مبادرة مصرية لتسويق المناطق السياحية عبر السينما

تدرك الحكومة المصرية أهمية الجانب التاريخي والآثار الكبيرة التي تتمتع بها البلاد، كما تعي جيدا أهمية السينما كقوة ناعمة بإمكانها تعزيز سياساتها، لذلك تعمل الآن على الترويج للسياحة عبر أفلام سينمائية لا تزال محدودة الإنتاج بسبب ضعف التمويل.
القاهرة- تسعى وزارة الثقافة المصرية لإعادة إحياء مبادرة “ابدأ حلمك.. السينما بين إيديك” التي أطلقتها منذ فترة لنشر الوعي السينمائي في الأقاليم المختلفة عبر تطوير أدواتها وإنتاج أفلام تسجيلية تسوّق للمعالم السياحية في المناطق التي تتواجد فيها المبادرة وتنظم فيها معسكرات سينمائية وأنشطة ثقافية وفنية عديدة.
وتخطط الحكومة المصرية حاليا لإنتاج أفلام تسجيلية عن كافة المناطق السياحية وتسويقها. وانتهت المبادرة بالفعل من إنتاج أربعة أفلام حملت أسماء مناطق شهيرة يرتادها السياح، هي: فيلم “وادي الريان” وهو أحد المعالم السياحية في محافظة الفيوم (جنوب غرب القاهرة)، وفيلم “التجلي” الذي يسلط الضوء على مناطق سياحية في مدينة دهب بجنوب سيناء، وفيلم “صباح الخير يا سيوة” بمدينة سيوة في الصحراء الغربية، وفيلم “طابا ونويبع” وهي أسماء مدن ومنتجعات سياحية بجنوب سيناء.
وتأتي هذه الأعمال في وقت وضعت فيه الحكومة المصرية الكثير من العراقيل لتصوير أفلام ومسلسلات عالمية في الأماكن السياحية والشوارع، ما جعلها تلجأ إلى الديكورات في التصوير كبديل عن المعالم المصرية الحقيقية.
وتقيم المبادرة التي تشرف عليها وزارة الثقافة معسكراتها بشكل ربع سنوي، وسوف تنتهي في الأيام المقبلة من إنتاج فيلم “أبوسمبل” ويروج للمناطق الأثرية في محافظة أسوان (جنوب مصر).
وتتضمن المبادرة مجالات عديدة للفنون السينمائية، مثل السيناريو والإخراج والمونتاج والتصوير، ويشارك فيها متفوقون من خريجي الدراسات الحرة بقصر السينما وتستهدف نشر الثقافة عبر دورات دراسية وورش عمل بالتعاون مع أساتذة من المعهد العالي للسينما وكبار المتخصصين في المجال السينمائي.
وصاحبت المبادرة حالة من الزخم مستفيدة من تحرك جهات حكومية ذات ارتباط بملف الثقافة والفنون بمصر نحو نشر ثقافة السينما ومواجهة التردي الذي أصاب القطاع في الوقت الحالي، ما ينعكس إيجابًا على حجم المبادرات والمسابقات التي تدشنها وزارتا الثقافة والشباب والرياضة بجانب جمعيات أهلية أخرى لديها اهتمامات بمجال الفنون.
وقال الناقد الفني سمير الجمل وهو أحد المشاركين في المبادرة، إن أهدافها تتركز على نشر الوعي السينمائي في محافظات مختلفة وعقد عشرات من الدورات المجانية للطلاب والمهتمين بمجالات الفنون بمشاركة فاعلة من أستاذة السينما والمسرح في السيناريو والتصوير والمونتاج وغيرها من المجالات المتعلقة بالفن، وأن التفاعل مع الطلاب والمهتمين تنتج عنه استفادة قصوى في التدريب واكتشاف المواهب.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن نشاط المبادرة يتجه نحو تغذية العقل النقدي لدى المتدربين بعرض أفلام عديدة ومشاركة المتدربين في الهدف الفني من الفيلم وإقامة حلقات نقاشية حوله، وتحقيق أهداف الربط الثقافي بين أبناء المحافظات، وأبرز معالمها السياحية والثقافية وإنتاج أفلام بأدوات بسيطة أغلبها يكون بالموبايل.
◙ إنقاذ السينما يحتاج إلى خطوات أبرزها تغيير الثقافة الجماهيرية وتشجيع المواهب المدفونة في المحافظات النائية
وحققت المبادرة جذبا كبيرا لقطاعات واسعة من المواطنين، حيث تشارك في المعسكرات التي تنظم كل ثلاثة أشهر فئات عمرية تبدأ من سن 16 وحتى 70 عاما في بعض الأحيان، وأن إمكانيات قصور الثقافة التي تضم عددا من المسارح وقاعات العرض السينمائي تسهم في نجاح المبادرة.
ويقوم تركيز الجهات الحكومية على أساس تدريب المواطنين على إنتاج أفلام سينمائية قصيرة وتسجيلية بأسعار زهيدة في التكاليف وتوظيفها في الترويج السياحي.
وتواجه المبادرات الحكومية أزمات تتعلق بضعف التمويل، وقد يتحقق المرجو منها لأنها تعتمد على عقد الندوات والورش التدريبية دون أن تنتقل إلى مرحلة التطبيق الفعلي الذي يسمح بتخريج أجيال جديدة، خاصة إذا ارتبط الأمر بمجال السينما، عكس المبادرات المرتبطة باكتشاف المواهب المسرحية التي برزت الآن على الساحة.
وتحتاج عملية إنقاذ السينما إلى خطوات عديدة، أبرزها تغيير الثقافة الجماهيرية وتشجيع المواهب المدفونة في الأقاليم والمحافظات النائية على تقديم أنشطة سينمائية يمكن عرضها في نطاقها المحلي، وهذا النوع من الإنتاج بحاجة إلى موارد حكومية تشجع على تقديمها والتوسع فيها وتجهيز أماكن عرضها وتوفير دور العرض التي لا وجود لها في عدد من المحافظات.
ويشكل توظيف المبادرة في التسويق السياحي تطورا مهما، وفي الوقت ذاته لا بد من الفصل بين الأفلام التي يتم إنتاجها للتسويق السياحي والتي توجه للجمهور في الخارج، وبين الأفلام البدائية المقدمة عبر مبادرة “ابدأ حلمك.. السينما بين إيديك”، وتكون بمثابة مشروعات تدريبية يمكن الاستفادة بها من خلال عرضها محليًا على الجمهور المصري في أماكن متباينة.
وشدد الجمل على أن تحقيق أهداف المبادرة يتعلق بمدى قدرة الجهات الحكومية القائمة عليها في إحداث ربط بين المواهب التي تشارك في تقديم أفلام الترويج السياحي والجهات الإنتاجية التي تساعد على تقديم هذه المواهب، وتدعم مسألة تطوير المحتوى الذي يقدم، ويمكن إنتاج أفلام تخدم فكرة الترويج.
ويتمثل الهدف الثاني للمبادرة في تصوير معالم مصر السياحية المتعددة، وأشهر ما يميزها لأجل جلب السياح لزيارتها والتمتع بها وعرضها أمام الجمهور في دور “سينما الشعب” داخل قصور الثقافة.
ويعاني قطاع السينما في مصر من أزمة عزوف قطاعات كبيرة عن مشاهدة الأفلام القليلة المعروضة على مدار العام، وتحاول جهات حكومية إحياء دور الفنون وفقًا لما يتوافر لديها من إمكانيات، بالتالي يكون الطريق الأسهل عبر دعم مبادرات تدريب الشباب وتعريفهم بإنتاج السينما.
وتدور في إطار ضيق يقتصر على المبادرات المجانية أو توجيه جزء من دعم وزارة الثقافة للمهرجانات الثقافية لعملية اكتشاف المواهب وتقديم الدعم لأفكار مشروعات إنتاج الأفلام التي يشارك فيها أبناء المحافظات المقامة عليها تلك المهرجانات.
وأكدت المخرجة نور قرشي أن وزارة الثقافة بحاجة إلى رعاية مشروع استكشافي كبير للمواهب في المحافظات المصرية، وأن الفترة الحالية تستوعب الطاقات الشبابية في ظل الانفتاح العربي على الإنتاج السينمائي، وهو أمر يجب أن يكون محل اهتمام جهات حكومية مصرية معها إمكانيات بشرية قادرة على تطوير قطاع السينما.
وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن الحالة الفنية في مصر بحاجة إلى انتشار أوسع للسينما المستقلة بما يسمح بالتعبير عن الأفكار التي يحملها الشباب، وأن نجاح التجربة الدرامية الشبابية في مسلسل “بالطو” من المفترض أن يشجع على إتاحة المجال أمام مزيد من الأفكار للانطلاق بعيداً عن تقييدها في إطار بعينه.
وأشارت إلى أن النجاح الأبرز الذي تحققه مبادرة “ابدأ حلمك” يتمثل في التدريب وتطوير المهارات وإثراء النقاش في مناطق مختلفة وتوسيع مدارك الشباب هناك، كما أن الاهتمام بإنتاج أفلام ذات جودة مرتفعة لدعم السياحة ربما يحدث أثراً إيجابيًا إذا أُتيحت الفرصة لمشاركتها في مهرجانات دولية ويمكن أن تجوب العالم.

◙ تحرك لاكتشاف المواهب