معارضة تحتفي بأيّ شيء ضد تونس

أبورغال شخصية عربية كان لها وجود مادي في التاريخ القديم، ويوصف بها كل من تعامل مع العدو، ذلك أن هذا الرجل كان قد تعامل مع جيش أبرهة الأشرم ودلّه على طريق الكعبة بقصد تدميرها مقابل مبلغ من المال، في الوقت الذي امتنع فيه الآخرون عن ذلك مهما كانت الإغراءات ومهما بلغت الخصومة مع قريش.
يصحّ اليوم، استدعاء هذه المقاربة من التاريخ القديم أمام ما أقدمت عليه بعض الوجوه المحسوبة على المعارضة في تونس من محاولة تأليب الرأي العام المحلي والدولي ضد الحكومة عبر الاحتفاء بالتقارير السلبية عن تونس (خاصة تعليق التعاون مع البنك الدولي) والترويج لها كمكاسب في معركتها مع الرئيس قيس سعيد.
ومهما كانت حجة خصوم سعيد، في أن البلاد تمر بوضع لا تحسد عليه، فإن تجيير هذه الظروف واستغلالها لصالح قوى أجنبية متربصة لها جيوبها في الداخل، لهو أمر غير مقبول بل ويرتقي إلى درجة الخيانة الموصوفة.
ليس هذا من قبيل الاصطفاف مع الرئيس التونسي والتحزب لآرائه، فالرجل قد يخطئ ويصيب، وما دور المعارضة في الديمقراطيات السائدة إلا النقد بقصد التقويم وتقديم البدائل، أما الاستقواء بالأجنبي لأجل النسف والتدمير، فلا يمكن قبوله.
◙ وما موجة التوقيفات والتحقيق مع بعض الأسماء في الأيام الأخيرة إلا سير واضح وحثيث في طريق الإصلاح وتتبع رموز الفساد
كأن هؤلاء المتباكين على حريات التعبير في تونس والمحذرين من تحطيم المؤسسات الدستورية، لم يتعلموا من أبسط أبجديات الديمقراطيات الغربية، ألاّ تستقوي المعارضة بقوى خارجية، لا بل ألاّ يصرّح أحد رجالاتها مجرد تصريح ضد خصومه وهو خارج البلاد كما حدث مع أحد السياسيين الفرنسيين مع الصحافة وهو في زيارة إلى تونس.
أما كان الأجدر أخذ العبرة من هذا الموقف بالنسبة إلى مثيري الجعجعة وقادة التجييش من المعارضة التونسية في باريس وغيرها من العواصم الأوروبية؟
البلاد في حالة حرب حقيقية مع الفساد ورموزه المتسللة إلى كافة المؤسسات، بالإضافة إلى ما تعانيه من انعكاسات وارتدادات لأزمة عالمية، وسط إمكانيات وثروات طبيعية محدودة ثم يأتي من يريد أن يجهز عليها ويسمّي ذلك فعلا وطنيا.
كيف يستقيم الظل والعود أعوج، وكيف نصف ما تقدم عليه بعض القوى المرتهنة إلى الخارج بـ”جبهة إنقاذ”؟ هل ننقذ البلاد من أبنائها البررة الذين يقاومون جيوب العمالة ورموز الفساد؟
قل لي من يعارضك أقل لك من أنت.. حكم يمكن تصديقه بالمطلق، والنظر إلى المشهد السياسي التونسي من خلاله، ذلك أن جميع أو غالبية الذين يقفون في مواجهة الرئيس قيس سعيد، وحكومة نجلاء بودن، هم من الذين تورّطوا خلال العشرية الماضية في سياسات مرتبكة وغير رشيدة.
هذا قيادي نقابي يلوم الحكومة ويحمّلها مسؤولية تعليق التعاون مع البنك الدولي، ولا يلوم تعنت نقابته في كتلة الرواتب وغيرها من القضايا العالقة في مفاوضات الحكومة مع الجهات المانحة.
وذاك “زعيم” جثم على صدر البرلمان والحكومة عشرية كاملة أفرغت خلالها خزائن الدولة واستشرت المحسوبيات.
وآخر تميز بالهوجاء والرعونة وسوء التدبير فانفضّ عنه أعضاء حزبه وتركوه قائما يبيع الأوهام ويحارب طواحين الهواء ظانا نفسه زعيما وطنيا.
هؤلاء هم أغلب معارضي قيس سعيد، بالإضافة إلى بعض من يقدّمون أنفسهم كنشطاء حقوقيين، وهم في غالبيتهم، إما مضللون أو من المنتفعين والمنفذين لأجندات خارجية.
وفي هذا المضمار، لا يمكن طبعا، أن نظلم أصوات وطنية تعارض سياسة الحكومة، ولها مآخذ ينصت إليها وتُحترم فيما يخص بعض القرارات والإجراءات.
المشكلة لدى المعارضة التونسية هي “التباكي على الحليب المسفوح”، إذ أن من تسبب في الأزمة بشكل أو بآخر، هو الآن في موقع المنتقد والمتذمر.
◙ مهما كانت حجة خصوم سعيد، في أن البلاد تمر بوضع لا تحسد عليه، فإن تجيير هذه الظروف واستغلالها لصالح قوى أجنبية متربصة لها جيوبها في الداخل، لهو أمر غير مقبول
وما موجة التوقيفات والتحقيق مع بعض الأسماء في الأيام الأخيرة إلا سير واضح وحثيث في طريق الإصلاح وتتبع رموز الفساد، فمن أثبتت براءته عاد إلى بيته، ولا ينبغي أن يفهم الأمر انتهاكا للحريات التي هي مصانة والحق يقال، بدليل أن التونسيين جميعا، يتكلمون بمنتهى الطلاقة وينتقدون الحكومة على كل زلة.
أما عن موضوع المهاجرين من أفارقة جنوب الصحراء الذي قامت الدنيا بسببه ولم تقعد، ونال فيه التونسيون نصيبهم من الظلم حتى في تحكيم كرة القدم، فإن الأمور أمست واضحة وضوح الشمس، وانقشعت سحابة الغبار بعد الإجراءات التي اتخذت وكانت في صالح المهاجرين الأفارقة.
اتهم قيس سعيد، بالعنصرية بعد تصريح يؤكد فيه الحرص على الأمن والسلام الأهلي.
أخرج التصريح من سياقه وتلقفه بعض رموز المعارضة لتستغله ضد الرئيس وتنضم إلى جوقة المنددين في الخارج، لكن الدر عاد إلى معدنه وزهق الباطل والتظلم.
بعد كل هذه المطبات التي مرت بها قاطرة الإصلاح في تونس، وكانت معظمها من صنع من سمّوا أنفسهم بـ”جبهة الإنقاذ” أو ممن زادوا من حدتها، يُطرح سؤال جوهري في تونس وهو: ما مفهوم المعارضة في بلد مثل تونس، وما قيمة الحريات أمام تحديات اقتصادية ومعيشية في ظل أزمة عالمية؟
أغلب الظن أن تونس قد تعرضت إلى ظلم أبنائها من المحسوبين على المعارضة، بالقدر الذي تعرضت فيه إلى ظلم قوى خارجية، وقد تحالف عليها الطرفان، لكن غالبية التونسيين واثقون أن بلادهم تمشي في الطريق الصحيح، وأن لا “أبورغال” بعد اليوم.