أن ننتصر لتونس ظالمة ومظلومة

كل الحروب على الأرض سبقتها حملات إعلامية، وكل الانتصارات ساهمت في تحقيقها حروب إعلامية. الأسلحة والجيوش دون إعلام مساند نمر منزوع الأنياب.
الغرب فتت الاتحاد السوفييتي إعلاميا، لم تكن هناك حاجة إلى إطلاق رصاصة واحدة. واليوم يواجه الغزو الروسي لأوكرانيا بحرب إعلامية.
وهل يمكن أن ننسى الغزو الأميركي للعراق وما سبقه ورافقه من حملات إعلامية مضللة؟ ولم يخل الربيع العربي أيضا من حملات إعلامية، بل يمكن القول إن الحملات الإعلامية سبقت ومهدت ورافقت الأحداث.
في عام 1841 استخدم الكاتب الأسكتلندي توماس كارليل مصطلح “السلطة الرابعة” مقتبسا عبارة للمفكر الأيرلندي إدموند بيرك، أشار فيها إلى الطبقات الاجتماعية الثلاث، رجال الدين والنبلاء والعوام (عموم الشعب)، قائلا إن الصحافيين هم السلطة الرابعة.
اليوم، في حمى مواقع التواصل الاجتماعي، اعتقدنا أن الصحافة فقدت سطوتها، وأن بمقدور أيّ هاو أن ينشر أخبارا، حقيقية كانت أم مزيفة، وأن الإعلام المحترف غدا نمرا من ورق. إلا أن الأزمات تأتي لتثبت أن هذه السلطة باقية، بل وتستمد قوتها واستمراريتها من فوضى المنصات الاجتماعية، وهو ما حدث مؤخرا في تونس التي تواجه اتهامات باطلة بالعنصرية تقودها جهات خارجية وداخلية في حرب إعلامية لا يمكن كسبها إلا بحرب إعلامية مضادة.
◙ حكومة قيس سعيد من جانبها مطالبة بحماية مئات الصحافيين التونسيين المشهود لهم بالكفاءة، خاصة المتخرجين حديثا، والذين إن تم تجاهل أوضاعهم اتجهوا إلى دول أجنبية
الرئيس التونسي قيس سعيد، الذي استهدفته الحملة شخصيا، أعاد من خلال زيارة قام بها إلى دار لابراس، رغم انشغالاته، توجيه الأنظار إلى السلطة الرابعة، في خطوة يؤمل منها أن تساهم في إنهاء متاعب الصحافة، وتعيد للعاملين في هذا القطاع مكانتهم إن لم نقل أنيابهم.
وينظر إلى دار لابراس، التي أسسها هنري سمادجة عام 1936 (أصبحت صحيفة عامة عام 1956) وتعززت بنسخة عربية رديفة لها عام 1988، على أنها هرم الصحافة في تونس.
ما كشفت عنه الأزمة بجلاء أنه لا يكفي أن تكون على حق لكسب الرأي العام. لتكسب المعركة يجب أن تنجح في تسويق الصورة، ولتنجح في تسويق الصورة يجب أن تتوقف عن لعب دور المسيح، وتؤمن أن الغاية تبرر الوسيلة.
الغاية اليوم هي وقف حملات تضليل ظالمة تستهدف ليس فقط الرئيس التونسي شخصيا، بل تستهدف تونس كلها.
أن تأتي متأخرا خير من ألاّ تأتي أبدا. وزيارة الرئيس قيس سعيد إلى دار لابراس وإن جاءت متأخرة، تحمل بعدين؛ الأول رسالة عتب ولوم، يقول فيها أنا عاتب عليكم سوء التصرف، وواحد من مظاهر سوء الإدارة هذه هو مغادرتكم المقر الأصلي، وانتقالكم إلى مبنى جديد بكلفة مالية مرهقة. وعاتب عليكم ثانيا، تسويق مواقف مسيئة لصورة تونس بذريعة الدفاع عن الديمقراطية.
هناك خط أحمر يجب عدم تجاوزه، ولم يحدث أن تجاوزه الإعلام في العالم، هو مصلحة البلد. نختلف فيما بيننا، لكن نجتمع دائما في الدفاع عن مصالح البلد الاقتصادية والأمنية.
الأزمة الأخيرة كشفت عن حاجة تونس الملحة إلى إعلام قوي يدافع عن قضايا تونس، ولا يرتمي بحضن الأجنبي. ويحسب للرئيس قيس سعيد مبادرته وانتقاله شخصيا إلى دار لابراس لتصويب الأمور وإنقاذ مؤسسة رمز طالما سوقت صورة إيجابية لتونس والتونسيين
منذ اليوم الأول لانطلاقتها لم تتوقف دار لابراس عن نصرة تونس ظالمة ومظلومة. هذا ما تفعله هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) منذ مائة عام (تأسست في 18 أكتوبر عام 1922)، وهذا ما تفعله الإذاعة الألمانية (دوتشي فيليه) منذ عام 1953، وهذا ما تفعله مئات إن لم تكن آلاف المؤسسات الإعلامية الخاصة والعامة عبر العالم. وهذا ما يجب أن يفعله الإعلام التونسي؛ أن ينصر تونس ظالمة ومظلومة.
قيس سعيد أكد أنه لن يقبل “التفريط في المؤسسات الصحفية التي تمثل جزءا من تاريخ تونس”. ودار لابراس هي جزء من هذا التاريخ. ليس هذا فقط، بل إن صحيفة “الصباح” الخاصة هي الأخرى جزء من هذا التاريخ.
وتواجه المؤسسات الإعلامية التونسية متاعب مالية جمة، بعد توقف الإعلانات عنها؛ فصحيفة لابراس الناطقة بالفرنسية، وجريدة “الصحافة” الناطقة بالعربية، في وضع تعجز فيه اليوم عن دفع رواتب العاملين.
لا تعجز الدول، الديمقراطية منها والدكتاتورية، عن إيجاد حلول لدعم المؤسسات الإعلامية في بلدانها بطرق مختلفة، خاصة وهي ترى في تلك المؤسسات جزءا من أمنها الاقتصادي وأمنها العسكري.
◙ الرئيس التونسي قيس سعيد أعاد من خلال زيارة قام بها إلى دار لابراس توجيه الأنظار إلى السلطة الرابعة، في خطوة يؤمل منها أن تساهم في إنهاء متاعب الصحافة
عندما تصفو النوايا هناك دائما حلول سهلة للمتاعب المالية.. إحدى هذه الحلول تخصيص ميزانية من أموال الضرائب. حل آخر أن يفرض على الشركات الخاصة نشر إعلانات في الإعلام المحلي، مقابل تسهيلات تمنح لهذه الشركات. وبالطبع لن تعدم المؤسسات الإعلامية عن إيجاد طرق خاصة بها للحصول على عوائد مالية، حتى وإن لم تكن تكفي لتغطية نفقاتها.
ليس المطلوب من العاملين بالحقل الإعلامي الدفاع عن سياسات الحكومة حتى وإن كانت منتخبة، ولكن المطلوب منهم التمييز بين مصالح الحكومة ومصالح البلد وعدم الانسياق، باسم الديمقراطية والموضوعية، وراء أيّ حملة تهدف إلى الإساءة لبلدهم.
تونس في وضع صعب، لأسباب داخلية وخارجية يعلمها الجميع، وآخر ما تحتاج إليه ترويج الشائعات.
حكومة قيس سعيد من جانبها مطالبة بحماية مئات الصحافيين التونسيين المشهود لهم بالكفاءة، خاصة المتخرجين حديثا، والذين إن تم تجاهل أوضاعهم اتجهوا إلى دول أجنبية قد تستخدم مهاراتهم في نشر معلومات مضللة تسيء لبلدهم الأم.
عندما تحدث كارليل ومن قبله بيرك عن “السلطة الرابعة” ذكرا طبقات اجتماعية ثلاث، رجال الدين والنبلاء والعوام. لم يضيفا إلى هذه السلطات الجيش والأمن الداخلي، بل أضافا الصحافة، بوصفها سلطة رابعة، على صلاحها يقف صلاح الدولة ومناعتها.
لقد أثبت الإعلام أنه سلاح لا يقل أهمية عن العتاد العسكري وأجهزة الأمن الداخلي، التفريط به تفريط بالبلاد وأمنها.