مصر تستعيد قوتها الناعمة بشراكات للاستثمار في مدينة الثقافة والفنون

المدينة وجه للقوة الناعمة ومجال للاستثمار في الثقافة وفق رؤى مستقبلية.
الجمعة 2023/05/19
فضاء لتجميع القوى الثقافية والفنية

يعتبر إنشاء مدن الثقافة رهانا من الدول على تجميع أنشطتها الثقافية والفنية والاستفادة منها كقوة ناعمة، علاوة على حمايتها من التشتت. ولكن مشاريع من هذا القبيل تواجه تحديات كبرى، أهمها مسألة التمويل، وهو ما حدا ببعض الدول إلى إشراك القطاع الخاص في إدارة هذه المنشآت.

القاهرة - اتجهت الحكومة المصرية نحو الاستفادة من الخبرات الدولية في إدارة مدنية الثقافة والفنون التي انتهت مؤخرا من تشييدها في العاصمة الإدارية (شرق القاهرة)، لتحويلها إلى منطقة ترفيهية وسياحية وفنية لتحقيق عوائد استثمارية تنعكس إيجابا على الإنتاج الفني والثقافي، وبما يخدم مساعيها لاستعادة بريق القوة الناعمة التي خفتت مؤخرا بعد أن حظيت بدعم وتقدير سابقا.

وتلقت الحكومة المصرية عرضَا من تحالف استثماري عالمي يضم شركتي “هواوي – تليتك” لإدارة وتشغيل المدينة التي من المتوقع أن تدخل حيز التشغيل بشكل فعلي العام الجاري، في خطوة تشير إلى إدراك جهات حكومية بضرورة التسويق لها والاستفادة من النجاحات التي تحققها مدن الثقافة والفنون في بلدان عربية، بما يجعل هناك بؤرة فنية جديدة تدخل على خط التطور الذي تحظى به كافة أشكال الفنون.

استثمار ثقافي

تامر عبدالمنعم: المدينة تكمل الأدوار الثقافية التي تقوم بها قصور الثقافة
تامر عبدالمنعم: المدينة تكمل الأدوار الثقافية التي تقوم بها قصور الثقافة

التقى رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي الأحد بممثلي التحالف الاستثماري، مشيرا إلى أن الحكومة تتطلع إلى قدرة المستثمرين على وضع برنامج ثقافي وفني يتضمن العديد من الأنشطة التي تخلق حالة من الرواج للمدينة على مدار العام.

وحسب مسؤولي التحالف، ووفقا لبيان صادر عن الحكومة المصرية، فإن رؤيتهم للمدينة تستهدف جعلها رمزا ثقافيا في المنطقة وعرضها كممثل للعاصمة الإدارية الجديدة، وأن العرض ينقسم إلى رؤية التحالف للإدارة والتشغيل، والصيانة والدعم الفني، فضلا عن الشؤون المالية والإدارية.

وتعوّل الحكومة المصرية على جذب تمويل أجنبي يدعم استعادة القاهرة كرمزية ثقافية وإعادة تسليط الأضواء إلى ما تقدمه من فنون مختلفة، وتدرك بأن الارتكان إلى الجهات الرسمية المحلية لن يكون قادرا على تحقيق المرجو، وأن حضورها الثقافي سيكون في حاجة إلى مساهمة من تكتلات استثمارية أجنبية لديها رؤية وقناعة بالقيمة الفنية والثقافية للمدينة والفنون المقدمة فيها.

وتقام المدنية على مساحة 127 فدانا، وتضم عددا من المسارح وقاعات العرض والمكتبات والمتاحف والمعارض الفنية لأنواع مختلفة من الفنون التقليدية والمعاصرة، من موسيقى ورسم ونحت ومشغولات يدوية وغيرها.

وتحوى المدينة قاعة احتفالات كبرى ودار أوبرا حديثة، وتضم مسرحا صغيرا به قاعتان تستوعبان 750 فردا للعروض الخاصة، إلى جانب مسرح الجيب ومسرح الحجرة، ومكتبة موسيقية، ومكتبة مركزية تتسع لستة آلاف شخص، ومساحات واسعة من المقرر أن يتم تدشينها فيها مناطق وساحات ترفيهية.

ويقول مدير عام الثقافة السينمائية التابعة لوزارة الثقافة الفنان تامر عبدالمنعم إن تشغيل وإدارة مدنية الثقافة والفنون في حاجة إلى إمكانيات تفوق ميزانية وزارة الثقافة، وهو ما يجعل هناك رؤية حكومية لجذب الاستثمارات الأجنبية إليها، بما يدعم إقامة احتفالات وفعاليات فنية تستمر على مدار العام عبر مجموعة متتالية من المواسم الفنية المختلفة.

الأمير أباظة: الدولة استعانت بالنقابات الفنية لوضع تصور لأنشطة المدينة
الأمير أباظة: الدولة استعانت بالنقابات الفنية لوضع تصور لأنشطة المدينة

ويوضح في تصريح لـ”العرب” أن المدينة الجديدة تُكمل الأدوار الثقافية التي تقوم بها قصور الثقافة في المحافظات والأقاليم من خلال التوظيف الأمثل للثروة القومية التي تحظى بها مصر وتحتوي على الكثير من الأدباء والفنانين والموسيقيين، وبما يدعم إعادة الاهتمام بالأدوار التي يلعبونها لتصدير صورة مصر الثقافية للعالم.

ويشير عبدالمنعم إلى أن الجهات الرسمية التي تولت عملية إنشاء مدينة الثقافة والفنون لديها رؤى لا تتمثل فقط في استعادة القوة الناعمة، لكن تحقيق عوائد مادية من وراء الحفلات والأنشطة المختلفة التي تنظمها، وهو ملف يتماس مع جهود جذب السياحة، وإعادة جذب الجمهور العربي للأنشطة الفنية داخل مصر، كما كان يحدث في السابق.

ويتفق نقاد مصريون على أن الاستفادة من الاستثمارات الأجنبية لتشغيل المدنية لا تكفي وحدها لتحقيق المرجو منها، وأن وجود رؤية واضحة تجعل للدولة المصرية قوة روحية ومعنوية عبر ما تقدمه من رسائل بفنونها المختلفة ووجود خطة واضحة للارتقاء بتلك الفنون لا بد أن يكون مقدمة قبل الانتقال إلى الجانب الاستثماري.

ويساهم ذلك في فرص النجاح التي ستكون محاطة بالعديد من التعقيدات في ظل صعوبة المنافسة مع دول عربية استطاعت أن تحقق طفرات مهمة على مستوى لفت الأنظار لما تقدمه من فنون.

ويعد التراخي والاعتماد على ما حققته مصر من تأثير لقوتها الناعمة عبر السنين الماضية من أبرز أسباب تراجعها حاليا، وأن العمل على تنمية هذا الأثر ودعمه بشتى الطرق ضرورة حتمية لتحقيق أهداف الانتشار المستقبلي للثقافة والفنون المصرية.

التوظيف الأمثل

مدينة الثقافة والفنون لديها رؤى لا تتمثل فقط في استعادة القوة الناعمة ولكن تحقيق عوائد مادية من أنشطتها

لدى مصر ميزة إضافية تساعدها على النجاح لأن فنانيها في مجالات مختلفة يملكون القدرة على جذب الجمهور وتقديم أعمال تحقق انتشارا خارجيا، لكن الأزمة تكمن في التوظيف الأمثل وإحداث إصلاحات مهمة على صناعة الدراما والسينما والمسرح وغيرها من الفنون التي طالما ظلت تتصدر المشهد لعقود طويلة، وأن تلك الإصلاحات في حاجة إلى أجواء محيطة تساعدها على تقديم إبداعات مهمة.

وذكر رئيس جمعية كتاب ونقاد السينما المصرية الأمير أباظة أن الحكومة استعانت بالنقابات الفنية الثلاث: المهن التمثيلية والمهن الموسيقية والمهن السينمائية، لوضع تصور لما يمكن أن يكون عليه شكل الأنشطة المستقبلية في المدينة الجديدة في كافة أنواع الفنون، وأن الاستعانة بتحالف دولي جاء بتوصيات رفعتها النقابات الثلاث، ما يشير إلى انفتاح حكومي على رؤى أرباب المهن المختلفة لتحقيق الاستفادة القصوى.

ويلفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن الدولة المصرية تستهدف تقديم نفسها بمظهر ثقافي وفني جديد عبر المدنية الجديدة في العاصمة الإدارية والمركز الترفيهي العالمي بمدينة العلمين الجديدة الذي يقع على البحر المتوسط، ويستضيف أول موسم ترفيهي الصيف المقبل، وأن الرؤية الحكومية تتضمن وجود إدارة عليا وتنسيق مشترك للمنطقتين بما يضع لجذب الانتباه للمدن الجديدة وإحياء الفنون المختلفة.

وعقدت وزيرة الثقافة المصرية نيفين الكيلاني الاثنين مؤتمرا صحفيا للكشف عن تفاصيل مهرجان العلمين الذي يعقد لأول مرة هذا العام في الفترة من 13 يوليو إلى 26 أغسطس المقبلين، وأوضحت أن الحكومة لديها رؤية بأن تكون مدينة العلمين ملتقى ثقافيا وترفيهيا ومركزا عالميا للرياضة.

ومن المقرر أن يشهد مهرجان العلمين 12 نشاطا رياضيا وترفيهيا على رأسها عروض الأزياء، وعروض فنية أخرى يشارك فيها فنانون مصريون وعرب، وتنظيم بطولة لكرة الشاطئية، وبطولة ترياثلون سباق ثلاثي، بطولة بادل عالمية، وعروض للطائرات RC، وتحدي جيت سكي، وموكب الفراعنة للسيارات وهو الحدث الذي سوف يضم 100 سيارة فارهة تجوب شوارع مصر من سفاجا الى العلمين الجديدة.

ويوضح الأمير أباظة لـ”العرب” أن إقامة فعاليات فنية عالمية وجذب فنانين أوروبيين يدعم التسويق الجيد للمناطق الترفيهية والثقافية الجديدة مع ضرورة أن تستمر الفعاليات على مدار العام ووجود شركات تسويق تستهدف الفنانين المصريين وتجذبهم للتواجد وتقديم أعمال فنية وعرضها في مناطق عدة هو جزء من استعادة القوة الناعمة.

وسوف تكون التجربة المصرية أمام تحدي قدرتها الانفتاح على الفنون العالمية وعدم الانكفاء فقط على الداخل وتراجع قيمة ما يتم تقديمه، وهو أمر ينعكس على انجذاب المصريين والكثير من العرب والأجانب لدار الأوبرا المصرية التي هدفت بعد إعادة ترميمها إلى جذب فرق عالمية، ومن ثم استطاعت تحقيق شعبية كبيرة وظلت لسنوات مركزا ثقافيا مهما في المنطقة، قبل أن تتراجع مع اتجاهها للاعتماد في الجزء الأكبر من فعالياتها على الفنون المحلية.

13