطوطات والتي تمثل مصادر الدراسة، وزاد من هذه الصعوبة عدم تعاون الإدارة السابقة للمركز القومي للمسرح والموسيقى آنذاك عام 2011 بل ووضعها العراقيل أمامي، مما اضطرني إلى نسخ الأجزاء التي أحتاجها من المخطوطات ـ وما أكثرها ـ وانتظرت شهورا إلى حين وضع لائحة جديدة، لأن اللائحة كانت معطلة ومثار جدل، وعندما طال انتظاري واللائحة مازالت معطلة قامت إدارة التراث بمركز المسرح مشكورة بأن تهيئ لي مكانا للاطلاع على بعض المخطوطات الأخرى”.

وتضيف “كما واجهتني صعوبة أخرى تمثلت في الحصول على مراجع البحثِ التي كان معظمها مقالات متناثرة في دوريات عفا عليها الزمن مما جعلني مكثت بدار الكتب بالقاهرة مرارا وتكرارا للعثور على بعض الدوريات فتارة أجد ما أريده وتارة أخرى لا يسعفني الحظ فأجدها في الترميم أو لم أجدها، إلا أن هذه الصعوبة ذللها تعاون القائمين على قسم الدوريات بدار الكتب فقد حرصوا مشكورين على معاونتي بكل السبل الممكنة”.

ظاهرة التمصير

المسرحي قدم أعمالا ميلودرامية اجتماعية ومسرحيات دموية تساير مسرح الجرانجينول الفرنسي وأخرى كوميدية وروايات ممسرحة وممصّرة

تؤكد أسماء بسام أن يوسف وهبي نشأ في وقت كان اتجاه كتاب المسرح فيه إلى المسرحية الغنائية، حيث كانت المسرحية الغنائية هي المسيطرة على

أذواقِ الجمهور وقتئذ، مما هيأ الجو لانتشار الموهبة الغنائية، فبدأ ينشأ على تأليف وتلحين المنولوجات مقتبسا إياها من عروض الفرق المصرية في مصر وقتئذ، ثم بدأ المسرح الغنائي يتقهقر ليحل محله مسرح عزيز عيد الكوميدي بكوميديا صارخة بذيئة، من هنا تنحى يوسف وهبي وانصرف من الغناء إلى التمثيل في مسرحية

“حنجل بوبو” الكوميدية، ولكنه فشل فشلا ذريعا في تأدية دور الكوميديا، مما اضطره إلى الهجرة لإيطاليا لعله يجد مخرجا لتنمية موهبته في التمثيل.

بعد عودته إلى مصر في وقت ذيوع فن الكوميديا الذي فشل فيه يوما على يد نجيب الريحاني، اضطر وهبي إلى تغيير هذا اللون واتجه إلى الميلودراما، وكوّن فرقة رمسيس التي قدم من خلالها مسرحيات الميلودراما والكوميديا الاجتماعية والتراجيدية والمترجمة والممصّرة… الخ، وأحدث طفرة في تاريخ المسرح المصري، واشتدت المنافسة بينه وبين الريحاني، مما اضطر الريحاني إلى أن يتجه إلى النوع الميلودرامي في تقديم مسرحية “ريا وسكينة” وبالطبع فشل فشلا ذريعا.

ترى الباحثة أن وهبي تعرض للكثير من الهجوم على مسرحياته الدموية التي تثير الجمهور ولا تقدم أيّ إضافة للواقع المعيش، وأخذت الحملة الصحفية في الازدياد، حيث شنت روز اليوسف حملة هجومية ضد مؤلفاته ومسرحياته، ومن ثَم اتجه نقاد للدفاع عنه تارة، وأخذ هو يدافع عن نفسه وعن مسرحياته تارة أخرى.

,

وتتابع بسام أن وهبي لم ينعزل عن الحركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للبلاد بل شارك فيها في معظم مسرحياته، فنجده يشارك بثلاثية الأولاد في المجال الاجتماعي ودراسة مشكلات المجتمع، والتعرض لبعض الأمراض الاجتماعية المنتشرة آنذاك.

وتذكر أن وهبي اشترك في الفرقة القومية وترأسها في وقت إغلاق مسرحه، وقرر مرارا وتكرارا بأن يعتزل التمثيل، بسبب قلة الإعانة، بل وعدم وجود إعانة حكومية في الأساس وقتذاك، كما حاول في تغيير مسرحياته إلى أفلام وانصرف من المسرح إلى السينما. لكن ظل دائما أهم رواد المسرح المصري؛ حيث أنه يعتبر حلقة وصل بين الماضي التراجيدي والغنائي والحاضر الكوميديا والفودفيل والمستقبل الميلودراما ومسرح الدم والدموع.

وترى بسام أن وهبي في تمصير بعض مسرحياته من بيئات غربية مختلفة، من الروسية والفرنسية والإيطالية، عمد إلى اختيارها ملائمة للظروف الاجتماعية، كما غيّر في بعضها بما يلائم العادات والتقاليد المصرية؛ حيث قام بتمصير أسماء شخصياته، وأماكن المسرحيات، والزمان وحذف ما لا يتفق مع العادات والتقاليد المصرية، وإضافة ما يتفق، والإبقاء على ما يتناسب مع الظروف الاجتماعية التي انتشرت في المجتمع المصري آنذاك.

وقد تأثر وهبي في تمصيره لمسرحياته بحديث عيسى بن هشام لمحمد المويلحي، وحشا حوارها بالأمثال العامية، وضمنها القرآن الكريم، كما ضمنها أيضا الاقتباس من التراث الشعبي، والعهد الجديد، والشعر العربي القديم، واعتمد فيها على الأثر الغربي يؤازره الأثر المصري. ومن جانب آخر لم يأخذ أسلوب النقل والتمصير فقط بل ذهب إلى أبعد حدود الاقتباس وأخذ يمسرح الرواية الأجنبية، وينقلها على المسرح المصري، من هنا تحدثت عن هذه الظاهرة “مسرحة الرواية”، موضحة الفرق بين المسرحية والرواية والوقوف على تقنيات السرد وتقنيات المسرحة.

13