"الضفادع".. الرواية الأكثر عبقرية في كشف المجتمع الصيني

تحفر الرواية عميقا في المجتمعات التي تكتبها لتخرج لنا شخصيات تأخذ على عاتقها نقد الواقع وإعادة قراءة الأحداث التاريخية من زوايا مغايرة تماما عن التاريخ الرسمي. وهذا ما نجده فعلا لدرى الروائي الصيني مو يان الذي يذهب بسرده ليستنطق حتى الضفادع ليعيد التأريخ للصين.
تشكل رواية “الضفادع” للروائي الصيني الحائز على جائزة نوبل للآداب مو يان تحفة أدبية وعبقرية في تقنياتها وجمالياتها الفنية وقدرتها على معالجة الكثير من الأسئلة الأخلاقية حول المجتمع الصيني في عهد ماو تسي تونغ وما بعده.
استطاع مو يان أن يعطي الأحداث جوا واقعيا ساحرا، انطلاقا من تناول سياسة تنظيم الأسرة التي ظهرت في الصين خلال الثورة الثقافية وكانت متبعة حتى عام 2015 حيث سنت الحكومة قانونا ليسمح لكل أسرة بطفل واحد فقط، وفي عام 2016 تم تغيير القانون وصار في إمكان الأسرة أن تنجب طفلين.
القابلة الموهوبة
بطلة الرواية هي “العمة غوغو” قابلة قروية قامت بدور الرقيب على تطبيق هذه السياسة، فكانت تحرص على أن كل أسرة لا تنجب إلا طفلا واحدا للمساعدة في تنظيم النسل إثر الثورة الثقافية التي شهدتها الصين، فكانت تلاحق النساء الحوامل لإجهاضهن بالقوة.
ويظهر على مشهد الأحداث الشرغوف وهو فرخ الضفدع، ويجعله المؤلف راويا لبعض الأحداث فيخبرنا بأنه على وشك أن يؤلف مسرحية مستندة إلى حياة عمته، وبين أحداث الرواية وتداخلها مع مسرحية الشرغوف نقترب بشدة من الثقافة الصينية ومن حياة الآلاف من القرويين الصينيين الذين لاحقتهم العمة والذين خالفوا تنظيم النسل أو حتى التزموا به ولكن لم يفارقهم الخوف، ونفهم طبيعة الحياة الاجتماعية في الصين والعادات والتقاليد الصينية وحال المجتمع في عهد ماو.
ظاهر الموضوع الذي تتناوله الرواية هو قصة حياة “القابلة غوغو” عمة الراوي، والتي تروى من خلال سلسلة من الرسائل إلى كاتب ياباني مشهور، ولكن غير معروف، حيث يعلن الراوي عن نيته كتابة مسرحية عن غوغو. اكتملت المسرحية القصيرة أخيرا وألحقت بالرواية.
ولدت غوغو، ابنة طبيب عسكري شهير، في عام 1937 عندما كانت فتاة صغيرة، تم احتجازها – مع والدتها وجدتها – كرهائن من قبل القوات اليابانية المحتلة في محاولة لإجبار والدها على الانضمام إلى وحدتهم الطبية، يرفض والد غوغو الشيوعي المخلص، ويتم إطلاق سراح الثلاثة في النهاية سالمين.
في الأساطير الصينية للضفادع معان رمزية متعددة من شخص له قدرات علاجية أو قوة مالية إلى شخص قصير النظر وغيرها من المعاني
بعد وفاة والدها، يكافئ مسؤولو الحزب ولاءه بالسماح لغوغو الجميلة والذكية باختيار مهنتها المستقبلية. أصبحت غوغو قابلة متخصصة في التوليد، وتزاحم بسرعة القابلات غير المدربات والقابلات العجائز الجاهلات والمؤمنات بالخرافات اللواتي كثيرا ما يتسببن في آثار قاتلة لمن يقمن بتوليدهن. كانت تبلغ من العمر سبعة عشر عاما فقط عندما مارست مهنتها واستقبلت يديها الطفل “شين الأنف”، أول طفل من بين آلاف الأطفال الذين ستدخلهم في النهاية إلى العالم.
كانت غوغو تبلغ من العمر 70 عاما عندما تبدأ القصة بالحرف الأول، امتدت حياتها إلى فترة الاحتلال الياباني للصين، وانتصار الحزب الشيوعي في عام 1949، وويلات المجاعة والاضطرابات السياسية العنيفة خلال الثلاثين عاما الأولى من الحكم الشيوعي، وأخيرا التوغل في شكل متفشّ بشكل غريب في الرأسمالية الموجهة من الدولة والقوى الاجتماعية التي تطلقها. يزداد ثراء بعض القرويين. والبعض الآخر يغرقون في الفقر المدقع.
ومع ذلك، تعثرت مسيرتها المهنية الذهبية، عندما هرب خطيبها الفاتن، الطيار في سلاح الجو، إلى تايوان، تهرب غوغو بصعوبة من وصمة العار كمتآمر في خيانته، وتلقي بنفسها بحماسة متجددة وعنيدة في سياسة الدولة للطفل الواحد. فتتحول من قابلة موهوبة ومحبوبة وامرأة ذات عقلية مستقلة تتحدى الإملاءات الوحشية للثورة الثقافية، إلى منفذة وحشية بنفس القدر لسياسة الطفل الواحد.
التماثيل والضفدع
القرويون في الرواية يواجهون العبث والقسوة التي تلحق بهم من خلال الحياة والحزب وصراعات بعضهم بطريقة هزلية
في وقت متأخر من حياتها تتوب عن طريق الزواج من رجل يصنع تماثيل أطفال من الطين بناء على أوصافها لجميع الأجنة التي أجهضتها. حيث “اعتاد أهل القرية القول إن من يشتري تمثال طفل شكله “هاو اليدان الكبيرتان”، ويربط حول عنقه حبلا رفيعا أحمر، ويقدم له الهدايا، يرزق بطفل يشبه في كل شيء التمثال الصغير.
ولكن، لم يكن يحق للفرد أن يختار بنفسه الطفل الفخار. حين تقصده لشراء تمثال، يبدأ بتفرسك بدقة، ثم تغوص يده ليعطيك أخيرا التمثال الذي اختاره لك. إذا وجدت أن الدمية ليست جميلة، لم يكن يبدلها، تخاله يقول لك “هل يوجد في الدنيا آباء يتذمرون من بشاعة أطفالهم؟”. ولذا، تدقق أكثر بتفاصيل الطفل الذي أعطاك، ورويدا رويدا، تجده جذابا وعلى مر الوقت، اقتنع الناس بأن شراء أحد تماثيله الصلصالية يوازي طلب طفل حقيقي”.
يواجه فريق عمل القرويين العبث والقسوة التي تلحق بهم من خلال الحياة والحزب وصراعات بعضهم بطريقة هزلية، استسلم معظمهم لضرورة طاعة الأوامر التي لا مفر منها، مهما كانت آثارها سخيفة وقاسية، لأن عواقب التحدي، الموصوفة بوضوح في الرواية، شديدة.
يذكر أنه في الأساطير الصينية للضفادع معان رمزية متعددة، تتراوح من شخص يتمتع بقدرات علاجية أو قوة مالية إلى شخص قصير النظر أو عديم الشعور، ومن هنا كان استخدام مو يان للسحر والخرافة بالنسبة إلى شخصياته، فالحيوانات والعفاريت والشياطين هم رفقاء كل يوم. سكان قريته محصنون ضد الأيديولوجيا، وطوال سياسة الطفل الواحد، استمروا في الاعتقاد بأن أسوأ أشكال الافتقار إلى تقوى الأبناء هو الفشل في إنجاب وريث، إنهم جميعا طالتهم المعاناة، وفقدوا القدرة على توقع السعادة وقد كانوا على صواب بشكل عام.