رئيس النقابات الروسية لـ"العرب": نهتم بتطوير العلاقات مع الحكومات والشعوب العربية

الدبلوماسية الشعبية وسيلة روسيا لتحسين صورتها في العالم.
الأربعاء 2023/02/22
تواصل مباشر بعيدا عن البروتوكولات السياسية

“اتحاد الشعوب الأوروآسيوي” منظمة تستخدمها روسيا لتفعيل الدبلوماسية الشعبية للتقرب من الدول العربية ومنافسة الغرب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث زار وفد من الاتحاد مؤخرا مصر ويستعد لزيارة سوريا والبحرين.

القاهرة - تتطلع موسكو إلى تعزيز نفوذها في المنطقة العربية، وتسعى للتغلب على الاتهامات المُوجّهة لها بالتسبب في تفاقم أزمات الغذاء والطاقة في العالم بعد إشعال حرب غير مبررة مع أوكرانيا، كما تسعى للتخفيف من وطأة العقوبات التي فرضت عليها من جانب الاتحاد الأوروبي عبر بناء شراكات إستراتيجية مع دول عدة، في مقدمتها الدول العربية، وانتهاج سبل مختلفة لتقوية الروابط المشتركة من خلال استخدام القوى الناعمة والدبلوماسية الشعبية للتقارب مع الشعوب العربية.

وزار وفد روسي تحت لافتة “اتحاد الشعوب الأوروآسيوي” القاهرة قبل أيام، وهي منظمة غير حكومية يرأسها أندريه بليانينوف رئيس اتحاد النقابات في روسيا، ومعروف بأنه من الدائرة المقربة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وشغل من قبل منصب رئيس الجمارك الروسية.

وبدت الزيارة للاستكشاف والتعارف والاقتراب من الأوضاع في مصر وبناء الجسور لمزيد من التعاون بين الجانبين، حيث ضم الوفد شخصيات رفيعة في روسيا ودول الاتحاد الأوروآسيوي، بينهم أكاديميون ورؤساء جامعات وكُتاب ومثقفون وأعضاء في مجلس النواب الروسي (الدوما).

وضم الوفد أيضا بطل العالم السابق في الشطرنج والبرلماني أناتولي كاربوف، وهو عضو في الدوما، ويشغل منصب نائب الأمين العام للاتحاد الأوروآسيوي.

وكان من بين أعضاء الوفد الروسي سفيرة اليونسكو للنوايا الحسنة ألكسندرا أوتشيروفا، ونائب رئيس وزراء جمهورية القرم ومندوبها الدائم لدى الرئيس الروسي جورجي مرادوف ويشغل منصب رئيس تمثيل الاتحاد الآوروآسيوي في القرم، ورئيس جمعية الدبلوماسيين الروس إيغور خاليفينسكي.

وقال السكرتير العام لـ”اتحاد الشعوب الأوروآسيوي” أندريه بليانينوف لـ”لعرب” إن الاتحاد عقد عددا من اللقاءات مع مسؤولين في مؤسسات وجامعات ونقابات مصرية، بينها جامعة الأزهر وأكاديمية السادات ونقابتي المهندسين والأطباء، وتنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، وبعض أعضاء البرلمان المصري.

تعزيز العلاقات المشتركة

روسلان لسافيك: أوروبا تعمل على تفريق العالم بدل الاهتمام بالقواسم المشتركة
روسلان لسافيك: أوروبا تعمل على تفريق العالم بدل الاهتمام بالقواسم المشتركة

أكد بليانينوف أن الاتحاد الأوروآسيوي يعمل على فتح آفاق جديدة لتعزيز العلاقات الودية والشراكة في مصر، ويدرك أن ثمة الكثير من التواصل بين القاهرة وموسكو، وتستهدف الزيارة ترسيخ التعاون في كثير من المجالات الحيوية.

والهدف الرئيسي للاتحاد الأوروآسيوي هو تشكيل نموذج تكامل عام للشراكة الأوروبية – الآسيوية ولشعوب الدول التي تقع في وسط آسيا وشمالها وفي أوروبا الشرقية، وكانت ضمن دول الاتحاد السوفييتي سابقا، على أساس المبادئ الروحية والأخلاقية وإرساء مبادئ السلام والوئام عبر تطوير التعاون متعدد الأطراف.

وخلال زيارة الوفد إلى مصر تم افتتاح المكتب التمثيلي للاتحاد الأوروآسيوي بالقاهرة، ويسهم هذا التمثيل في تطوير العلاقات في المجالات العلمية والثقافية والإنسانية والاقتصادية والتعليمية.

وتوطدت العلاقات مؤخرا بين روسيا والعديد من الدول العربية، في الوقت التي توترت فيه العلاقات مع الولايات المتحدة، ونجح الجانبان في التوصل إلى تفاهمات متعددة توحي أن المستقبل يمكن أن يشهد المزيد من التعاون المشترك.

وزار الوفد الروسي المملكة الأردنية في سبتمبر الماضي وعقد لقاءات مع مسؤولين في مؤسسات تعليمية وثقافية متباينة، وتم افتتاح مقر للمنظمة في العاصمة عمّان.

وحول محطتهم المقبلة أوضح بليانينوف أنهم يطمحون إلى زيارة سوريا والبحرين، ويعتزمون تعزيز العلاقات مع الدول العربية في مجالات عدة.

وجاء قرار اعتماد روسيا للجنيه المصري وإدراجه ضمن العملات التي يتم تحديد سعر صرفها أمام الروبل الروسي ليعزز العلاقات مع القاهرة، وحظيت الخطوة بتقدير بالغ من الجانب المصري.

نقلة نوعية في العلاقات

أعضاء الوفد ابتعدوا عن التطرق لأي ملف سياسي، وحرصوا على الحديث في مجالات التعاون الثقافي والنقابي والتعليمي

أشار بليانينوف إلى أهمية التعاون في مجالي الأمن الغذائي والأسمدة، وأن بلاده اختارت أن تكون مصر الوجهة السياحية الأولى للمواطنين الروس.

ومن بين الأنشطة التي عقدها الاتحاد الأوروآسيوي في مصر الاجتماع مع ملتقى رجال الأعمال الذي ناقش آفاق التعاون التجاري في منطقة أوراسيا، وتضمن نقاشات حول سبل التعاون الاقتصادي والخدمات اللوجستية والتنمية المستدامة لصناعة السياحة، وثمة فرصة سانحة لتطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين في شتى المجالات.

وقال كوروليف ستانيسلاف نائب رئيس اتحاد الشعوب الأوروآسيوي وعضو الغرفة التجارية في روسيا لـ”العرب” إن الحوار الذي أجري في القاهرة سوف يدعم اتساع حجم العلاقات والتعاون بين الأطراف المختلفة في الدول الأوروآسيوية “ونتمنى أن ينتقل الحوار إلى مرحلة التعاقدات التجارية والمشروعات المشتركة التي نستهدفها جميعا، وأنا على يقين أن النجاح حليفنا”.

وعن الأهداف المبتغاة وشكل التعاون الاقتصادي المُنتظر، صرح قائلا “لا نستهدف التعاون مع مصر فقط، والوفد لا يضم شخصيات من روسيا وحدها، بل يضم أشخاصا من نحو 40 جنسية مختلفة، فالاتحاد الأوروآسيوي من أكبر المنظمات، ويضم في عضويته أكثر من 52 دولة، ومجالات التعاون متنوعة”.

ويتولى ستانيسلاف ملف الدول الإسلامية في الاتحاد الأوروآسيوي، وأحد أهدافه تدعيم علاقات التعاون بين الدول العربية ودول الاتحاد.

وتم على هامش الملتقى عقد جلسة خاصة بأوضاع السياحة، وكشف نائب الرئيس الاتحاد الأوروآسيوي أن موسكو عازمة على عودة السياحة الروسية إلى سابق عهدها في مصر، وهي واحدة من المهام التي سيعمل عليها الفترة المقبلة.

ويبدو أن الحرب الروسية – الأوكرانية التي وضعت موسكو في شبه عزلة عن العالم قد دفعت الاتحاد الأوروآسيوي إلى الاتجاه للتعاون مع دول أخرى بعيدا عن أوروبا، وبناء جسر شعبي في العلاقات بعيدا عن العلاقات الرسمية.

روسيا تربطها علاقات وثيقة مع مصر، بينها المفاعل النووي الجديد فى منطقة الضبعة شمال غرب مصر

وفي هذه الصدد سألت “العرب” بليانينوف بشكل مباشر: هل هذا ما يدفعكم إلى مزيد من التقارب مع الدول العربية؟ فاكتفى بالقول إن سيرة الحرب تؤلمه وتوجع قلبه، في المقابل رفض التطرق لأي شق سياسي يخص هذه الحرب، فالوفد الشعبي بدا مترفعا عن التطرق لقضايا سياسية ونأى أعضاؤه عن الحديث حولها.

ولوحظ أن أعضاء الوفد ابتعدوا عن التطرق لأي ملف سياسي، وحرصوا على الحديث في مجالات التعاون على المستوى الثقافي والتجاري والنقابي والتعليمي، وتطوير التعاون الاقتصادي، فالاتحاد يمارس الدبلوماسية الشعبية لدعم العلاقات الدولية لروسيا وحلفائها في دول الاتحاد الأوروآسيوي بعيدا عن تعقيدات السياسة.

وقال ستانيسلاف “لا نتحدث ولا نشارك في السياسة، لكن نساعد فيها، ونقيم الكثير من المؤتمرات للشباب، وخلال زيارتنا إلى مصر التقينا أعضاء في مجلس النواب، وكان حديثا ممتعا، ووجدنا اتفاقا في وجهات النظر، كما أن هناك علاقة من المحبة تجمع بين الشعبين المصري والروسي، ونتمنى أن تستمر وتتعزز علاقات الإخاء والصداقة والمحبة”.

وشدد على أن “هناك قواسم مشتركة كثيرة بين البلدين، وهي ما يجب أن نجتمع عليها، بينما الدول الأوروبية تعمل على تفريق العالم، ونعيش بشكل طبيعي وقوي، وهذه من أهم أدوارنا لذلك لن يهزمنا أحد”.

ولفت رئيس اتحاد النقابات العامة في روسيا وسكرتير عام الاتحاد الأوروآسيوي إلى أنهم يهتمون بالدبلوماسية الشعبية والتواصل والتعاون مع دول العالم، قائلا “نسعى في ظل الأوضاع والظروف الراهنة لأن نوحِّد العمل بيننا وبين كثير من دول العالم وتحقيق تضامن في شتى المجالات”.

وتابع “الوفد توجد بين صفوفه شخصيات من الهند ومقدونيا وغيرهما، فهو وفد أممي يمثل شعوب أوروبا وآسيا، إضافة إلى وجود حفيد كبير المهندسين الروس الذي أشرف على بناء السد العالي الذي عزز جسور الصداقة بين الشعبين”.

بروتوكولات جديدة

زيارة الأزهر لتكريس الانفتاح الديني
زيارة الأزهر لتكريس الانفتاح الديني

اقترح بليانينوف على الوفد ضرورة أن تكون هناك منظمة لمن شاركوا في بناء السد العالي، حيث وجد بعض المشاركين الروس يعرضون صورًا لأجدادهم الذين شاركوا في بناء السد، مؤكدا أنهم شعروا بسعادة عندما سمعوا مواطنين مصريين يتحدثون عن دور المهندسين الروس وتعاونهم في بناء السد العالي.

وكشف سكرتير عام الاتحاد الأوروآسيوي أن روسيا مستعدة للتعاون مع مصر في كافة المجالات، متمنيا توقيع عدد من البروتوكولات مع القاهرة في الفترة المقبلة، لافتا إلى أن روسيا تعاني نقصا حادا في المتخصصين بمجال تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات والعمارة، ومن هذا المنطلق ربما يتم توقيع اتفاقيات تعاون بين الجامعات والنقابات المصرية ونظيرتها في دول التجمع الأوروآسيوي، مؤكدا أن روسيا مستعدة لاستقبال المهندسين المهرة وعلى استعداد لتوفير فرص عمل جيدة.

وأطلقت روسيا عدة مبادرات تتعلق بإستراتيجية التنمية التكنولوجية وتعمل على زيادة المنح الدراسية للطلبة الأجانب، خصوصا من الدول الصديقة لها.

واستهدف الوفد تعزيز التعاون العلمي مع الجامعات المصرية، وهو ما أكده نائب رئيس جامعة بيلغورود الحكومية التكنولوجية روسلان لسافيك لـ”العرب”، فالجامعة معنية بالتكنولوجيا وهي من العشرين الأوائل في روسيا، وبها 70 تخصصًا في مرحلة البكالوريوس، و42 تخصصًا في الماجستير، و4 مراكز لمناقشة الدكتوراه.

وزار روسلان عددا من المؤسسات والجامعات والنقابات في مصر وقدم عروضا للتعاون بينها وعقد دورات تدريبية للشباب المصريين في المجالات التكنولوجية، ودعوتهم إلى الحضور المجاني للنادي الصيفي الذي تقيمه الجامعة سنويا للتعريف بأنشطتها وحضور المحاضرات العلمية والبرنامج التدريبي مجانا.

470

شركة روسية في مصر تتجاوز استثماراتها 8 مليارات دولار

كما شارك الوفد في فعاليات المهرجان الأدبي الأوراسي السادس الذي يعد منبرا مفتوحا للتفاعل الإبداعي بين كتاب وشعراء العالم لإجراء حوار موسع بين الكتاب والقراء المشاركين في إنشاء نموذج جديد للعلاقات العامة الدولية يقوم على الاحترام المتبادل والسلام وحسن الجوار والوئام بين الأعراق للحفاظ على سكان الأرض.

واستضاف المهرجان المركز الثقافي الروسي، وكان الفنان التشكيلي المصري محمد عبلة ضيف الشرف في هذا الحدث.

وأقيمت فعاليات للمهرجان في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الرابعة والخمسين شارك فيها أعضاء الوفد الشعبي الروسي.

وباستعراض لتاريخ العلاقات المصرية – الروسية، تبدو ممتدة ووثيقة خلال فترة حكم الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر، حيث شهدت تعاونا كبيرا عبر مشاركة الشعبين في حروب التحرير في المنطقة العربية، ومساندة روسيا لمصر في التصدي للعدوان الثلاثي عام 1956 الذي شنته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، وبناء مفاعل إنشاص النووي لأغراض سلمية عام 1958، كما دعمت بناء السد العالي، والتعاون في مشروع الحديد والصلب والصناعات الحربية ومجمع الألمنيوم.

وترتبط روسيا بعلاقات وثيقة مع مصر، وتجمع البلدين مشروعات إستراتيجية بينها المفاعل النووي الجديد في منطقة الضبعة شمال غرب مصر، وبلغ حجم التبادل التجاري العام الماضي نحو 6 مليارات دولار،وقيمة الصادرات الروسية 5 مليارات دولار والواردات مليار دولار، وهناك 470 شركة روسية في مصر تتجاوز استثماراتها 8 مليارات دولار.

وتعد روسيا أكبر مورد للقمح إلى مصر، كما وصل عدد السائحين الروس الذين زاروا مصر إلى 5 ملايين سائح، وثمة فرصة ضخمة للشركات المصرية للدخول في السوق الروسية بعد خروج العديد من الشركات الغربية.

6