الدراما المصرية في دور المصلح الاجتماعي أسوة بأعمال أمنية وسياسية

كثافة الأعمال المعروضة تستهدف توظيف الفن للحفاظ على الهوية المجتمعية.
السبت 2023/02/18
الفن يحافظ على هوية المجتمع

أظهرت الدراما المصرية في الفترة الماضية توجها نحو تقديم المواضيع الاجتماعية وخاصة تلك القائمة على التثقيف والتوعية بأهم المشكلات في المجتمع، فبدت وكأنها تلعب دور المصلح الاجتماعي وتهدف إلى الحفاظ على هوية المجتمع ودعم إستراتيجيات الدولة في معالجة الظواهر الغريبة وزيادة وعي المواطن الذي يعاني من أزمات متعددة، وهي تسير على النهج نفسه الذي اعتمدته في السابق للتوعية بالمسائل السياسية والأمنية.

القاهرة - اتجهت بوصلة الكثير من الأعمال الدرامية المصرية المعروضة على عدد من المنصات الرقمية والقنوات الفضائية نحو التركيز على المزيد من القضايا الاجتماعية، وتطرقت إلى موضوعات مطروحة على الساحة ومناقشتها والخروج منها برسائل تخدم فكرة الحفاظ على تماسك المجتمع بعيدا عن تسليط الضوء على نماذج العنف التي أخذت حيزاً من الاهتمام وتم تحميلها مسؤولية انتشار البلطجة.

وعرضت منصة “واتش ات” التابعة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، والمملوكة لجهات حكومية وتسيطر على القدر الأكبر من الإنتاج الدرامي، عددا من المسلسلات ذات الطابع الاجتماعي منذ نهاية موسم رمضان الماضي، ومن المتوقع أن يستمر هذا النهج في الموسم الجديد وسوف يبدأ بعد أسابيع قليلة، أبرزها “العيلة دي” و”جروب الماميز” و”جروب العيلة” و”جروب الدفعة” و”إيجار قديم” و”بينا معاد” و”مشاور الونش” و”بالطو”.

سمير الجمل: تحقيق أهداف الدراما يرتبط بمدى واقعيتها وجودتها
سمير الجمل: تحقيق أهداف الدراما يرتبط بمدى واقعيتها وجودتها

ويأتي هذا التوجه بعد أن حظيت دراما الوعي السياسي والأمني التي قدمتها الشركة المتحدة بمتابعة جماهيرية كبيرة في الفترة الماضية، واستطاعت من خلالها توصيل العديد من الرسائل التي تعبر عن توجهات النظام المصري، وبدت وسيلة تتماشى مع التطورات والتواصل مع الجمهور مع تراجع دور وسائل الإعلام التقليدية.

وتنظر جهات حكومية إلى النجاحات التي حققها مسلسل “الاختيار” بأجزائه الثلاثة، ومن قبل مسلسل “كلبش” بأجزائه الثلاثة أيضا، ثم مسلسلات “القاهرة كابول”، و”هجمة مرتدة” و”العائدون”، على أنها نماذج جيدة وحققت الغرض منها، ويمكن تكرارها في قضايا اجتماعية تهم المواطنين وتعيد التذكير بالقيم للحفاظ على تماسك المجتمع ومواجهة أزمات اقتصادية قد يترتب عليها انفلات.

وتشير كثرة الأعمال وعرضها في توقيت متقارب إلى أن القائمين على الدراما المصرية يستهدفون توظيف الفن في الحفاظ على هوية المجتمع، ويقتنعون بأن ترك المساحة للقطاع الخاص في العقد الأخير واختيار موضوعاته كان سببًا في تقديم محتوى ساهم في تعميق الأزمات التي رسمت في كثير من الأحيان صورة خاطئة عن المجتمع، وأبرزت مشكلات صغيرة وتصويرها على أنها تمثل قيم الأسرة المصرية، ما بات يتطلب تدخلاً عاجلا لاحتواء التداعيات السلبية.

وتعتمد الرؤية العامة التي يرسمها منتجو المسلسلات الجديدة على أهمية تقديم معالجة فنية للمشكلات المتغلغلة في العمق الشعبي، وتقديم حلول تراها مناسبة دون أن يخل ذلك بالحبكة الدرامية ولا يسمح أن تتحول الأعمال إلى قوالب ونصائح مباشرة، وحققت بعض الأعمال جماهيرية يمكن البناء عليها لتقديم المزيد منها.

مدحت بشاي: الكوميديا من أبرز الطرق للتأثير في المشاهد وإقناعه
مدحت بشاي: الكوميديا من أبرز الطرق للتأثير في المشاهد وإقناعه

ويتخوف بعض النقاد من أن تتحول الأعمال الفنية إلى دليل نصح وإرشاد للمواطنين، وهو أمر لا يتماشى مع التطورات الحاصلة على مستوى الإنتاج الدرامي ويصعب أن يشكل عنصرا لجذب الجمهور نحو المنصات، حيث يتعرض لقدر كبير من الأعمال التي تناقش موضوعات اجتماعية، والميزة التي حققتها أعمال تتعلق بنشر الوعي السياسي والأمني من وجهة نظر الدولة أنها قدمت رؤية يصعب تقديمها من جانب جهات إنتاجية أخرى معنية بالمنصات.

مع ذلك ليس مطلوبا من الدراما أن تتعامل مع الأوضاع الاجتماعية بأنواعها المختلفة وتلك التي يطغى عليها العنف وزنا المحارم وغيرها من الانحرافات الأخلاقية، ويصعب أن تنقل صورة مثالية للتماسك في النسيج المجتمعي الذي يواجه أزمة في الوقت الحالي، ويصعب إغفال ما طرأ على المجتمع من تغيرات خلال السنوات الماضية، وتقييم تجربة دعم الوعي بحاجة إلى مزيد من الأعمال للحكم على نجاحها من عدمه.

وقال الكاتب والمؤلف سمير الجمل إن الدراما بمختلف أنواعها يتم التعامل معها باعتبارها من أدوات الأمن القومي، وهناك قناعة بأنها أفضل وسائل التوعية والإقناع من خلال الصورة الذهنية التي تأتي عبر الموقف أو القصة التي يتشكل منها العمل، وأن تراجع معدلات القراءة وعزوف الجمهور عن الإعلام المحلي وضعا الدراما على رأس الوسائل التي تستخدمها الحكومة المصرية للوصول إلى الجمهور.

وأضاف الجمل في تصريح لـ”العرب” أن تحقيق أهداف الدراما يرتبط بمدى جودة تقديمها، والقدرة على كتابة قصص حقيقية من الواقع عبر حبكة درامية جاذبة، وهو ما تعاني منه بعض الأعمال المعروضة، وقد لا يكون لديها التأثير المطلوب، كما أن المسلسلات المقدمة بحاجة إلى أن تتسم بقدر كبير من المصداقية والوضوح ولا يتعلق ذلك بتوجه سياسي معين، وعلى الجمهور أن يستنبط الدروس منها بمفرده.

ويتفق الكثير من النقاد على أن التركيز على المسلسلات الاجتماعية وإخضاعها لتحقيق أهداف رسمية وتحميل كل عمل فني مسؤولية العواقب السلبية يساهم في مزيد من الضغط على منتجي الأعمال، وقد لا يصب ذلك في صالح التنافس بين المنصات والفضائيات التي تعرض عليها في مصر، وغيرها من المنصات العربية التي تبقى أكثر انفتاحاً على تقديم موضوعات تتسم بالجرأة في التناول والعرض.

حكايات قريبة من العائلات المصرية
حكايات قريبة من العائلات المصرية 

وتختلف وجهات النظر حول تصاعد مطالب نواب بالبرلمان المصري بإصدار قانون أو قرار حكومي يلزم جهات الإنتاج بحظر مشاهد التدخين والمخدرات في أعمال الدراما والسينما، ورغم أن هذا التوجه يبدو إيجابيًا من ناحية عدم توظيف الدراما في الدعاية لأنواع تجارية وتحقيق استفادة غير مباشرة مقابل إعلان شركات التبغ، غير أن ذلك يخلق صورة مثالية لنماذج تقدمها الدراما وربما لا يحقق العمل أهدافه الفنية.

ويأخذ الاهتمام بالأعمال الاجتماعية أبعادا تتعلق بانتقادات موجهة لمسلسل “أزمة منتصف العمر” وغيرها من الأعمال التي قدمت صورة تراها دوائر قريبة من جهات حكومية أنها تقدم واقعا مغلوطا أو دخيلا على المجتمع المصري، ما يفتح الباب أمام تقديم أعمال عديدة على منصة “واتش ات”، آخرها مسلسل “الأصلي” المعروض حاليًا على المنصة، ويستهدف جذب الجمهور المصري إليه لما ينطوي عليه من قضايا مهمة تتعلق بقيم المجتمع الراسخة.

المسلسلات قد تتحول إلى دليل نصح وإرشاد، وهو أمر لا يتماشى مع التطورات الحاصلة على مستوى الإنتاج
المسلسلات قد تتحول إلى دليل نصح وإرشاد، وهو أمر لا يتماشى مع التطورات الحاصلة على مستوى الإنتاج

وأوضح الناقد الفني مدحت بشاي أن هناك مخاوف حقيقية من تفكك النسق الاجتماعي الذي تعرض للتمزق في الآونة الأخيرة، وأن ما واجهته مصر من أحداث سياسية وتعرض المنطقة لثورات واحتجاجات تسبب في تحولات عدة في الشخصية المصرية تحاول جهات حكومية التعامل مع نتائجها السلبية عبر إنتاج أعمال فنية لتقويمها.

وأشار بشاي في تصريح لـ”العرب” إلى أن حالة التماسك التي ظهرت في السابق في أوقات الأزمات والحروب تغيب حاليا مع احتدام المشكلات الاقتصادية، وهي مسألة تمثل أحد عناصر القلق التي تزيد الاحتشاد لتخطي المرحلة الراهنة في ظل جهود حكومية حثيثة للحفاظ على تماسك الدولة وقوتها الناعمة وقيم المجتمع، وأن الدراما تدعم الوعي العام، وهي أدوار كانت تقدم في السابق من خلال ألوان فنية مختلفة، مثل الشعر والقصة قبل أن تصبح الدراما وجدان الإنسان كأداة سهلة ومضمونة التأثير.

ولفت إلى أن تقديم القوالب الكوميدية ضمن خطة التأثير المجتمعي من أبرز الطرق لإقناع المواطنين، والمصريون ينتظرون النكات للاستفادة من العبر المستخلصة منها، لكن شريطة أن يكون ذلك بكتابة سليمة بعيدة عن أسلوب “الاسكتشات” الذي يهيمن على بعض المسلسلات التي تُشرف عليها ورش خاصة بالتأليف تزداد انتشارا.

ورصدت الدراما الاجتماعية المقدمة أخيرا موضوعات عبرت عمّا تعاني منه الكثير من الأسر المصرية، وركزت على قضايا مثل الطلاق ومشكلات المدارس والجامعات والعلاقات بين الأجيال والجيران والزواج والطلاق والتنمر والعنف، وظهرت في شكل يوميات عائلية مسلية وحكايات متنوعة أخذت خطوطا درامية متوازية تمزج بين الكوميديا والتراجيديا من خلال الدراما لتقريب الهدف من جميع الأجيال.

13