نجمة السينما السورية إغراء تعود إلى التمثيل بعد غياب لعقود

"أزمة قلبية".. فيلم عن التغيرات الحاصلة في المجتمعات.
الخميس 2023/04/20
تجربة سينمائية مميزة

ليس من السهل أن يتخلى الفنان عن شغفه بالفن وبموهبته، حتى وإن ابتعد أو تقدم به العمر، بل أحيانا قد تدفعه خيالاته وطموحه إلى البحث عن ظهور جديد يقدم فيه شيئا مختلفا، دورا جديدا يعيد تقديمه للجمهور. وبعد طول غياب عن المشهد الفني السوري تعود إغراء النجمة السينمائية للشاشة الكبيرة من بوابة فيلم روائي قصير رأت فيه عملا اجتماعيا مهمّا.

قال عنها المخرج السوري الشهير عمر أميرالاي في مشروع سينمائي كان سيقدمه عن تجربتها “مشروعي إعادتها بحقيقتها إلى الشاشة، فلقد كان لهذه النجمة المفتونة بالفن السابع مشروعا قاتلت من أجله لسنوات. وهي تمتلك من الجرأة التي تحسد عليها، وهي مثال للمرأة الحرة وأعتقد أن من يتملقون جواريهم ويجلدون زوجاتهم لن يعجبهم هذا الفيلم".

لم يسمح القدر بأن يتم المخرج عمر أميرالاي إنجاز الفيلم عن الفنانة السورية إغراء، فرحل بعد أن حضّر له وكاد يصوره عام 2011. ونفذ الكاتب فارس الذهبي فيلما عنها تناول حياتها بمشروع آخر.

وبقي فيلم أميرالاي مؤجلا، وهو السينمائي المختص بالسينما الوثائقية والذي قدم خلال مسيرته الفنية منفردا أو مشاركا عديدا من الأفلام التي وثقت لشخصيات هامة عربية وعالمية منها: فيلم عن بناظير بوتو رئيسة وزراء باكستان سابقا ورفيق الحريري رئيس وزراء لبنان سابقا وسعدالله ونوس الكاتب المسرحي والتشكيلي فاتح المدرس والسينمائي نزيه الشهبندر.

لقّبها بعض العاملين في الشأن السينمائي السوري في سبعينات القرن العشرين بلقب “بريجيت باردو السينما السورية”، وقدمت خلال مسيرتها الفنية التي امتدت ما يقارب الأربعين عاما العشرات من الأفلام التي كرستها نجمة سينمائية سورية تتمتع بظهور خاص.

وغابت إغراء عن المشهد السينمائي السوري منذ بداية تسعينات القرن الماضي ولم تشارك في أيّ عمل سينمائي أو تلفزيوني. لكنها تعود إلى شاشة السينما مجددا من خلال فيلم روائي قصير حمل عنوان “أزمة قلبية” وهو من تأليف وإخراج عمرو علي ومن إنتاج المؤسسة العامة للسينما.

تجربة ثانية

عمرو علي يعيد إغراء إلى التمثيل
عمرو علي يعيد إغراء إلى التمثيل

يقدم الفيلم عوالم جديدة بعيدة ومختلفة عن الشكل الفني الذي ظهرت فيه الفنانة إغراء خلال مسيرتها الفنية الطويلة السابقة. فأجواؤه تنحو في مآلات القيم الإنسانية العميقة والتي تتولد في الإنسان في لحظات معينة، كما يتعرض لمعاني الوفاء وضرورة العمل عليه في عالم استهلاكي جثم بسطوته على تفاصيل حياة الناس ووسمها بالسرعة والسطحية.

عمرو علي مخرج سينمائي شاب، درس السينما في القاهرة، وقدم خلال مسيرته الفنية العديد من الأفلام التي أوجدت له حضورا خاصا في المشهد السينمائي السوري، وهو يحاول في مشاريعه السينمائية البحث في مواضيع إنسانية عميقة، قدم خلال مسيرته أفلاما قبل أن يتخصص بدراسة السينما في مصر. فقدم فيلم "8 مم ديجيتال" ثم فيلم "عيد ميلاد" وبعده فيلم "وحوش العاطفة".

النقلة النوعية في مساره كانت مع فيلم “ومضة” الذي نال به جائزة يوسف شاهين التي تقدمها شركة أفلام مصر العالمية. فيلم تخرجه “الغيبوبة” نال به عددا من الجوائز في مهرجانات سينمائية عالمية منها مهرجاني روتردام ومالمو.

وجود إغراء في السينما السورية لم يكن حدثا عابرا بل شكلت حالة جدلية بدأت منذ عشرات السنين ولم تهدأ حتى الآن
◙ شاركت في أول أفلامها الذي حمل عنوان “عودة الحياة” للمخرج زهير بكير الذي أطلق عليها لقب إغراء

أخرج مع المؤسسة العامة للسينما فيلما متوسط الطول حمل اسم “إنعاش”. وتعاونه الثاني مع مؤسسة السينما بفيلمه الحالي “أزمة قلبية” يحمل مقومات مغامرة فنية باعتماده على شخصية سينمائية سورية شكلت حالة جدلية كبرى في تاريخ السينما السورية عبر تاريخها. وجد فيها فرصة لإعادة نجمة سينمائية سورية شهيرة إلى الشاشة الكبيرة بعد زمن طويل من الغياب.

لم يكن وجود إغراء في السينما السورية حدثا عابرا، بل شكلت حالة جدلية بدأت منذ عشرات السنين ولم تهدأ حتى الآن. البداية كانت عندما انطلقت نهاد علاءالدين الفتاة اليافعة إلى القاهرة مع شقيقتها وكان عمرها لا يتجاوز الثلاثة عشر عاما وهي تمنّي النفس بالعمل في الفن، كانت تحب فن الرقص الشرقي، فكان هدفها الأول مسرح الفنانة المصرية الشهيرة تحية كاريوكا التي وجدت فيها طاقة فنية جيدة، فقدمتها للسينما المصرية.

شاركت في أول أفلامها الذي حمل عنوان “عودة الحياة” للمخرج زهير بكير الذي أطلق عليها لقب إغراء حيث شاركت في الفيلم مع كبار نجوم السينما المصرية منهم أحمد رمزي ومها صبري ومحمود المليجي وظهرت في الفيلم كوجه جديد مع محمود عبدالعزيز ثم قدمت فيلما ثانيا حمل اسم “الحب الأخير” مع النجمة السينمائية الشهيرة هند رستم وأحمد مظهر وزهرة العلا وكان من إخراج محمد كامل حسن ومن ثم فيلم “الغجرية” بمشاركة هدى سلطان وشكري سرحان ومحمود المليجي وعبدالسلام النابلسي.

لكن عبارة “مازلت صغيرة” التي ترددت كثيرا على مسامعها خلال وجودها في مصر سببت لها صدمة شخصية ووقفت حائلا دون رغبتها بالمزيد من المحاولات، فعادت أدراجها إلى دمشق حيث عملت بعد فترة في السينما السورية فقدمت عام 1964 فيلم “عقد اللولو” مع النجمين دريد لحام ونهاد قلعي، ثم فيلم “بدوية في باريس” ثم فيلم “نزوات امرأة” الذي أخرجه وديع يوسف وهو من إنتاج شركة الغانم التي قدمت لها معظم إنتاجاتها السينمائية، وتتالت العروض عليها وقدمت خلال الفترة اللاحقة العديد من الأفلام منها: “عاريات بلا خطيئة” و”غزلان” و”امرأة تسكن وحدها” و”رحلة حب” و”راقصة على الجراح” و”بنات للحب” و”أموت وأحبك مرتين” و”الحسناء وقاهر الفضاء” و”وداعا للأمس” و”الصحفية الحسناء” و”الحب المزيف” و”فتيات حائرات” و”امرأة لا تبيع الحب” و”أسرار النساء” و”بنات الاستعراض" و"امرأة في الهاوية" وفيلمها الأخير كان "المكوك" عام 1992 وهو من إخراج غنام غنام وشاركها الفيلم صباح عبيد وعلي الكفري وممدوح الأطرش.

فنانة مثيرة للجدل

وجود إغراء في السينما السورية لم يكن حدثا عابرا بل شكلت حالة جدلية بدأت منذ عشرات السنين ولم تهدأ حتى الآن
◙ وجود إغراء في السينما السورية لم يكن حدثا عابرا بل شكلت حالة جدلية بدأت منذ عشرات السنين ولم تهدأ حتى الآن

كما قدمت في مسيرتها عددا قليلا من المسلسلات التلفزيونية منها "الدولاب" و"الجرح القديم". كذلك عملت في الإخراج السينمائي الذي وجدت فيه شغفها الفني فأنجزت أفلام "بنات الكاراتيه" و"بنات الاستعراض" و"أسرار النساء" و"امرأة لا تبيع الحب". كذلك كتبت سيناريوهات بعض أفلامها منها "أموت مرتين" و"أحبك" و"عاريات بلا خطيئة" و"الصحفية الحسناء" وقدمت أربعة أفلام من إنتاجها، وهي بذلك الفنانة السورية الوحيدة التي عملت في تفرعات المهن السينمائية المختلفة.

وجود إغراء في فن السينما كان مدويا مع فيلم "الفهد" عام 1972 مع الفنان أديب قدورة وهو من إنتاج المؤسسة العامة للسينما وإخراج نبيل المالح عن رواية حيدر حيدر الفهد، ويحكي عن أحد الذين قاوموا قوى الظلم في المجتمع السوري في أربعينات القرن العشرين. حققت في الفيلم قفزة هامة في عالم الشهرة السينمائية السورية والعربية، حيث أدت فيه مشاهد وصفت بأنها الأكثر جرأة في تاريخ السينما السورية. وفي ردود الفعل عليه قالت جملتها الشهيرة "ليكن جسدي جسرا تعبر عليه السينما السورية إلى التقدم".

◙ الفنانة لم تتراجع يوما عن خطها السينمائي الذي رأت فيه سينما اجتماعية حقيقية تعبّر عما يدور في الحياة وظروفها

شكل فيلم "الفهد" منعطفا في تاريخ الفنانة إغراء والسينما السورية عموما، حيث اختصت في السينما الاجتماعية المعتمدة على التشويق والإثارة حتى لو كانت جسدية، وهو الشكل الموجود في كل سينمات العالم وعرفت به العديد من بطلات السينما العالمية والعربية منهم مارلين مونرو وبريجيت باردو وجينا لولو بريجيدا وعربيا هند رستم وناهد شريف في مصر والعديد من الأسماء العربية الأخرى.

لم تتراجع إغراء يوما عن خطها السينمائي الذي قدمته، ورأت فيه سينما اجتماعية حقيقية تعبّر عما يدور في الحياة وظروفها وأنها ترصد ما يدور بين الناس في العلن وفي السر أيضا. الفترة الأكثر توهجا في مسيرتها الفنية كانت في سبعينات القرن العشرين حيث قدمت عشرات الأفلام. آخر ظهور سينمائي لها كان فيلم “المكوك” الذي قدمته عام 1992 بعدها انسحبت من المشهد الفني السوري بشكل كامل، حيث توقف الإنتاج السينمائي الخاص بشكل شبه كامل ولم تقدم أعمالا تلفزيونية.

كادت تعود من خلال مشاركة في مسلسل "عناية مشددة" مع المخرج أحمد إبراهيم أحمد عام 2015 ومسلسل "شارع شيكاغو" مع المخرج محمد عبدالعزيز عام 2021 لكنّ التجربتين لم تكتملا.

14