لسنا أمة واحدة، ولسنا أصحاب رسالة خالدة

الشعب الذي ترجّى أن يأتي الفرج مع بداية عام 2023، يصحو على زلزال مدمر. ويتساءل السوريون الذين يؤمنون بقضاء الله وقدره، بأي ذنب نقتل. ألا يكفي ما واجهناه من كوارث. هل نحن دولة كتب عليها أن تكون مسكونة بالموت؟
تشرد، جائحة، كوليرا، حصار ومجاعة.. وأخيرا زلزال. كل البلايا والنوائب التي حلت بسوريا وشعبها منذ عام 2011 ومن قبله وبعده، كانت بسبب من الأيديولوجيا. الأيديولوجيا بمختلف أصنافها وتنوعاتها؛ القومية، والعرقية، والطائفية، والسياسية. الجميع يتحمل نصيبه من اللوم، معارضة وحكومة، من أبسط عامل وفلاح، إلى أعلى موظف حكومي. الجميع مسؤول، حتى عن غضب الطبيعة الذي ضرب البلاد.
الزلزال قضاء وقدر، نعم. ولكن مجابهته ليست محكومة بالقضاء ولا بالقدر. البناء العشوائي ليس قضاء وقدرا. والبنية التحتية المتهالكة ليست قضاء وقدرا. وتقسيم سوريا إلى مقاطعات ليس هو الآخر قضاء وقدرا. وتدخل الدول الكبرى في شؤون سوريا وأهلها ليس قضاء وقدرا.
نحن من صنع قدرنا بأنفسنا منذ أن خدعنا أنفسنا ورفعنا شعار أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة. الشعار الذي رددناه يوميا قبل أن نفطم عن حليب أمهاتنا، ودون أن ندرك ماهية هذه الأمة ولا هذه الرسالة.
◙ مأساة ألاّ نتعلم من النجاح، ومأساة أكبر ألاّ نتعلم من الفشل. نحن لسنا أمة واحدة، حتى داخل سوريا، ولم نكن أمة واحدة يوما. ونحن لسنا أصحاب رسالة خالدة، طالما لم ندرك فحواها
نحن، أصحاب الرسالة الخالدة، من أدخل الدببة إلى الحقل السوري.
المفترض أن تنسينا الكارثة والصور التي تناقلتها وسائل الإعلام لمشاهد هي أقرب ليوم القيامة، الخلافات والنزاعات. ولكن هذا لم يحدث، فنحن لم نتوقف عن تصنيف أنفسنا. وكل ما نتفوّه به مليء برائحة الفرقة والخلاف.
لا راد لقضاء الله وقدره، الكوارث الطبيعية تحدث دون أن تستأذن أحدا، لكن الاستعداد لها لا يتحكم به القضاء، ولا يتحكم به القدر.
مشاهد الدمار مؤلمة، ولكن مشاهد العجز عن إنقاذ المحاصرين تحت الأنقاض مؤلمة أكثر. وبينما يمرّ الوقت وتتراجع فرص إنقاذ الضحايا، نتحدث، ويتحدث معنا العالم، عن مناطق تحت سيطرة الحكومة وأخرى تحت سيطرة المعارضة.
وتختلف الدول التي أعلنت عن استعدادها لإرسال مساعدات وفرق إنقاذ فيما بينها، وبينما تصل المساعدات إلى المناطق التي يسيطر عليها “المتمردون” عبر تركيا بفضل آلية أنشئت عام 2014 بموجب قرار لمجلس الأمن الدولي، تعترض دمشق وحليفتها موسكو على هذه الآلية وتعتبرانها انتهاكا للسيادة السورية.
وبسؤال السفير السوري لدى الأمم المتحدة عن احتمال فتح نقاط عبور جديدة لمواجهة تداعيات الزلزال، بدا رافضا للفكرة. وشدد مستخدما اللغة الإنجليزية “قلت نحن مستعدون للعمل مع كل من يرغب بتقديم المساعدة للسوريين من داخل سوريا”.
نائبة من هذا الحجم لم تنس المسؤول السوري “السيادة السورية” التي ضاعت منذ أن وطئت أقدام القوى الأجنبية أرض سوريا واستوطنت فيها.
الضرورات يا سيادة المسؤول، تبيح المحظورات. أليس ما تواجهه سوريا ويواجهه السوريون اليوم ضرورة تبيح رفع كل المحظورات، حتى ولو تعلق الأمر بالسيادة؟
مأساة ألاّ نتعلم من النجاح، ومأساة أكبر ألاّ نتعلم من الفشل. نحن لسنا أمة واحدة، حتى داخل سوريا، ولم نكن أمة واحدة يوما. ونحن لسنا أصحاب رسالة خالدة، طالما لم ندرك فحواها.
بعد عشر سنوات وأكثر من الاختلاف لم يعد في سوريا ما يستوجب الاقتتال، خاصة بعد أن استيقظ العالم على تحديات اقتصادية كبيرة تضاءلت أمامها تحديات الماضي.
مواجهة جائحة كورونا، والتحديات البيئية، والجفاف، ونقص الغذاء والطاقة، وتفشي وباء الكوليرا بين السوريين بسبب نقص المياه الصالحة للشرب، هذه هي رسالتنا الخالدة. وهي رسالة تبيح جميع المحظورات.
◙ الزلزال قضاء وقدر، نعم. ولكن مجابهته ليست محكومة بالقضاء ولا بالقدر. البناء العشوائي ليس قضاء وقدرا. والبنية التحتية المتهالكة ليست قضاء وقدرا
الزلزال الذي ألحق الدمار بالبلاد يجب أن يهز كل قناعاتنا السابقة، ومعها كل خرافاتنا الأيديولوجية. ما تواجهه سوريا يتطلب تضافر جميع الجهود ومشاركة الجميع دون استثناء.
قد ينظر البعض إلى تعدد الطوائف والأعراق في سوريا بوصفه نقطة ضعف ساهمت في تأجيج الصراع وإطالة أمده. ولكن، تكفي لحظة من التفكير لإدراك أن هذا الاستنتاج بعيد عن الحقيقية.
الأيديولوجيات وليست الطوائف هي مأساة سوريا والسوريين. لقد اتسعت سوريا في الماضي للأقليات، ولا شيء يمنع من أن تتسع لها مستقبلا.
وإلى أن يتأكد جميع الأطراف (حكومة ومعارضة) من حقيقة ضعفها وتقبل بمبدأ “لا غالب ولا مغلوب” سيكون من المبكّر الحديث عن حلول.
أمام حجم الكوارث التي لم يكن الزلزال أوّلها ولا أقواها، يجب أن نتجاوز آلام الماضي ومآسيه، ونقتنع أن جميع الأطراف في سوريا مهزومون، ولا يوجد طرف منتصر.
يكفي ما جرى خلال عشر سنوات. أما آن لشعب الله الممتحن أن يرتاح؟