المصريون يحبسون أنفاسهم مع تعويم متوقع للجنيه بعد إجازة العيد

القاهرة – أتت إجازة عيد الفطر في مصر لتحمل معها مخاوف جديدة من تراجع سعر العملة المحلية، مع توقعات تشير إلى أن الحكومة المصرية ستكون مضطرة قريبا إلى المزيد من التخفيض في قيمة الجنيه عقب انتهاء فترة الإجازة، ما يوجد مخاوف عدة حول قدرة المواطنين على امتصاص صدمات الزياد في أسعار السلع والخدمات.
وبدأت إجازة عيد الفطر لدى المؤسسات الحكومية في مصر الخميس وتستمر حتى الثلاثاء المقبل، وسبقتها تقديرات بأن الأسعار في رمضان لن تكون كما هي مع انتهاء الإجازة، وأن اعتياد جهات حكومية على استخدام سياسة تهيئة الرأي العام لامتصاص الصدمات، وتوقع هيئات اقتصادية ووسائل إعلام دولية حدوث تعويم جديد يؤكدان شكوك قطاعات كبيرة من المواطنين.
وظهرت حالات هلع من إمكانية تراجع قيمة الجنيه في الأسواق، وبدت بشكل أكثر وضوحا في محلات بيع المشغولات الذهبية التي شهدت تزاحما من المواطنين للشراء، بعد زيادات مستمرة في أسعار غرامات الذهب متأثرة بتوقعات التعويم الجديد.
وشهدت أسواق بيع الأجهزة الكهربائية التي تتأثر مباشرة بأسعار الصرف إقبالا خشية من ارتفاع الأسعار، وبدا أن هناك سباقا متبادلا بين المواطنين والتجار الذين يضعون أسعارا للجنيه مقابل الدولار لتأمين مكاسبهم، وكلما زادت المعلومات حول التعويم تتحرك الأسعار إلى أعلى تلقائيا.
جهات حكومية تواجه أزمات متعددة، لأنها غير قادرة على السيطرة على الأسواق بما فيها الفترات التي لم تتخذ فيها قرارات التعويم
وأشار محمد سعيد، وهو موظف حكومي في الخمسين من عمره، إلى أن الأزمة الراهنة تتمثل في عدم الثقة في الاقتصاد، والذهاب لشراء الذهب أو اتجاه البعض لتحويل أموالهم بالعملة الصعبة نتيجة طبيعية لفقدان الثقة، وتطغى أهداف تأمين أفراد الأسرة من خلال البحث عن أي وعاء يضمن الحفاظ على قيمة ما يمتلكه من مدخرات تراجعت هي الأخرى بشكل كبير مع تضاعف معدلات التضخم.
وذكر لـ”العرب” أن تخطي صدمة التعويم ثلاث مرات سابقة في غضون عام جاء بفعل عوامل عديدة، في مقدمتها وجود تطلعات لدى المواطنين بأن يقود خفض قيمة العملة إلى تحسن الأوضاع الاقتصادية، وكان التفكير في أن ما يحدث فترة مؤقتة بعدها تتحسن وضعية الجنيه، وأن المؤشرات التي أعلنتها الحكومة بشأن تحسن جودة الاقتصاد عقب اتخاذها قرار الإصلاح في نوفمبر 2016، كانت دافعا إلى أن يصبر المصريون على صعوبات الحياة المعيشية.
ويبدو الآن الوضع مختلفا من وجهة نظر سعيد، لأنه كلما انخفضت قيمة العملة يتم الحديث عن تعويم آخر، وكأن هناك دائرة مفرغة يدور فيها الناس، وأي قرارات متوقعة ستسهم في المزيد من المتاعب، ولا أحد يعرف إذا كان يمكن تحملها من عدمه.
وتدرك جهات حكومية صعوبة التعويم الرابع المنتظر، وتسبب في إرجاء مراجعة صندوق النقد الدولي برنامج الإصلاح المصري الذي حصلت الحكومة بمقتضاه على قرض قيمته ثلاثة مليارات دولار، في ظل مفاوضات مكثفة أجراها الأسبوع الماضي محافظ البنك المركزي حسن عبدالله ووزير المالية محمد معيط خلال اجتماعات الربيع للبنك الدولي وصندوق النقد.
وقالت النائبة بمجلس الشيوخ فريدة النقاش إن الشعب المصري من الشعوب القديمة التي لديها قدرة على الصبر وتحمل المتاعب، لكن الواقع يشير إلى أن هذه القدرة تراجعت بفعل الأزمات المعيشية المتراكمة، وسيكون على الحكومة التريث قبل اتخاذ قرار تعويم جديد ينظر إليه المواطنون على أنه صعب.
وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن تجاهل آراء الأحزاب السياسية والنقابات التي تشكل وعاء ينضم إليه فئات كثيرة من المصريين، كذلك الجمعيات الأهلية التي لديها رؤية بصعوبة الأوضاع المعيشية لدى فئات عديدة من المواطنين، قد يقوض أي مساع إصلاحية من جانب الحكومة وإن قامت بتمرير عملية التعويم، وأن الثقة ستكون مفقودة فيها أكثر مما هي عليه الآن، ما يعني نهايتها سياسيا.
وطالبت فريدة النقاش، النائبة عن حزب التجمع اليساري، بأن يكون الحوار بين الحكومة وقطاعات شعبية وسياسية عديدة سابقا حول عملية التعويم، وأن هناك رؤى أخرى يمكن الاستناد إليها لمواجهة العثرات الاقتصادية، والمضي قدما دون التفكير في عواقب ردة الفعل إجراء يفتقر إلى الذكاء السياسي، لأنه يصاحب الانتهاء من فترة أعياد دائما ما تكبل المواطنين بالمزيد من الضغوط المالية.
40
في المئة نسبة التضخم في مصر التي تمر بأزمة اقتصادية بلغت أقصى مداها مع قطاعات كبيرة من المواطنين
وبلغت الأزمة الاقتصادية أقصى مداها مع قطاعات كبيرة من المواطنين بعد أن تخطت معدلات التضخم حاجز 40 في المئة، كما أن الارتفاع اليومي للأسعار ترتب عليه فقدان ما بين 50 و60 في المئة من القدرات الشرائية، في الوقت الذي يواجه فيه الناس صعوبات بتوفير موازنات مالية تعوضهم عن خسائرهم.
ويتخوف مراقبون من الحالة النفسية التي تتربت على زيادة الأسعار بشكل مستمر دون أن تكون لدى هذه القطاعات قدرة على مواكبتها، وفي هذه الحالة فإن ذلك سوف ينعكس على سلوكها ومجمل تصرفاتها اليومية، وستكون لذلك آثار وأخطار اجتماعية سوف يترتب عليها المزيد من التفسخ المجتمعي.
ولدى البعض قناعة بأن أفراد الطبقتين الفقيرة والمتوسطة يتحملون نتائج عدم قدرة السياسات الحكومية على حل مشكلات الاقتصاد جذريا، وعلى رأسها تقليل فاتورة الاستيراد وزيادة الإنتاج المحلي الذي ينعكس إيجابا على قدرة الحكومة على جذب العملة الصعبة من التصدير، وأن التعويم لم يعد سوى محاولة لن تأتي بثمارها للحل، وسط عدم قدرة المؤسسات المالية على التحكم في سعر الدولار الذي يأخذ في التصاعد كلما جرى اتخاذ خطوات تعويم أو ظهرت توقعات تشير إليه.
وتواجه جهات حكومية أزمات متعددة، لأنها غير قادرة على السيطرة على الأسواق بما فيها الفترات التي لم تتخذ فيها قرارات التعويم، وأن الثلاثة أشهر الماضية كانت شاهدة على زيادات متكررة في أسعار اللحوم والدواجن.
وعلى الرغم من أن قيمة العملة لم تتأثر تقريبا من الناحية الرسمية، غير أن الأسواق تخضع لسعر الدولار غير الرسمي بالسوق السوداء، ما يجعل معارضين يؤكدون أن الحكومة أصبحت فاقدة للبوصلة الاقتصادية السليمة كي تسيطر على الأسواق.