معرض ثقافي وتراثي بدمشق يجمع الكتب بالنسيج حفاظا على التراث الثقافي

التكنولوجيا جعلت العالم قرية صغيرة، وما أوجده ذلك من سيطرة بعض القوى الحضارية على البعض الآخر، وتخلخل مسألة التراث والهوية، وظهور فكرة ضرورة المحافظة عليهما باعتبارهما من المسائل الحيوية لرسم ملامح المستقبل. ويلجأ مهتمون في المجتمع الأهلي والثقافي المحلي إلى تقديم فعاليات تحاول مقاومة هذا الصدام. من هذه المحاولات معرض كتاب ونسيج 2 الذي أقيم في دمشق حديثا.
معرض كتاب ونسيج يحضر للمرة الثانية في المشهد الثقافي والفني السوري، وهو محاولة لتقديم بعض النشاطات الفنية والتراثية المختلفة في برمجة ثقافية تحاول تقديم فعل مضاد لحالة العولمة الثقافية التي تحاصر الثقافة العربية. وانطلق المشروع في محطته الأولى في غاليري زوايا بدمشق قبل فترة.
توليفة متنوعة
ظهوره الثاني نظمته دار أطلس للنشر بالتعاون مع ولفي للطباعة الحموية وسما للأعمال اليدوية وفجة خرق السويداء، وفي نفس المكان بدءا من الحادي عشر من يونيو الجاري واستمر حتى الثامن عشر منه.تضمن المعرض برنامج الموسم الثاني العديد من الفعاليات من بينها تقديم كتاب “فيروز والرحابنة” للدكتور شوقي المعري الذي قدم محاضرة بعنوان “احكيلي احكيلي شوية حكي وشوية غنى”، ومحاضرة بعنوان “من دلالات ومعاني رسوم الطباعة الحموية التقليدية بقوالب الخشب” للباحثة سعاد جروس.
كما تم تقديم مشروع “بساط الجنوب/ تطريز مستوحى من الموزاييك الدمشقي” للناشطتين في التراث خلود هنيدي وعلا الشيخ حسن، ومحاضرة بعنوان “في حضرة الذكاء الاصطناعي ما مصير ثقافتنا وتراثنا” للباحث حسين مقصوص، كما وجدت جلسة قراءات حرة من كتب متنوعة لعدد من الشباب والشابات.
تناغم المشهد الثقافي مع التراثي في المعرض، فحضر الكتاب مع مشاريع تهتم بإحياء مهن تراثية تكاد تختفي في مدينة حماة، التي كانت تشتهر بصناعة النسيج على النول الخشبي. كما وجدت بعض الأشغال المنزلية التي شاركت بها سيدات من محافظتي درعا والسويداء في جنوب سوريا.
في معرض الكتاب حضرت كتب في الرواية لممدوح عدوان وخيري الذهبي وممدوح عزام وبعض الكتاب العالميين، كما وجدت كتب في الفكر السياسي والأدبي والفن: منير الشعراني وسعد يكن وآخرون. أما في نشاط المحافظة على التراث فشاركت فعاليات من عدد من مناطق سوريا.
تتحدث مشاركة من محافظة درعا عن مشروع أركان وعن فكرة وجود النول ونسج مشغولات بيتية لصالح المعرض، وتقول “كان الهدف من التجمع المحافظة على هذه الحالة التراثية الجميلة التي تكاد تنتهي في حياتنا، لكن إصرار عدد من النساء على التمسك بهذه الحرفة دفعهن لتعليم عدد من الصبايا اللواتي أحببن هذه التجربة، وخلال فترة قصيرة لا تتعدى الأيام، كان بوسع هؤلاء العمل تحت إشراف المدربات، وقدمن معا العديد من الأعمال التي لاقت قبولا طيبا لدى الناس بعد تعرفهم عليها”.
وتتابع المشاركة “الفكرة جميلة، استطاعت المتدربات أن يقمن بالعمل على أحسن وجه، وقمن بتطوير الأفكار بسرعة، وأوجدن أفكارا جديدة على أنماط نسيجية جديدة، ورسمن مطرزات ورسومات على حقائب وفرش وأغطية لكثير من حوائج البيت”.
وعن تفاصيل العمل وكيف كانت، تقول “من أهم ما ميز فترة العمل كان حضور الحالة التراثية بكل تفاصيلها وليس فقط المتعلقة بالحياكة، فالمدربات كبار في السن ويعرفن كيف كانت تحاك هذه المصنوعات وما هو الجو المحيط بذلك من عادات اجتماعية وحتى أغان مرافقة للعمل، فجئن بهذه التفاصيل لورشات العمل، فكن يقمن بالتدريب وهن يغنين ويقمن بكل التفاصيل التراثية التي كانت موجودة، وهذا ما أضفى على جو العمل مزيدا من الجمال والدقة”.
الطباعة والتكنولوجيا
مشروع ولفي أطلقته منذ سنوات الباحثة سعاد جروس في مدينة حماة، وهو يهتم بالمحافظة على مهنة الطباعة على القماش بقوالب خشبية في المدينة التي لم يبق فيها إلا حرفي واحد. ويحقق مشروع ولفي في معرض هذا العام تقدما هاما، فبعد وجوده في المعرض الأول ليكرس حالة الرسوم الطباعية على الأقمشة والملابس وأدوات البيت، يذهب في مشاركته الثانية ليطبع على العديد من مصنوعاته نصوصا سريانية مستقاة من الإنجيل الكريم، في تجربة لم توجد سابقا، وهي الفكرة التي لاقت الكثير من الاهتمام.
تقول جروس “مهنة الطباعة على القماش عريقة في مدينة حماة، وهي تعود لمئات السنين، وهي متكاملة مع صناعة النسيج التي كانت مزدهرة في حماة حتى ثلاثينات القرن العشرين، وكان في مدينة حماة وحدها حتى ذلك التاريخ ما يقارب العشرين ألف نول، فلا يكاد يخلو بيت من نول خشبي لحياكة الأقمشة، لكن كل ذلك بدأ يتلاشى حتى وصل الأمر إلى حدود فقدان هذه الحرفة. كذلك حرفة الطباعة على القماش التي لا يوجد في كل مدينة حماة حاليا إلا حرفي واحد ما زال يعمل فيها بدافع الحب وليس لكسب الرزق لأنها لا تحقق دخلا يمكنه من العيش”.
◙ المشهد الثقافي تناغم مع التراثي في المعرض فحضر الكتاب مع مشاريع تهتم بإحياء مهن تراثية تكاد تختفي
وعن تناولها موضوع اللغة السريانية في عملها تتابع “مشينا في خطوة تطويرية بأن أوجدنا هذه النصوص السريانية بشكل مطبوع على الأقمشة، وهي نصوص دينية مقدسة، كان لدينا حذر في ألا تتقبل المرجعيات الدينية ذلك، لكن الأمور كانت معاكسة ومشجعة، وتجاوزنا منطقة الحذر وعملنا على طباعة هذه النصوص بشكل جمالي محدد وحققت الخطوة حضورا لافتا سوف نتوسع به لاحقا”.
وكان لفكرة الذكاء الاصطناعي وجود في تفاصيل المعرض، حيث وجدت محاضرة خاصة عنه تبين مدى حضوره في حياتنا المعاصرة وضرورة التعرف على تفاصيله وآفاقه.
وعن السبب في برمجة محاضرة عن الذكاء الاصطناعي في المعرض تبيّن رولا سلمان مديرة غاليري زوايا “العالم يتغير بسرعة، ومن الواضح أن حضور التراث والتفاصيل المتعلقة به وبالهوية الوطنية والثوابت الحضارية مرهون بالزمن وبكيفية تعاطينا معها. الهوية والتراث عاملان هامان في أي بيئة وحالة وطنية، وما نقوم به في المعرض بدورته الثانية هو جزء من الدفاع عن هويتنا وثقافتنا، لأننا نعي بأن حالة العولمة والذكاء الاصطناعي تتضمن الكثير من مفرزات التقانة وتتغلغل في حياتنا اليومية. هذا الأمر يجعلنا متأكدين بأننا نسير في خط يجب أن نعي فيه من نحن وكيف نتعامل مع التراث والحداثة معا، لكي لا يحدث صدام حضاري بيننا”.