تونس بخير.. "اتلهاو بهمومكم وأقيلونا"

تونس ليست على حافة الانهيار. هناك مصاعب اقتصادية قد تكون على نفس سوية الكثير من دول العالم أو أكثر أو أقل ولكن حتما هي ليست بالسوء الذي يحاول جوزيب بوريل إقناعنا به.
الخميس 2023/03/23
ما يحير بوريل وأتباعه هو صمود تونس كل هذا الوقت

هذا هو لسان حال الشارع التونسي ولسان حال الحكومة التونسية. لا حاجة بالممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية جوزيب بوريل لإرسال وفود إلى تونس للاطلاع على ما وصفه  بـ”الوضع الخطير للغاية”.

من سوء حظ بوريل أن الحيلة التي لجأ إليها للتغطية على الأسباب الحقيقة لمخاوفه لا تنطلي على التونسيين، وهنا لا أتحدث فقط عن الحكومة التونسية بل عن الشارع التونسي الذي رد برسالة مقتضبة “اتلهاو بهمومكم وأقيلونا”.

هموم الاتحاد الأوروبي ومخاوفه معروفة. أولها، وآخرها، الهجرة من دول الجنوب إلى أوروبا.

البكاء على الحريات الشخصية ما هو إلّا ذريعة للضغط على تونس للعب دور الشرطي لحماية الضفة الشمالية للمتوسط من تدفق المهاجرين.

◙ لو كان الوضع في تونس بالسوء الذي يصوره السيد بوريل وفريقه، لما قاومت تونس شروط صندوق النقد الدولي

الحريات الشخصية في تونس مصانة، والتوقيفات التي صدرت بحق عدد محدود من الأشخاص تمت بعد توجيه اتهامات واضحة لهم، ولا شيء يؤشّر إلى حرمانهم من حق الدفاع عن أنفسهم، ولم تسجل أيّ خروقات أو ممارسات لا إنسانية لانتزاع أقوالا منهم.

مثل هذه التوقيفات تحدث في دول الاتحاد الأوروبي، حتى مع مسؤولين كبار في الحكومة.

عدد الأحزاب في تونس لا يقل عن عدد الأحزاب في دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة، والنقابات العمالية في تونس أقوى وأكثر تجذرا من النقابات العمالية في دول الاتحاد الأوروبي، وجميعها (الأحزاب والنقابات) له الحق في إصدار مطبوعاته وبياناته، والدعوة إلى عقد الاجتماعات والتظاهرات، تماما مثلما هو الحال في الدول الأوروبية.

لا يحتاج بوريل إلى إرسال العسس لتقصّي حال الحريات الشخصية في تونس، كان الأجدر به أن يرسل عسسه إلى دول أخرى مطلة على المتوسط، تنتهك فيها الحريات السياسية والشخصية في وضح النهار.

هل لدى السيد بوريل من يتحدث العربية والفرنسية ليبحث له عن الآلاف من الرسائل التي ينشرها تونسيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي بأسماء صريحة، يوجهون فيها انتقادات للحكومة بعضها يعاقب علية القانون الأوروبي، ورغم ذلك لم يتم التعرّض لهم أو مساءلتهم.

وهل يصعب على مؤسسات الاتحاد الأوروبي الحصول على معلومات حول المراسلين العاملين لوكالات أنباء ومؤسسات إعلامية أجنبية تنشر تقارير تنتقد الحكومة التونسية دون أن يتعرض أيّ منها لأيّ نوع من المضايقات؟

بإمكان المتباكين في الاتحاد الأوروبي الطلب من مساعديهم متابعة برامج القنوات التلفزيونية في تونس للتأكد من أن حرية النقد في تونس مضمونة للجميع.

بالتأكيد، يعلم بوريل أن الحريات الشخصية في تونس مصانة. كانت مصانة في الماضي، وهي مصانة اليوم، ولا شيء يشير إلى أنها لن تكون مصانة مستقبلا.

◙ تونس والتونسيون بخير.. و”التصريحات التي تمّ الإدلاء بها غير متناسبة سواء بالنظر إلى القدرات الراسخة والمشهود بها عبر التاريخ للشعب التونسي على الصمود أو على تجاوز المصاعب

هل يجب أن نذكر بوريل بما قاله المفكر الفرنسي ميشال فوكو يوما عن بلد في العالم الثالث اسمه تونس: “لم يكن مايو 1968 بفرنسا هو ما غيّرني، بل أحداث مارس 1968 في بلد من العالم الثالث اسمه تونس”.

البلد الذي سبق أوروبا إلى إلغاء العبودية، لا يحتاج إلى من يلقي عليه المحاضرات حول حقوق الإنسان.

هذا عن الشق المتعلق بالتباكي على الحريات الشخصية. أما الشق المتعلق بالتباكي على الوضع الاقتصادي في تونس، فهو أكثر نفاقا ومراوغة.

تونس ليست على حافة الانهيار. هناك مصاعب اقتصادية، قد تكون على نفس سوية الكثير من دول العالم التي لم تحظ باهتمام بوريل، أو أكثر، أو أقل قليلا. ولكن حتما هي ليست بالسوء الذي يحاول إقناعنا به.

لو كان الوضع في تونس بالسوء الذي يصوره السيد بوريل وفريقه، لما قاومت تونس شروط صندوق النقد الدولي. ما يحير بوريل وأتباعه هو صمود تونس كل هذا الوقت.

في 23 أكتوبر – تشرين الأول 2019 استلم قيس سعيد مهامه رئيسا للجمهورية التونسية، وبعد ثلاثة أشهر بدأ الحديث عن فايروس كورونا، وما تسبب به من أزمة طالت اقتصاديات دول العالم معروف للجميع. وقبل أن يخفت الحديث عن الجائحة، جاء الغزو الروسي لأوكرانيا 24 فبراير – شباط 2022.

بالطبع لا داعي للحديث بالتفصيل عن الأزمة التي تسبب بها الغزو على صعيد الطاقة والغذاء والتي لم تستثن أحدا.

هذا ليس كل شيء، خلال السنوات الثلاث الماضية، عانى العالم من شح في الأمطار والجفاف، نالت تونس نصيبها منه، وأدى إلى أزمة في الأعلاف ونقص في المنتجات الزراعية.

نعم، هناك صعوبات اقتصادية تواجهها تونس، ولكن تونس ليست وحدها من يواجه الصعوبات، العالم جميعه يواجه صعوبات اقتصادية. ولكن، إضافة إلى ذلك تواجه تونس مخلفات 10 سنوات من الفوضى، وكان الاتحاد الأوروبي قد وعد تونس بالوقوف إلى جانبها.. وأخلف وعده.

◙ هموم الاتحاد الأوروبي ومخاوفه معروفة. أولها، وآخرها، الهجرة من دول الجنوب إلى أوروبا

رغم ذلك، عندما تحدث الرئيس قيس سعيد عن المهاجرين الأفارقة وما يشكّلونه من عبء اقتصادي إضافي على البلاد قامت قائمة الدول الأوروبية ولم تقعد.

رد الحكومة التونسية على تصريح بوريل جاء مختصرا وواضحا وفي الصميم. نوّه الرد بذكاء إلى التزامن بين التصريح (20 مارس 2023) وعيد استقلال تونس والعيد السنوي للفرانكفونية، وذكر بأن تونس عضو مؤسس للمنظمة والرئيس الحالي لها.

وعاب الرد على التصريحات انتقائيتها وتجاهلها لأيّ مسؤولية عن الوضع الذي ساد في تونس منذ عام 2011 وإلى غاية 25 يوليو – تموز 2021. وكذلك ما تعلق بالتهديد الذي تمثله الهجرة من دول الجنوب إلى أوروبا.

هذه الحقائق التي يدركها التونسي العادي، هل يمكن أن تغيب عن السيد بوريل وأتباعه في الاتحاد الأوروبي؟ بالتأكيد لا.

تونس والتونسيون بخير.. و”التصريحات التي تمّ الإدلاء بها غير متناسبة سواء بالنظر إلى القدرات الراسخة والمشهود بها عبر التاريخ للشعب التونسي على الصمود أو على تجاوز المصاعب”.

إن احتاج الأمر إلى شد الأحزمة، لن يتردد التونسيون عن فعل ذلك.. رجاء، رجاء.. “اتلهاو بهمومكم وأقيلونا”.

8