المعارضة تختبر النظام المصري بعودة الإشراف القضائي على الانتخابات

يختبر طلب مجلس أمناء الحوار الوطني بمدّ الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات لما بعد 2024، ورفع مقترح تشريعي للرئاسة المصرية لإقراره برلمانيا، النظام المصري ومدى انفتاحه على مطالب المعارضة.
القاهرة – بدأ المشهد السياسي في الفضاء العام المصري يشهد حراكا جديدا على وقع الاستعداد لانتخابات الرئاسة المقرر إجراؤها منتصف العام المقبل، وتهيئة الأجواء لإجراء انتخابات نزيهة بإشراف قضائي كامل وفي إطار من التعددية والمنافسة.
وطالب مجلس أمناء الحوار الوطني بالإجماع، الأحد، بمدّ الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات لما بعد 2024، ورفع مقترح تشريعي للرئاسة المصرية لإقراره برلمانيا قبل انتهاء مدة الإشراف القضائي الكامل قانونا في السابع عشر من يناير المقبل.
وكان مجلس النواب المصري وافق في يوليو 2017 على إلغاء الإشراف القضائي على أن يحق للهيئة الوطنية للانتخابات المنظمة للاقتراعات بعد يناير 2024 انتداب من تراه مناسبا للإشراف من موظفي الدولة من المدنيين، وبينهم قضاة وليس جميعهم.
وقرر مجلس الأمناء بدء جلسات الحوار الوطني في الثالث من مايو المقبل، ومواصلة انعقاده لتوفيرالعناصر الإيجابية التي تضمن بدء الحوار عمليا واستمراره بنجاح.
وتعد هذه الخطوة أشبه باختبار لنوايا النظام المصري حيال الإشراف القضائي على الانتخابات، والذي هو مطلب رئيسي للمعارضة لمعرفة توجهاته في المرحلة القادمة.
وجاءت في وقت عادت فيه الاتهامات حول إبرام صفقات سياسية بين الحكومة وأحزاب المعارضة مع تلميح الرئيس السابق لحزب تيار الكرامة أحمد الطنطاوي بالترشح في انتخابات الرئاسة المقبلة، ورواج معلومات في وسائل إعلام إخوانية تعاملت مع الخطوة على أنها جزء من اتفاق سري بين النظام المصري وقوى مدنية سعيا وراء خلق صورة توحي بوجود منافسة في الانتخابات.
ونشر موقع إلكتروني محسوب على تنظيم الإخوان وممول من دولة قطر تقريرا عن قيام مدير المخابرات المصرية اللواء عباس كامل بعقد اجتماع مع ممثلين للحركة المدنية، التي تضم أحزابا وشخصيات عامة معارضة لبحث اختيار مرشحين لمنافسة الرئيس عبدالفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية منتصف العام المقبل.
ونفت الحركة هذه المعلومات أو عقد صفقة مع النظام، وقالت في بيان لها الجمعة “الخبر مفبرك وكاذب تماما في صحيفة معروف عنها انحيازها إلى الإخوان.. الحركة المدنية تضم قيادات وطنية معارضة ولا نعمل بطريقة الصفقات في الغرف المغلقة”.
واعتاد تنظيم الإخوان في مصر ترويج معلومات حول وجود تنسيق بين أحزاب مصرية وجهات حكومية، وتوظيف ضعف القوى المدنية في جذب قطاعات سياسية.
ويجري توسيع الهوة بين النظام المصري والحركة المدنية الديمقراطية بسبب التباين حول الحوار الوطني، بعد أن تراجع الحضور السياسي للجماعة التي تنتظر عودتها للحلبة من خلال الدخول على خط الترتيبات الجارية لانتخابات الرئاسة المقبلة.
وتروج جماعة الإخوان لفكرة التنسيق بين النظام الحاكم والحركة المدنية لضرب الحوار الوطني في مقتل والتقليل من أهميته، ودفع قيادات في الحركة نحو الانسحاب منه لتثبت نزاهتها وعدم رضوخها لضغوط السلطة أو عقد صفقات معها، ما يخدم الجماعة التي تعمل على ضرب أحزاب المعارضة المنخرطة في صفوف الحركة والتي تعتقد أنها الطرف الوحيد الذي يعارض السلطة بشكل حقيقي في مصر.
وتريد جماعة الإخوان من وراء وضع الحركة المدنية والسلطة في سلة واحدة إحياء الروابط السرية بين الجماعة والقوى المدنية في الداخل، التي ازدهرت في أواخر عهد الرئيس السابق حسني مبارك.
تبدو خطوة نور شكلية وهدفها إثارة المزيد من اللغط والارتباك في المشهد السياسي العام، حيث لا يمكنه الترشح في الانتخابات المقبلة لأسباب قانونية تحرمه من ذلك
وأكد نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي (معارض) إيهاب الخراط أن التفاوض الخفي بين تنظيم الإخوان ونظام الرئيس مبارك جعله يدرك أن جميع القوى السياسية لديها استعداد لتقبله، ما أوجد انطباعا بإمكانية ترويض الأحزاب.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن خلاف تنظيم الإخوان مع الحركة المدنية في أنها جزء من القوى التي تشكلت عقب ثورة الثلاثين من يونيو 2013، التي أطاحت بحكم جماعة تتجاهل حاليا مساعي الإصلاح الحقيقي الذي تبحث عنه الحركة دون الخروج على النظام العام، وأن الاتهامات التي يرددها محسوبون عليها الآن ترمي إلى الخصم من رصيد السلطة والحركة المدنية، بما يخدم الإخوان مستقبلا.
وأشار الخراط، الذي ينخرط حزبه في أنشطة الحركة المدنية بحكم عضويته فيها، إلى أن الحركة لم تحاور السلطة بشأن الانتخابات الرئاسية ولم تدخل في مفاوضات علنية أو خفية، لكن من الوارد في حال الاستجابة لمطالب الإفراج عن المحبوسين ودعم الحوار الوطني أن تكون هناك حوارات سياسية ومرشحون عن الحركة في الانتخابات، وهو أمر يصعب اعتباره من قبيل التفاوض أو المساومة، إذ يعبر عن موقف أحزاب الحركة المدنية من عملية التغيير والإصلاح السياسي الشامل.
وتجد أحزاب المعارضة نفسها في موقف صعب، لأن بعضها لم يقطع علاقته بشكل تام مع تنظيم الإخوان، وتخرج أصوات من داخل الحركة من حين إلى آخر تطالب بعودة قيادات الجماعة والإفراج عن معتقليها والسماح لهم بممارسة السياسة.
ولدى البعض من أعضاء الحركة المدنية رغبة في توظيف هذه الورقة للحصول على مكاسب سياسية كبيرة، غير أن هذا الاتجاه يضعها أمام انتقادات من قبل قوى حزبية تتبنى موقفا سلبيا حادا من الإخوان.
وتضغط جماعة الإخوان على أحزاب وقيادات الحركة المدنية بورقة التنسيق مع الحكومة لإحراجها أمام الرأي العام، وليس من المستبعد أن يكون وراء ذلك التذكير بأن لعبة التشويه التي تجيديها الجماعة يمكن تكرارها مستقبلا، وهنا تصبح المعارضة المدنية الطرف الأضعف في المعادلة إذا تمكن تنظيم الإخوان من ترتيب صفوفه.
وأكدت القيادية بحزب التجمع أمينة النقاش أن اتهامات الإخوان للحركة المدنية بالتفاوض مع السلطة والنفي السريع لذلك من جانب قيادات في الحركة أشبه بلعبة تبادل أدوار بين الطرفين، وأن من بين أهداف الحركة التي نشأت بعد انتخابات الرئاسة في العام 2018 فتح الطريق أمام الإخوان للعودة إلى الحياة السياسية.
وذكرت في تصريح لـ”العرب” أن حزب التجمع شارك في الاجتماعات التأسيسية للحركة المدنية وانسحب منها بعد أن كان برنامجها يقوم على السماح لكافة القوى السياسية بممارسة نشاطها السياسي، بما فيها تنظيم الإخوان، مضيفة “من يمكن وصفهم بالذراع اليسارية لتنظيم الإخوان لم يتعلموا من دروس التاريخ”.
ولفتت إلى أن قيادات الحركة المدنية تظهر أحيانا تعاطفا أو دفاعا عن تنظيم الإخوان، وبالتالي ليس هناك معنى لتقوم الجماعة بتشويه الحركة المدنية في وقت تبحث فيه جماعة الإخوان عن سبل مساندة تعيدها إلى الحياة السياسية.
وأعلن رئيس ما يسمى بـ”اتحاد القوى الوطنية المصرية” المعارض في الخارج أيمن نور الذي لديه صلات وثيقة بالإخوان، أنه يدرس الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وأنه سوف يحدد قراره في هذا الإطار خلال النصف الثاني من العام الجاري.
وتبدو خطوة نور شكلية وهدفها إثارة المزيد من اللغط والارتباك في المشهد السياسي العام، حيث لا يمكنه الترشح في الانتخابات المقبلة لأسباب قانونية تحرمه من ذلك.