مريم عتيق الجلاصي لـ"العرب": المسرح في تونس صار عبارة عن سوق سوداء

هناك توجهات باتت ظاهرة للعيان اليوم يواجهها المسرح في مختلف الأقطار العربية، أبرزها محاولة تقليمه ووضعه في قوالب جغرافية ونمطية تنزع عنه التفاعل والتأثير واندماج صفتي المتعة والوعي، وتفتكه من الفلسفة والشعر والنزعة الإنسانية المتمردة. وهناك أيضا من ينادي بشكل غريب بتوحيد لغة المسرح، وكأننا بها دعوة إلى جعله فنا متحفيا أو للتسلية. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الممثلة والمخرجة المسرحية التونسية مريم عتيق الجلاصي حول راهن المسرح وتجربتها.
■ العرب: كيف تقدم مريم عتيق الجلاصي نفسها لقراء “العرب” اللندنية؟
مريم عتيق الجلاصي دكتورة مختصة في المسرح وفنون العرض، مكونة في مجال المسرح والسينما، ممثلة ودراماتورج ومخرجة. ولدت بالعاصمة تونس سنة 1979. ترعرعت بمدينتها العتيقة وأحيائها الشعبية، بدأت بمسرح وسينما الهواة بالنوادي والجمعيات، هواية استحوذت على وجداني حددت نهج دراساتي العليا ومهنتي التي أحقق من خلالها ذاتي كإنسانة وكمواطنة.
■ العرب: ما المسرح وماذا يعني لك؟
مريم عتيق الجلاصي: يعتبر المسرح بالنسبة إليّ فضاء مفارقة صلته غير منفصلة عن كينونتي كإنسانة وعن ذاتي كمواطنة، فأنا كإنسانة ساعدني المسرح كثيرا في التعرف على العديد من خبايا ذاتي والكشف عن تناقضاتي ما ظهر منها وما هو مستبطن ويغيب عني والتموقع منها، وهي عملية ليست لها نهاية مع الفعل المسرحي، فالفعل المسرحي يجعلني أتذبذب بين الواقع والخيال، بين الوعي واللاوعي والفكر والإحساس، أنقل للمسرح بواسطة شخصيات وبطريقة مكثفة كثيرا من إنسانيتي وأستثمر ما يطرحه عليّ من خيال لأطور من ذاتي.
كينونتي في المسرح محمل تجربة شخصية ومدنية ومهنية في جدلية متحركة، إن المسرح يعلّمنا تجاوز ما نعلم عن أنفسنا لنفتح آفاقا جديدة لتجربة مّا لا نعلم عنها شيئا حتى نولّد اللامنتظر، الفجئي، ذلك السحر الإبداعي الذي يمتعنا. كما أن المسرح بالنسبة إليّ كمواطنة فضاء للتعبير عن فكري وقناعاتي ورؤيتي للحياة ولواقعي التاريخي عبر الجميل. المسرح بالنسبة إليّ هو تحدّ لرجفة الرهبة التي تتملكنا على الحدود الفاصلة بين الشيء واللاشيء، هو فن تجاوز الإنسان لحدود الممكن، هو فن مواجهة الذات الراكدة وجميع الأنظمة البالية.
نضالات الأجيال
■ العرب: كيف يكون المسرح مسرحا؟
مريم عتيق الجلاصي: كيف يكون المسرح مسرحا؟ سؤال محيّر، لأن الأذواق تختلف، والجميل هو تذوق حسي يختلف تذوقه من شخص إلى آخر، والمسرح هو فضاء الحرية بحيث لا يمكننا أن نحصر تذوقه في نظرة أحادية، لكن يمكننا أن نشير إلى بعض النقاط التي نرى من خلالها رفع المستوى المادي لمسرحنا وبالتالي الرفع من مستوى مضمونه الفكري والجمالي، فالفن على حد تعبير فالتر بن جامان “بضاعة لامادية”، ولكلّ سوق قوانينها التي تحمي حقوقها وتحدد واجباتها، ومسرحنا في ظل غياب جملة من القوانين الكبرى من بينها قانون الفنان عبارة عن سوق سوداء.
■ العرب: هل المسرح ضرورة أم ترف؟
مريم عتيق الجلاصي: ولد المسرح في حوض الفلسفة، أي في حوض السؤال عن ماهية الإنسان وعلاقته بالعالم، فهو وليد السؤال في المطلق، وما دام الإنسان حيا لن يكف عن السؤال، والمسرح وسيلة حسية جمالية لطرح سؤاله ببلاغة فنية وشاعرية، وما دام الإنسان قائما فالسؤال قائم وبالتالي المسرح قائم كركن فني من أركان السؤال الفلسفي.
المسرح ضرورة وإن كان من بين وظائفه الترف أو المتعة إن أردنا تحديد المفهوم، فحتى بريشت نفسه الذي دعا في مسرحه إلى مخاطبة وعي المتفرج بتأسيسه لمسرح ملحمي معارض في قواعده للمسرح الأرسطي أقر بضرورة عامل المتعة في المسرح. فالمسرح بالنسبة إلينا عامل متعة ووعي في آن ولا يمكننا اعتباره عامل ترف فقط، فهو مهنتنا التي تلبّست بوجداننا وانسقنا في نهجها الفني والعلمي عن وعي واختيار.
■ العرب: أين ترى مريم نفسها: ممثلة، أو كاتبة أو مخرجة أو باحثة ومكونة؟
مريم عتيق الجلاصي: تتحقق ذاتي في جميع هذه الوظائف، فلا تمثيل دون كتابة بالنسبة إليّ، ولا ممثل دون نظرة إخراجية وتفكير في دراماتورجيا الأداء ووعي بالفضاء، ولا تكوين دون بحث علمي، وهي جدلية يكمل بعضها البعض ساقني لها “معبد النسيان” (هذا التعبير للمخرج والممثل التونسي علي بن عياد) المسرح من ناحية “ومعبد المعرفة” أي الجامعة من ناحية أخرى.
لعلني نموذج للفنانة المسرحية الجامعية الذي لطالما ناضلت من أجل تحقيقه أجيال منذ نشأة المسرح في تونس، فنحن نعلم ما كانت عليه صورة المرأة الممثلة في فترة المسرح العربي، ثم وبعد نشأة فرقة بلدية تونس، لتليها في نفس الفترة تقريبا مدرسة التمثيل العربي، كان تواجد المرأة المسرحية مقتضبا جدا، وبعد خطاب الرئيس الحبيب بورقيبة “حتى نبني المسرح التونسي على أسس ثابتة”، وكذلك دوره في تحرير المرأة، وتحول المدرسة إلى مركز وبداية بوادر لنموذج جديد من الممثلات المتعلمات أبناء العائلات، ليتحول المركز بعد ذلك إلى معهد عال للفن المسرحي ويصبح هناك تخصص جامعي ترتاده طالبات العلم كما الطلاب، ويفتح المعهد أبواب الدراسات العليا المعمقة.
فما أنا عليه اليوم هو بفضل نضالات أجيال، وأنا ممتنة لهم بتعدد اختصاصاتي ومجمل كفاءاتي في الحقل المسرحي بين تمثيل، وإخراج، وكتابة، وبحث علمي وتكوين.
■ العرب: منْ من المسرحيين في تونس كان/كانت له/ لها التأثير في مسارك المسرحي وكيف؟
مريم عتيق الجلاصي: في الحقيقة هم كثيرون بداية من أيقونة المسرح رجاء بن عمار كممثلة ومخرجة ومناضلة وما تقدمه من أعمال منعتقة عن المعهود والرتابة ومندمجة في صلب واقعنا التاريخي وقريبا من ذاتها وصفاتها، مرورا بعشقي لخيال سنية زرق عيون على الخشبة أو خيال علي بن عياد أيضا من خلال بعض الصور، كذلك المخرج عزالدين قنون وتفانيه في العمل إلى حد الإرهاق الجسدي، لكن أكثر التجارب التي ساهمت بشكل كبير في تكويني كانت مع المكون والمخرج فتحي العكاري، وربما هي ليست بمصادفة القرابة العائلية بيننا.
قبل دخولي إلى المعهد العالي للفن المسرحي كنت أمارس الرياضة منذ نعومة أظافري، ولم يكن المسرح الواقعي وحده يلبّي رغبة جسدي في الانعتاق الحركي، كانت طاقتي الجسدية تتوق إلى الانفلات وقد أحسن فتحي العكاري تأطيرها في مسرح جسدي طقسي. تجربتي معه على امتداد أكثر من عقد من الزمن أفادتني كثيرا على مستوى التحكم في طاقتي الجسدية والحسية كممثلة وحسن توجيهها، والأهم من هذا كله التفكير فيها ومحاورتها، وللمسرحيين الشبان أيضا وأبناء جيلي تأثيرهم عليّ من بينهم حضرتكم عماد المي وكذلك المخرجة وفاء الطبوبي.
الإخراج والممثل
■ العرب: كيف كان مسارك الفني والمسرحي وما هي مميزاته؟
مريم عتيق الجلاصي: لعل مساري الفني والمسرحي هو مسار حياة وروتين يومي يتجدد ليجددني وأجدده، أنا بالأساس ممثلة مسرحية عبرت أيضا إلى سحر السينما وبعض الأعمال الدرامية التلفزيونية. بدأت من الهواية وحدد المعهد العالي للفن المسرحي تواجدي المهني الرسمي في فن التمثيل.
ما يميز تجربتي أني كنت صادقة في جميع تجاربي الفنية، ولم أمارس يوما مهنتي بعدم اقتناع أو تخاذل في أيّ عمل كان، فكل تجربة بالنسبة إليّ هي جزء من حياتي بما أنني أكتبها بجسدي، وذاتي، وإحساسي، ووعي، ولا وعيي، وفكري، وذهني ووجداني، فالفعل الفني ومنه فعل التمثيل تجربة وجودية بالنسبة إليّ، فاقتناعي بما أفعل هو ما يميز تجربتي وهذا لا ينفي شكي وحيرتي وهشاشتي ورجفتي الحسية عند السير في المسار، فبالنسبة إليّ القناعة التامة التي لا جدال فيها هي ضرب من الغرور الذي يقضي على جانب الفنان فينا.
■ العرب: هل ثمة علاقة واستمرارية بين ما قمت به من بحوث وعملك ميدانيا في المسرح؟
مريم عتيق الجلاصي: بدأت المسرح كفعل ميداني ونمّت في الجامعة حيرة السؤال، ولأن الممثل جوهر العملية المسرحية وقلبها النابض ولأنني ممثلة تولّد لديّ فضول معرفة كيف يتم تكويني وكيف يتم توجيهي في عمل إبداعي، وكيف وضع المعلمون في الفن المسرحي مناهج في فن التمثيل نتمرن عليها إلى اليوم حتى نكتشف ذواتنا ونتعرف عليها ونتأهل لكفاءة التمثيل.
من الممارسة تولّد مبحثي العلمي الذي بدأته برسالة الماجستير التي تبحث في تعلمية إدارة الممثل من خلال المناهج المرجعية لفن الممثل، لأختمها بأطروحة الدكتوراه المعنونة بـ”مدخل لتعلمية إدارة الممثل من خلال نماذج من المسرح التونسي المعاصر”. فما قدمته من بحوث علمية تولّد عن الممارسة وأفاد كثيرا الممارسة على جميع الأصعدة تمثيلا وكتابة وإخراجا وتكوينا، فلا ممارسة فنية دون الإيمان بالبحث العلمي الذي يفكّكها ويحلّلها لتتطور، ولا بحث علميا في الاختصاص دون الإيمان بالممارسة أصل السؤال.
■ العرب: ما الذي يدفعك للإبداع؟
مريم عتيق الجلاصي: حقيقة لا يمكنني تحديد ما الذي يدفعني للإبداع، ربما الظاهر منه هو أن هدف الفن البحث عن إيتيقا بديلة أسمى وأرقى، ربما لأن الإبداع ضرب من ضروب الصراع ضد أنظمة اجتماعية وسياسية جامدة بالية تقودنا نحو التدجين، أو ربما هو لفعل الخلق في حد ذاته والامتداد الأبدي بولادة الجميل أو هو أيضا أرق وجودي يدفعنا لخلق حيوات أخرى موازية لحياتنا وكأن حياة واحدة بامتدادها الزمني العادي غير كافية لنا كعشاق للحياة، أو هو رغبة لقاء الغياب، فلولا السراب لما كان هناك أمل. أو ربما هو ببساطة الرغبة والأمل في غد أفضل، في وطن أجمل، من أجل السلام… من أجل إنسان أرقى وأرق.
■ العرب: لديك مشروع في طور الإنجاز بعنوان “سين” هل بالإمكان أن تعطينا فكرة عنه؟
مريم عتيق الجلاصي: مشروعي لم يبدأ مع مسرحية “سين” وإن كانت فاتحة الإقدام على وظيفة الإخراج، مشروعي بدأ مع مشاركتي في تأسيس “مسرح البديل” سنة 2011، الذي تطرق منذ ذلك الحين في جميع مسرحياته إلى إشكاليات عديدة حول المرأة، وجميعها شاركت فيها بالدراماتورجيا والتمثيل، ومسرحية “سين” التي أنتجها “مسرح البديل” مؤخرا هي امتداد لهاجس المواضيع التي يتناولها في طرحه الفكري.
عندما فكرت بالإقدام على وظيفة الإخراج تولدت فيّ رغبة البحث عن نفس جديد في الكتابة الدرامية فوجدت في العمل الأدبي “حديث السقيفة: السيدة ‘سين‘ والسيدة ‘عزري‘” الذي وضعته هدى اللموشي هذا المبتغى، وأقدمت على هذه التجربة الفنية لأختبر نفسي في فعل الإخراج، هذا هو الأصل، ثم يأتي اختبار مضمن في مسار هذا العمل، وهو اختبار فعلي ميداني لمفهوم “التوجيه الذاتي” حيث يكون المخرج - مدير الممثل هو بذاته ممثلا.
المخرج هو المرآة العاكسة التي يرى فيها الممثل كل ما يرتجله من أداء، وهو إحدى محركاته البلاغية المزودة لطاقته على الحشبة؟ وبما أن الممثل وهو على الخشبة في حاجة إلى لاوعيه أيضا كمحرك أساسي من ضمن محركات نفسية أخرى لما ينتجه من أداء فهو في حاجة إلى مدير ممثل واع يؤطر ما يقدمه بالنقد والجدل معه والتقييم، لأن النقد والجدل والتقييم حسب رؤية فكرية وجمالية تستدعي الوعي التام بما نراه وننظر فيه وإن كنا بصدد صناعة الإحساس أو صناعة الجمال. فهل بإمكان الممثل أن يكون موجه نفسه متخليا عن هذا الجانب الجدلي على جميع المستويات الإنسانية والفكرية والحسية؟
كل هذه الأسئلة أدخلتها إلى مختبر التجربة العملية فتوصلت إلى نتيجة مفادها أن الممثل هو جوهر العملية المسرحية، وربما هي نتيجة قديمة جدا كان قد توصل إليها المعلم جيرزي غروتوفسكي واضع المنهج السلبي. إلا أن هناك فرقا بين ممثل مؤدّ وممثل مؤلف، فالأول يقوم بما يطلب منه بينما الثاني يبحث عن المعنى فلا يعيد الكتابة حرفيا بل يفجر ويخلق منها كتابة للخشبة، أي ممثل دراماتورج.
■ العرب: كيف كانت التجربة كممثلة ومخرجة؟
مريم عتيق الجلاصي: ربما هي جرأة لم نقدم عليها إلا بعد مسار لا بأس به من التجربة الميدانية ومسار علمي كان محوره الأساسي الممثل. تذبذبي بين الوعي واللاوعي وارتجاجاتي وهشاشتي الحسية، ومواجهتي لنفسي ولذاتي وصراعي معها في كل ما تنتج لم تغب عني لحظة وأنا ممثلة في مسرحية “سين”، وتباعدي الواعي والنقدي عما أنتج كان خارج الخشبة، فقد كنت أوثق بالصورة والصوت ما أقوم به على الخشبة، ثم أراجعه على الشاشة بنظرة مخرج.
مسرحية “سين” بالنسبة إليّ هي سؤال حول المرأة في فن الحياة، وربما سيظل سؤال في طور الإنجاز، كوطننا الذي لا يزال في طور الإنجاز، وهذا مؤسف، لكن في الإبداع والجدل مع الذات حتى لا تركد نفضل الجانب المشرق من طور الإنجاز، ونثمن المسار، الدرب عن المنجز وإن كان هاما، فالشيء عند اكتماله ينتظر الموت، لذلك نرفض الكمال لنبقى في طور الإنجاز المتحرك “دائما أبدا… أبدا دائما” كما قال أرطو وهو واحد من الملهمين لي إلى جانب العديد، يوريبيدس، ديوستوفسكي، نيتشه، أحلام المستغانمي، نوال السعداوي، باولو كوالو، محمود درويش، أدونيس…
كونية الفن
■ العرب: ما هي رسالتك للمسرحين والمبدعين في تونس؟
مريم عتيق الجلاصي: من خلال هذا السؤال أريد أن أتطرق إلى مسألة شائكة تحوم حول مفاهيم تحمل بين طياتها أديولوجيات خطرة باتت تطرق مسامعنا “مسرح تونسي” “مسرح عربي” “مسرح إسلامي”، فمنذ متى للمسرح هويات وأديان؟ فمسرح بريشت مثلا وإن طرح مسائل هامة في تاريخ النازية إلا أنه لم يسمّ نفسه المسرح الألماني، فهذه التسميات تعيدنا بالتاريخ إلى زمن القرون الوسطى، آلاف السنوات الضوئية للوراء والتي تضخّها فينا وحشية الرأسمال الذي تفشى كالمرض الخبيث إلى الفن والمعرفة ليشل حركة الحس والعقل، فالفن كوني وإن كان يوثق لتاريخ بلاده أو خارجها واضعا تحت المجهر قضايا الإنسان في جميع أبعاده.
هذا هو سبب دائنا الأصلي الذي يجرنا كالوحل إلى القاع ويعطل رؤانا وطموحاتنا من قوانين وتنظيم توضح رؤيتنا لحاضرنا ونستشرف بها مستقبلنا، فالفن والمعرفة آلية قوية وفعالة جدا في العقول وتأطير الشعوب، وهي حرب ضارية يجب أن نعيها، ونتفطن لها ونضعها على طاولة السؤال، وهذه ربما رسالتي إلى مؤسساتنا الفنية والعلمية ولمفكرينا ولزملائي الفنانين والجامعيين أدعوهم إلى مراجعة هذه المفاهيم بوعي تاريخي ووضعها على طاولة النقاش والحديث حولها، ولا نتركها تتفشى فينا ونحن نخوض صراعات كثيرة ربما أغلبها جانبية تلهينا عن المسائل الحقيقية.
■ العرب: لو تعطينا بيتا شعريا له مكانة ومعنى في مسارك الإبداعي؟
مريم عتيق الجلاصي: أنا أستقبل يومي بسماع الشعر أو قراءته، وهو إحدى أهم المرجعيات التي تغذي حسي وفكري وتحركني للكتابة ورقية كانت أو على الخشبة، فالكثير من الشعر والعديد من الشعراء لهم مكانة ومعنى في مساري الإبداعي، لكن بإمكاني أن أعطيك بيتا سبح معه وجداني هذا الصباح لمحمود درويش “هنا… عند منحدرات التلال… أمام الغروب وفوهة الوقت… قرب بساتين مقطوعة الظل، نفعل ما يفعل السجناء، وما يفعل العاطلون عن العمل: نربي الأمل “.
■ العرب: رواية أو قصة كان لها تأثير في حياتك؟
مريم عتيق الجلاصي: ربما هي عديدة الروايات التي لها تأثيرها في حياتي، فكل فترة من العمر ولها خيالها الأدبي الذي تستلهم منه الذات شيئا منها وهي صيرورة الذات الحية المتجددة بداية من خرافات جدتي وخاصة منها خرافة “سبعة صبايا في قصبايا”، مرورا بـ”الأمير الصغير” للروائي أنطوان دوسانت، ثم وفي مرحلة تالية “الإخوة كرامازوف” لفيودور دوستويفسكي أو رواية “ملحمة الحرافيش” لنجيب محفوظ، “أسطورة سيزيف” لألبير كامو، “السد” وإن كانت مسرحية ذهنية لمحمود المسعدي، وفي فترة متقدمة رواية “الخيميائي” لباولو كويلو و”نساء يركضن مع الذئاب” لكلاريسا بنكولا وهو مدخل لدراسة المرأة من زاوية علم النفس الاجتماعي وزاخر بالأدب الشعبي لأميركا اللاتينية الذي ساهم في تكوين المرأة في تلك الثقافة.
■ العرب: فيلم أعجبك وأثر فيك؟
مريم عتيق الجلاصي: فيلم “عطر امرأة” للمخرج مارتن بريست لما يحمله من طرح لفلسفة الحياة، ولعل أغلب الأفلام التي لعب فيها الممثل آل باتشينو تستهويني لما فيها من تفتيت عميق لجوانب الذات الإنسانية بتناقضاتها، وروعته في إتقان هذه الأدوار والحفر المعمق في التفاصيل الدقيقة للشخصية لتبدو مخلوقا حيا، سحرا إبداعيا، يجذبنا للتماهي معه وكأنها حياة إنسان في أعمق وأرق تجلياتها الداخلية إلى أعنف لحظاتها الداخلية كعاصفة شكسبير، وأحيانا تذبذبها بين هذا وذاك في الرجفة الإنسانية كهاملت “أكون أو لا أكون” لترقص على تلك الخيط الرقيق المرهف فينا.
■ العرب: ما الذي يطربك وما الذي يحزنك؟
مريم عتيق الجلاصي: يطربني الصدق في كل شيء، في العمل في العلاقات، في علاقة الإنسان بذاته على جميع المستويات إنسانية أو مهنية أو تاريخية، فالإنسان جملة من المواقف الصادقة. يبكيني الكذب والخداع والخيانة، والخذلان، نعم يمكن لدمعتي أن تسقط لما يسمى بأتفه الأسباب، وأشعر بمرارة في حلقي، ليس هناك سبب تافه، فمن التفاهة أن نتفّه ما يؤلمنا، فأنا لا أخجل من الدمع، “أخجل من دمع أمي” فقط لذلك لا أبكي أمامها.
■ العرب: ماذا يعني لك الحب؟
مريم عتيق الجلاصي: معنى الحب بالنسبة إليّ هو الحياة، الحب يلغي كل سؤال حوله يترصد به التفسير لأنه يفسر كل شيء، هو “نور قذفه الله في صدري”، ربما بإمكاننا الحديث عن نواميس الحب: الخوف على الآخر، احترامه، مساندته، تفهّمه، أن تكون له رفيقا وصديقا، أن تكون أقرب منه إليه… فالحب لا يعيش ولا يكبر إلا بالمواقف… وللحب إن كان حاضرا أو غائبا تأثيره على المبدع وتأثر آثاره بهذه العاطفة الإنسانية السامية.
■ العرب: هل تنامين بشكل جيد/ أم لا ولماذ؟
مريم عتيق الجلاصي: أنام بشكل جيد، ولا يتشوش نومي إلا إذا كان لي واجب يستدعي مني التقليل من ساعات نومي، لكن عندما أنام أذهب إلى السلام وأستمتع بالأحلام التي قليلا ونادرا جدا أن أتذكر حلما منها عندما أستيقظ، لكن ربما هي أحلام سعيدة ما دمت أستيقظ مرتاحة.
■ العرب: هل ستصيرين يوما ما تريدين؟
مريم عتيق الجلاصي: هل سأصير يوما ما أريد؟ سؤال الصبى. نعم صرت ما أريد ولي أحلامي الأخرى المبثوثة كالأمل.