السيسي يعيد تقييم موقف السلطات من قبائل سيناء

زيارة الرئيس المصري رسالة دعم لا تخلو من تحذير.
الاثنين 2023/04/03
صفحة جديدة

القاهرة- استفاد الرئيس عبدالفتاح السيسي من الأخطاء التي وقعت فيها أنظمة مصرية سابقة قادت إلى حدوث توتر بين الأجهزة الأمنية وقبائل سيناء. وأكد في لقائه بعدد من شيوخ القبائل، خلال الاحتفال بانتصار مصر والعرب على إسرائيل في حرب السادس من أكتوبر 1973 الذي وافق آنذاك العاشر من رمضان، أن أجهزة الدولة تمضي في تعزيز شراكتها مع القبائل وتوظيفها في عملية تنمية سيناء.

وتفقد الرئيس المصري السبت الارتكازات الأمنية في شرق قناة السويس المتاخمة لسيناء، والتقى عددا من جنود مركز العمليات الدائم لقيادة قوات شرق القناة لمكافحة الإرهاب من أجل متابعة الحالة الأمنية، وتناول الإفطار مع قيادات الجيش وكبار شيوخ القبائل، ما يعني أن للدولة ذراعين تعتمد عليهما في مواجهة الإرهاب ودعم خطط التنمية، وهما الجيش وقبائل سيناء.

ولم تخلُ تصريحات السيسي، التي قال فيها إن الإرهاب انتهى في مصر وإنها لن تسمح برفع سلاح سوى سلاح الدولة، من رسائل تحذير موجهة إلى العناصر الإرهابية وبعض العناصر التابعة للقبائل التي تملك السلاح واستخدمته في الضغط على الدولة أحيانا.

محمد الغباشي: زيارة السيسي إلى سيناء ترفع معنويات الجنود والقبائل
محمد الغباشي: زيارة السيسي إلى سيناء ترفع معنويات الجنود والقبائل

وتجنب السيسي الوقوع في أخطاء سابقة أدت إلى تردي الأوضاع الأمنية والاجتماعية في سيناء بسبب عدم التعاون الكامل بين الحكومة وشيوخ القبائل، والذي تحول في أواخر عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك إلى بؤرة توتر مزمن مع الأجهزة الأمنية.

ونظرت أجهزة الأمن إلى عدد كبير من سكان سيناء في ذلك الوقت على أنهم غير مؤتمنين على أمن هذا الجزء من أرض مصر لشروعهم في التعاون مع متطرفين من خلال إيوائهم ودعمهم، وانتعاش تجارة وتهريب المخدرات وزراعة المواد المخدرة، وهي صورة نمطية عَلِقت بالعقل الجمعي المصري وأثرت سلبا على مشاعر أهالي سيناء جراء تشكيكها في وطنيتهم، رغم دورهم في التصدي لإسرائيل عندما احتلت سيناء عقب حرب يونيو 1967.

وشغلت هذه الصورة السلبية بال كثيرين، وحاول الرئيس السيسي محوها من الذاكرة عن طريق توثيق أطر التعاون بين الأجهزة الأمنية وشيوخ القبائل الذين ساعدوا على تسريع وتيرة محاربة العناصر الإرهابية في سيناء ورفعوا عنها الغطاء القبلي.

وحذرت دوائر مصرية من قيام فلول التنظيمات الإرهابية بتجنيد عناصر جديدة إذا استمرت البيئة الطاردة في سيناء على حالها بعد أن نجحت جماعات متطرفة في اختراقها خلال الفترة التي تلت ثورة يناير 2011.

وطالبت هذه الدوائر بوضع شكل واضح وإيجابي للعلاقة بين الدولة وأجهزتها التنفيذية والأمنية وبين شيوخ القبائل، ما يجعل هناك قدرة على ضبط الأوضاع في سيناء، ويبعث رسائل تؤكد أن الحضور القوي للدولة يعني عدم السماح بوجود خيوط رفيعة تربط بين الإرهابيين وبعض العناصر الإجرامية المتدثرة بلحاف بعض القبائل.

وقال الخبير في شؤون التنظيمات الإرهابية أحمد سلطان إن الرئيس السيسي دشن فعلا مرحلة جديدة لا يوجد فيها ما يمكن وصفه بأنه “خروج عن الدولة”، وهي رسالة إلى بعض الأطراف في القبائل التي راودتها فكرة الخروج عن طاعة الدولة، كلما وجدت الأجواء مواتية، وهو ما حدث في عهد مبارك.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الانتشار الضعيف للقوات الأمنية آنذاك ترك فراغا أمنيا واسعا استغلته جماعات إجرامية كانت لبعضها علاقات وطيدة مع القبائل، والآن تسعى الدولة لوضع عقد اجتماعي وسياسي جديد يستند إلى قوة الدولة وتمدد نفوذها”.

أحمد سلطان: الرئيس السيسي دشن فعلا مرحلة جديدة لا يوجد فيها ما يمكن وصفه بأنه "خروج عن الدولة"
أحمد سلطان: الرئيس السيسي دشن فعلا مرحلة جديدة لا يوجد فيها ما يمكن وصفه بأنه "خروج عن الدولة"

وأوضح أن رسائل التحذير التي تضمنتها تصريحات السيسي توازيها تحركات تفيد بأن مشاريع التنمية تستهدف التأكيد لأهالي سيناء على أهمية منطقتهم للدولة، فضلا عن تثبيت بذور الانتماء بعد تجاهل أنعش فيها الفساد والإرهاب وتجارة المخدرات.

وتلعب الخبرة العسكرية والأمنية الميدانية للرئيس السيسي دورا مهمًا في ضبط بوصلة علاقة الدولة بقبائل سيناء. وجعله وجوده على رأس جهاز الاستخبارات الحربية في الفترة التي تلت الإطاحة بنظام مبارك، وامتلاكه معلومات دقيقة عن الأوضاع في سيناء خلال معايشته لهذه الأوضاع ومعرفته بطرق إعادة بناء شبكات التنظيمات الإرهابية، يدرك أن ضعف الدولة يغري المتطرفين وعناصر الجريمة المنظمة.

وتعمل الحكومة المصرية حاليا على أن تكون سيناء مختلفة عما كانت عليه في السابق، حيث قال السيسي “ما قامت به الدولة خلال السنوات السبع الماضية تطلّب تكاليف باهظة، والأهم يتمثل فيما تحقق من نتائج، وعندما نبذل جهدا في سيناء ونعمل على بناء مشروعات تنمية حقيقية فهذا أمر مستحق”.

وبدأت أجهزة الدولة تلم بأعراف وتقاليد شيوخ القبائل وتقدرها وتصبو إلى مضاعفة الاهتمام بسيناء خلال الفترة المقبلة بما يتجاوز الحدود الأمنية إلى الاقتصادية والاجتماعية أيضا.

وقال أمين مركز آفاق للدراسات الإستراتيجية اللواء محمد الغباشي إن زيارة الرئيس السيسي إلى سيناء ستسهم في رفع معنويات الجنود والقبائل، وإن النقاش الموسع مع زعماء القبائل تضمّن دلالات مهمة، أبرزها أن الحكومة تنوي الاعتماد عليهم في مسعى إنجاح مخططات التنمية بما يعود بالنفع على الجميع.

وذكر في تصريح لـ”العرب” أن “تشغيل أبناء سيناء في المنشآت الزراعية أو الصناعية التي تشيدها الدولة يجعلهم أكثر حرصًا على الدفاع عن الأرض كمصدر لقوتهم الأساسية، على أن يكون ذلك في إطار سلطان الدولة بكافة مؤسساتها التنفيذية، والتي ستكون يدها فاعلة ومؤثرة في جميع مناحي الحياة بدلاً من الاعتماد على أجهزة الأمن فقط”.

ويُجمع خبراء عسكريون على أن من مصلحة الحكومة عودة الانضباط في نظام القبائل والتقاليد المرتبطة بشيوخها والاستماع إليهم كسلطة سياسية ومعنوية موجودة بين المواطنين الذين لديهم نفس التقاليد والأعراف البدوية، وأن تقوية شيوخ القبائل ستحقق أهداف الدولة باعتبار أنهم من حراس الحدود الموجودين مباشرة على عين المكان، وأن الدولة ستقدم لهم كافة أنواع الدعم المادي للحفاظ على سلطتهم الرمزية.

1