التطور الرقمي المتسارع يعقد مهمة الأسر المغربية في مراقبة استخدام أبنائها للإنترنت

طالب عدد من المختصين في المغرب بحظر ألعاب الفيديو وإيقاف نشاطها، خصوصا تلك التي تؤدي ببعض المدمنين إلى الانتحار، مشددين على ضرورة التحلي باليقظة الجماعية وتحمل أولياء الأمور مسؤولياتهم وعدم ترك الهواتف والكمبيوترات في أيدي الأطفال دون مراقبة. وكشفت بيانات رسمية أن حوالي 63 في المئة من المغاربة يعجزون عن توجيه أطفالهم أثناء استعمال الإنترنت، مما يعرضهم لمجموعة من المخاطر.
تعرف التقنيات الجديدة للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي تطورات سريعة ومتواصلة ما يصعب على أولياء الأمور في المغرب مواكبة أطفالهم، ويجعل عملية مراقبة أنشطتهم على الإنترنت أمرا في غاية العسر، لاسيما عندما لا تتوفر لديهم المعارف الكافية للقيام بتعريفهم بمزايا الإبحار على الإنترنت وسلبياته.
وأكدت عواطف حيار وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة أن وزارتها تركز على التواصل وتحسيس الأسر بأهمية الإنترنت، مع التعريف بمخاطرها على الأطفال، ما يستلزم ضبط علاقة الأطفال والمراهقين بمحتويات الإنترنت والألعاب الإلكترونية التي تؤثر عليهم بدرجة أولى.
وكشفت الوزيرة المغربية أن حوالي 63 في المئة من المغاربة يعجزون عن توجيه أطفالهم أثناء استعمال الإنترنت، مما يعرضهم لمجموعة من المخاطر، من خلال مشاهدة المحتويات الضارة التي تنعكس سلبيا على سلامتهم النفسية والصحية، وكذلك مظاهر العنف السيبراني والتحرش الإلكتروني.
الإقبال على بعض الألعاب الإلكترونية يعرف تزايدا كبيرا بين القاصرين في المغرب خاصة الألعاب التي تتمحور حول العنف
وأفادت في ردها على سؤال كتابي وجهه إليها المستشار البرلماني خالد السطي أن وكالة التنمية الرقمية تعمل حاليا مع شركائها على بلورة منصة إلكترونية للتبليغ عن التنمر والتحرش الإلكتروني على مستوى المؤسسات التعليمية، وأضافت أن وزارتها تركز على التواصل وتحسيس الأسر بأهمية الإنترنت، وأيضا التعريف بمخاطرها على الأطفال.
وحسب عدد من الخبراء في علم النفس الاجتماعي، فإن ألعاب الهواتف النقالة تجر الأطفال المغاربة إلى مستنقع العنف، فكثير من الأطفال والمراهقين مدمنون على الألعاب الإلكترونية، إذ يقضون أوقاتهم غارقين في اللعب غير مبالين بمحيطهم وبيئتهم، حيث تبعدهم هذه الألعاب عن الأجواء الأسرية والعائلية، وتأخذهم إلى عالم افتراضي آخر وراء شاشة الهاتف النقال، لا يفكرون في أي شيء سوى تحقيق “الفوز”، وتخطي العقبات والمستويات التي يضعها صانعو هذه الألعاب العنيفة.
ويعرف الإقبال على بعض الألعاب الإلكترونية تزايدا كبيرا بين أوساط القاصرين بالمغرب، خاصة الألعاب التي يشكل العنف والمعارك الافتراضية موضوعها، حيث أصبحت تأثيراتها على الصحة النفسية والعصبية لهؤلاء القاصرين مثار قلق كبير لدى الآباء والأمهات.
وأعدت الوزارة بالتعاون مع اليونيسف “دليل الأسر لحماية الأطفال من مخاطر الإنترنت”، لتقديم أجوبة عن أكثر الأسئلة تداولا لدى الأسر، وتعزيز معارف وكفاءات الأسر لمواكبة أنشطة أطفالها على الإنترنت حسب الفئات العمرية الأقل من 18 سنة، والتعريف بسبل الوقاية، والتعريف بمحركات البحث الملائمة للأطفال، والتعريف بتطبيقات الحماية المتوفرة.
وبخصوص الأدوار المنوطة بالأسرة والمؤسسات للحد من تداعيات هذا الأمر على مستقبل الأطفال القاصرين الذين يقبلون بشكل متزايد على بعض الألعاب الإلكترونية، أكد الخبير الأسري محمد حبيب أن هذا الموضوع خلق قلقا كبيرا داخل المجتمع، وخصوصا لدى الأسر المغربية التي تتحمل مسؤوليته بشكل أساسي، مبرزا أن هذه الآفة المنتشرة بين الأطفال والمراهقين تبين تخلي الأسرة عن دورها في التربية والرقابة والإشراف على الأبناء.
دراسات أثبتت أن ألعاب الفيديو بإمكانها أن تُحسِّن مهارات الإنسان وتُكسبه قدرات ذهنية عديدة، شريطة ألا تشتمل على مشاهد عنف مؤذية
وتعهدت الوزيرة بإعداد دلائل وأشرطة فيديو موضوعاتية، تعطي من خلالها الكلمة للخبراء والمتخصصين في مجال الإنترنت لبث رسائل تحسيسية للأطفال والأسر وتعزيز قدراتهم في مجال استعمال الإنترنت بطريقة مفيدة.
وعلى الرغم من أضرار ألعاب الفيديو وتسببها في الإدمان والعزلة الاجتماعية وبعض الأمراض النفسية والبدنية، أثبتت دراسات أنه بإمكانها أن تُحسِّن مهارات الإنسان وتُكسبه قدرات ذهنية عديدة، شريطة ألا تشتمل على مشاهد عنف مؤذية وألا يتجاوز اللعب الفترات الصحية الموصى بها.
وسبق لمجموعة من الآباء والأولياء أن عبروا جميعهم عن رغبتهم في الحجب النهائي للعبة “فري فاير” بالنظر إلى أن أطفالهم أصبحوا مدمنين عليها، حتى أن أغلبهم يقضي جل ساعات اليوم في لعبها، ومنهم من ينسى حتى وجباته الغذائية بسببها، إضافة إلى أنها كان لها تأثير كبير على مسارهم الدراسي الذي عرف تراجعا بسببها وغيرها من الألعاب الإلكترونية التي أفقدت هذه الفئات تركيزها.
وأوضحت الوزيرة ضمن جواب عن سؤال البرلماني عن الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، أن الوزارة ستقوم بإعداد دلائل وأشرطة موضوعاتية تعطي من خلالها الكلمة للخبراء والمتخصصين في مجال الإنترنت، لبث رسائل تحسيسية للأطفال والأسر وتعزيز قدراتهم في مجال استعمال الإنترنت بطريقة مفيدة.
وأشارت المسؤولة الحكومية إلى أن هذه الإستراتيجية الجديدة تخص جيلا جديدا من الخدمات الاجتماعية للقرب في مختلف المجالات الترابية، ملائمة لاحتياجات المواطنات والمواطنين، وفي انسجام مع مختلف السياسات العمومية والبرامج والمبادرات على الصعيد الوطني والجهوي، مع اعتماد الرقمنة كآلية للاستهداف والنجاعة.
وطالب عبدالعالي الرامي رئيس منتدى الطفولة، عبر “العرب”، الجهات المسؤولة بالتدخل لحظر مثل هذه الألعاب وإيقاف نشاطها، خاصة الألعاب الإلكترونية التي برزت خطورتها على الناشئة والمجتمع؛ منها ألعاب تؤدي ببعض المدمنين إلى الانتحار، مشددا على ضرورة التحلي باليقظة الجماعية وتحمل أولياء الأمور مسؤولياتهم وعدم ترك الهواتف والكمبيوترات في أيدي الأطفال دون مراقبة ومواكبة.
وأوضح الرامي أن الألعاب الإلكترونية متنوعة منها ذات أهداف ربحية، ومنها التي تشجع على العنف، وأخرى تشغل ذهن الطفل وتؤثر على سلوكه، مما قد يشكل خطرا على المجتمع أو على ذاته أيضا.
ووضعت وكالة التنمية الرقمية “لجنة للتنسيق في مجال الثقافة الرقمية وحماية الأطفال في الفضاء الرقمي”، وذلك بهدف وضع أنشطة تواصلية تحسيسية لفائدة الأطفال والآباء والمربين، من أجل حمايتهم من مخاطر الإنترنت وتقديم خدمات آمنة للمستعملين. وتعمل الوكالة حاليا مع شركائها على بلورة منصة إلكترونية للتبليغ عن التنمر والتحرش الإلكتروني على مستوى المؤسسات التعليمية.
عندما ينغمس الطفل في اللعبة يحدث له إجهاد ذهني، لأن اللعبة تعطي التحدي وكل ما كبر التحدي، ارتفع القلق، مما قد يؤدي إلى الوفاة أحيانا
كما أطلقت اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي بالرباط، وفق ما أكدته الوزيرة منصة “كون على بال” ذات الطابع الأفريقي، المخصصة لحماية الحياة الخاصة وحماية معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي في المغرب وأفريقيا.
وحسب دراسات ميدانية فإنه عندما ينغمس الطفل في اللعبة يحدث له إجهاد ذهني، لأن اللعبة تعطي التحدي وكل ما كبر التحدي، ارتفع القلق، مما قد يؤدي إلى الوفاة أحيانا، وهناك بعض الأطفال لديهم قابلية للإصابة بالصرع بسبب التردد الكهربائي في اللعبة، الذي يسبب رفع عدد نوبات الصرع.
وتحدثت أسماء لـ”العرب”، وهي موظفة وأم لطفل في الثانية عشر من عمره، أن ولدها بدا مستمتعا بلعبته الإلكترونية وكل تركيزه مع شخصيته المدججة بالسلاح بتلك اللعبة التي سيطرت على تفكيره، وغدت محور حياته، وجعلته لا يمل ولا يسأم ويرفض القيام بأي شيء غير اللعب بها، وقالت “لقد بت حقا أخشى على ولدي”.
وعبّر عمر العامل بإحدى الشركات بمدينة مكناس عن قلقه من تأثير هذه الألعاب على صغيرته التي تدرس في مستوى التاسعة إعدادي، حيث تجلس لساعات طويلة أمام “البلاي” و”لا نستطيع إبعادها إلا بالتعنيف في معظم الأحيان لكي تنتبه لدراستها وتعطيها حقها من الاهتمام”، وأضاف أن ابنته تتأثر بأبطال اللعبة رغم أن معظمهم إما قاتل مأجور أو لص ويخشى أن تصبح مريضة نفسية.
وسبق للبرلماني عن الفريق الاشتراكي سعيد بعزيز أن أثار خلال الولاية البرلمانية السابقة موضوع إدمان الأطفال واليافعين على الألعاب الإلكترونية، بتركيزه على أن هذه الألعاب ترتكز بداية على التحدي وإحساس الطفل أو الشاب المقبل عليها بكونه يدخل مغامرة يكتسب منها شخصية قوية، لكن بمجرد إحساسه بالأمان يُصبح مدمناً عليها لينتقل إلى مرحلة أكثر تقدماً تسود فيها القطيعة مع المحيط الأسري والعزلة التامة معهم مقابل التفرغ للجوال أو اللوحة الإلكترونية.