"الزعيم" يتصدر مهرجان المسرح المصري لجذب الجمهور والنقاد

اسم عادل إمام لا يكفي لتطوير حركة المسرح في غياب المشروع الفني.
الجمعة 2023/06/23
مهرجان يتعرض لانتقادات عديدة

في ظل ما يواجهه من تراجع كبير على مستوى الأعمال المسرحية المشاركة فيه، وهو ما يعكس تراجعا في جودة الحركة المسرحية في مصر، اختار المهرجان القومي للمسرح المصري أن تكون دورته المقبلة احتفاء بـ”الزعيم” عادل إمام، وهو ما رأى فيه نقاد كثيرون محاولة لتسويق المهرجان، لكنها محاولة لا تضمن النجاح إذا لم تتزامن مع خطة محكمة ترتقي بالذائقة المسرحية.

القاهرة - هيمن اسم الفنان المصري عادل إمام على مضمون الدورة السادسة عشرة من المهرجان القومي للمسرح المصري التي ستنعقد الشهر المقبل، تزامنًا مع احتفاء شعبي بعيد ميلاد الفنان المعروف بـ”الزعيم” الثالث والثمانين، وكان محل اهتمام الرأي العام المصري والعربي، ما يشي بوجود أبعاد تسويقية لمهرجان تعرض لانتقادات عديدة خلال السنوات الماضية عقب تراجع مستوى الأعمال المسرحية التي شاركت فيه.

ويبدو أن إدارة المهرجان الجديدة برئاسة الفنان محمد رياض رغبت في أن تكون دورة عادل إمام شاهدة على تكريم تأخر كثيراً لأحد أبرز الفنانين في تاريخ المسرح المصري، واستفادت في الوقت ذاته من حالة الترقب الجماهيري لأي ظهور لفنان غاب عن المشهد الفني نحو ثلاث سنوات منذ آخر أعماله الدرامية (فلانتينو).

وينطلق المهرجان في الفترة يوم 27 يوليو المقبل ويستمر حتى 12 أغسطس، ويعد أشبه بتجميع لأبرز الأعمال المسرحية المصرية المقدمة على مدار عام، وتقدم من خلاله أعمال تعرض على مسرح الدولة والمسارح الخاصة ومسارح شركات الإنتاج لفرق الهواة والمسرح الجامعي والنقابات الفنية لتشجيع المبدعين من فناني المسرح وتطوير العروض من أجل المشاركة في صناعة أعمال فنية لائقة.

يمنح حضور الزعيم عادل إمام على رأس الدورة الجديدة فرصة لجذب الجمهور والنقاد للمهرجان في ظل مساع رسمية لتطوير المسرح ومحاولة إنعاشه كي لا يلحق بمسارح القطاع الخاص التي انزوت من المشهد في مصر، وتوظيف زيادة الأعمال المعروضة على المسارح الحكومية للتأكيد على وجود حركة مسرحية يمكن البناء عليها لتطوير الأعمال المعروضة، خاصة بعد أن بدأت السعودية تستقطب عددا من الفنانين والفنانات في مصر لتقديم مسرحيات في الرياض.

التسويق أولا

عبير علي: عدم وجود مشروع فني حقيقي لا يحقق نتائج إيجابية للمهرجان
عبير علي: عدم وجود مشروع فني حقيقي لا يحقق نتائج إيجابية للمهرجان

يشارك في المهرجان هذا العام 39 عملا مسرحيا، وجرى فتح الباب أمام هيئات حكومية ومستقلة لتقديم أعمال مسرحية، مثل المسرح الكنسي والبيت الفني للفنون الشعبية والمسرح الحر، واستحدث المهرجان عددا من المسابقات الجديدة، إلى جانب ورشة الإدارة المسرحية لـ”الباك استيدج” وأخرى للتأليف المسرحي.

ويتفق البعض من نقاد المسرح على أن أزمة المسرح الرئيسية تكمن في التسويق وأن وضع اسم الزعيم على الدورة الجديدة أحد أشكال الرغبة في الترويج الجيد، لكنها قد تجذب الجمهور إلى دورة واحدة ثم يعود الوضع كما كان في السابق، فالتطوير يجب أن يكون شاملاً، والاعتماد على اسم الفنانين المكرمين فقط لن يمثل عامل جذب في السنوات المقبلة، ويبقى التعويل على وجود خطة متكاملة لتطوير المسرح.

وقالت المخرجة المسرحية عبير علي إن اختيار الدورة الجديدة لتكون باسم عادل إمام خطوة موفقة ومهمة، وإن كان تكريمه قد جاء متأخرا، لأنه ضمن الفنانين القلائل الذين لم ينقطعوا عن المسرح، بما في ذلك فترات الجزر التي تسببت في عزوف الفنانين عنه، فهو والفنانان سمير غانم ومحمد صبحي من علامات المسرح.

وأوضحت في تصريح لـ"العرب" أن المسرح الحكومي بحاجة إلى إلقاء الضوء عليه، ولا يوجد أكبر من اسم الزعيم كعنصر جيد لخلق حالة من الاهتمام بالمسرح من قبل محبيه والجمهور العادي، ويعد اختياره إضافة هائلة إلى مهرجان يبحث عن أدوات للترويج مع خفوت تواجده الفني خلال السنوات الماضية.

وأشارت علي إلى وجود حركة مسرحية خلال العامين الماضيين بعد فترة ركود طويلة استمرت سنوات، لافتة إلى أن الاعتماد على حدث دون أن يتضمن ذلك وجود مشروع فني حقيقي لن يحقق نتائج إيجابية، وعلى الجهات المسؤولة عن المسرح إدراك ما تقدمه ومن هو جمهورها المستهدف وكيف تقدم أعمالها ليجذب الجمهور.

ولدى العديد من النقاد قناعة بأن انتفاء الخطة المستقبلية للأعمال المقرر عرضها يقود إلى تقديم أعمال عشوائية وقد لا تجد المسارح الحكومية فرصة للترويج الجيد للأعمال داخليًا وخارجيًا، في حين أن الحركة المسرحية العالمية تنطوي على خطط واضحة للعروض ومعروفة مسبقًا بما يجذب المشاهدين إليها وفقًا لبرامج تسويقية ناجحة.

وطالبت علي بأن تبدأ خطط تطوير المسرح من إعلان المسارح الحكومية عن اشتراطاتها لاستقبال المشروعات المسرحية وفقًا لضوابطها، وتختار منها تلك القابلة للتنفيذ بطريقة شفافة وتعلن ميزانية كل عمل وتحدده بشكل مسبق، بما لا يقود لوجود منافذ ملتوية تدعم اختيار تقديم أعمال على حساب أخرى.

الجمهور والمسرح

◙ جمهور متعطش لحكايات "الزعيم"
◙ جمهور متعطش لحكايات "الزعيم" 

بدأت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التي تسيطر على غالبية الإنتاج الفني في مصر الاهتمام بتصوير وإذاعة المسرحيات المعروضة على المسارح الحكومية ضمن خطط التسويق التي تستهدف إعادة العلاقة بين الجمهور والمسرح، غير أن ذلك غير كاف لحالة الارتباط السابقة بين المسارح وفئات شعبية عديدة عبر شراكات مع هيئات حكومية كانت دائما توفر فرصا لحضور المسرحيات غابت الآن.

وهيمنت في السنوات الماضية البيروقراطية على أفكار المسؤولين عن المسارح الحكومية، وظهرت طفرات بين الحين والآخر وليدة أفكار شخصيات لديها كفاءة فنية وإدارية تولت إدارة بعض المسارح، وبدا التطور غير منتظم ويتأرجح بين التقدم والتراجع دون أسباب معروفة، وقاد ذلك إلى تقديم أعمال حظيت باهتمام شعبي في حين جرى إغفال العشرات من الأعمال التي لم تكن على المستوى المطلوب.

◙ حضور الزعيم عادل إمام على رأس الدورة الجديدة يمنح فرصة لجذب الجمهور والنقاد للمهرجان في ظل مساع رسمية لتطوير المسرح

وأكد الناقد المسرحي سامح مهران أن المهرجان القومي للمسرح يشكل حصيلة ما جرى عرضه على مدار عام ويرتبط نجاحه أو فشله بخطط الارتقاء بالمسرح المصري وليس بإدارة المهرجان التي أقصى جهودها كيفية توفير عوامل الجذب والدعم لما تم تقديمه من أعمال، واختيار عادل إمام هذا العام يأتي في هذا السياق الذي سيكون له انعكاس جيد على المهرجان وليس على الحركة المسرحية.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن وجود أعداد كبيرة من العروض المسرحية على مدار العام ذات جودة مرتفعة يتعلق بمدى توفير الميزانيات الكافية لتكلفة العروض، في حين أن الواقع يشير إلى أن المخصصات المالية للعروض والفنانين لم تطرأ عليها تغييرات كبيرة منذ ستينات القرن الماضي، وكان ذلك سببًا في عزوف غالبية الفنانين عن خشبة المسرح، بل إن “النجوم الصاعدين” يفضلون المشاركة في مشهدين أو ثلاثة في أي مسلسل عن البقاء أسرى للمسرح لأشهر طويلة.

وشدد على أن المسارح الحكومية تعمل بالإمكانيات المتوفرة لديها دون أن تتوفر عوامل صناعة الترفيه القائمة على الإبهار، وظهرت تجليات ذلك في انقطاع الجمهور نفسه عن المسرح، حيث يجد بشكل مستمر المحتوى المقدم على خشبة المسرح فقيرا، ما يعني أن الأوضاع المادية تنعكس مباشرة على جودة الأعمال وتشجع الممثلين على التدريب مع المخرجين لفترات طويلة وتقديم أعمال قوية تسهم في تدريب المشاهد ذاته على التعاطي مع ألوان مختلفة من الفنون.

أهم رموز المسرح

سامح مهران: نجاح المهرجان أو فشله مرتبطان بخطط الارتقاء بالمسرح المصري
سامح مهران: نجاح المهرجان أو فشله مرتبطان بخطط الارتقاء بالمسرح المصري

قدم القائمون على المهرجان القومي للمسرح هذا العام وعوداً لتكون هذه الدورة الأضخم والأكبر من حيث عدد العروض المشاركة، وأسماء كبار المبدعين المكرمين، ولجنة التحكيم والندوات والإصدارات، حتى على التغطية الإعلامية ستوفر لها الخدمات اللازمة، وحتى الآن لم يتم الإعلان عن أسماء الأعمال المشاركة.

ويعد عادل إمام أحد أبرز رموز المسرح المصري والعربي، وهو ابن المسرح قبل نجوميته في السينما والتلفزيون، وبدأ مشواره الفني في مسرح الجامعة، حيث درس الزراعة بجامعة القاهرة وأثناء دراسته انضم إلى فرقة المسرح الجامعي وتكشفت من خلال العروض المسرحية التي قدمها في الجامعة موهبته الفطرية في التمثيل، ما أهله للالتحاق بفرقة التلفزيون المسرحية عام 1962، وهو لا يزال طالبا.

من أهم مسرحيات عادل إمام “ثورة قرية”، “سري جدا” و”أنا وهو وهي”، والأخيرة تعتبر نقلة في مشواره الفني، وأول مسرحية تعرض له في التلفزيون المصري. وستظل مسرحية “مدرسة المشاغبين” العمل الفني الذي حقق الشهرة الكبيرة له، وأحرزت نجاحاً واسعا وأثبت فيها عادل إمام موهبته الكوميدية، وبعدها جاءت مرحلة البطولة المطلقة في المسرح، وقدمه المنتج سمير خفاجي عبر فرقة الفنانين المتحدين بطلا منفردا في مسرحية “شاهد ما شافش حاجة” ثم “الواد سيد الشغال” ثم “الزعيم”، وكانت آخر مسرحياته “بودي جارد”.

15