الترويج لكتب زهيدة في معرض القاهرة تجربة محفوفة بالمخاطر

الحفاظ على رونق المعرض وزائريه يصطدم بمخاوف من الشعبوية الثقافية.
الثلاثاء 2023/01/31
معرض الكتاب ليس بمنأى عن الظروف الاقتصادية

تضرر قطاع الكتب والنشر بالأزمة الاقتصادية التي تقاومها مصر، حتى أن الدولة قررت هذا العام توفير كتب بأثمان زهيدة في معرض الكتاب، الحدث السنوي المهم الذي يبدو هذا العام معرّضا لإمكانية الفشل، بعرضه عناوين شعبوية وبعزوف المصريين عن المشاركة فيه واقتناء الكتب جراء الارتفاع الكبير في الأسعار وضعف القدرة الشرائية.

القاهرة – تصوب عيون الكثير من المثقفين في مصر نحو معرض القاهرة الدولي للكتاب لتقييم دورته الحالية التي تصطحب معها مظاهر ثقافية جديدة يأمل من خططوا لها ودشنوها أن تكون بداية لانطلاقة تعيد إلى المعرض حيويته، وتجذب إليه الجمهور هذا العام بعد أن أصبح ارتفاع أسعار الكتب هاجسا يهيمن على تفكير شريحة كبيرة من الناس، وهو ما حاولت وزارة الثقافة التغلب عليه ووضع أفكار لتجاوزه.

وتعتقد وزارة الثقافة أن خفض الأسعار ومنحها طابعا شعبويا هما الحل الوحيد الذي سيكفل لها رواجا لمعرض هذا العام، بينما يرى مثقفون أن جودة المحتوى لا تقل أهمية عن الأسعار، فلا قيمة لكتب قديمة أو دعائية تمجد زعامات أو مشروعات مهما تدنى ثمنها، فالعبرة في المضمون المقدم، والذي تعد قيمته الفكرية ذات أولوية كبيرة، بصرف النظر عما إذا كان إنتاجه قديما أو حديثا.

خالد منصور: التخوفات تنحصر في عدم ذهاب المواطنين إلى المعرض
خالد منصور: التخوفات تنحصر في عدم ذهاب المواطنين إلى المعرض

ودفع هذا الاتجاه دور النشر الخاصة إلى ابتكار وسيلة للمنافسة من أجل تجنب الخروج من سوق الكتاب ووجدت ضالتها في تقديم حوافز تتناسب مع تفكيرها الاقتصادي.

وافتتح رئيس الحكومة مصطفى مدبولي الأربعاء الدورة الرابعة والخمسين من معرض القاهرة الدولي للكتاب والتي تستمر حتى السادس من فبراير المقبل، بحضور وزيرة الثقافة الأردنية هيفاء النجار ممثلة عن بلادها التي تشارك ضيفَ شرف للمعرض.

وتتبنى الهيئة المصرية العامة للكتاب مبادرة “الثقافة والفن للجميع” التي تتولى تقديم الكتب بأسعار تبدأ من جنيه واحد (0.03 دولار) وحتى 20 جنيهًا (0.66 دولار)، والتي تمكن زائري المعرض من شراء ما يقرب من 50 كتابًا أو أكثر بـ100 جنيه (3.3 دولار تقريبًا)، وذلك بمشاركة عدد من قطاعات وزارة الثقافة المعنية بالنشر، لتشجيع رواد المعرض على اقتناء الكتب والقراءة، وبالتالي رفع الوعي.

وقال رئيس اتحاد الناشرين المصريين سعيد عبده إنه سيتم توفير كتب تصل قيمتها المادية إلى جنيهين (0.06 دولار) ولا تتجاوز 20 جنيهًا مصريا (0.66 دولار)، وثمة تخفيضات في أسعار الكتب المعروضة لدور النشر المصرية تصل إلى 80 في المئة.

وبدت رؤية القائمين على معرض القاهرة حاملة لجوانب متعارضة، فدعم الكتاب في وقت تشهد فيه حركة النشر أزمات اقتصادية حادة وتراجعا في القدرة الشرائية للمواطنين من الأمور الإيجابية التي تسهم في الحفاظ على رونق معرض يشكل احتفالاً سنويًا للعديد من الأسر والمواطنين، وتساعد الخطوة الهيئات الثقافية الحكومية على إحداث رواج يدعم المزيد من الكتب الجديدة التي تقدمها على مدار العام.

وفي الجانب المقابل لا تخدم الخطوة دور النشر الخاصة التي تحاول تعويض خسائرها المستمرة على مدار العام من خلال أكبر تجمع جماهيري سنوي، وفي تلك الحالة فإن انجذاب الناس على نحو كبير سيتجه إلى دور النشر والهيئات الحكومية التي تقدم كتبها بأسعار زهيدة الثمن، وتحافظ على جمهورها من المثقفين المتخصصين الذين لديهم معرفة بقيمة ما تقدمه من إنتاج أدبي حديث، بينما تظل اللعنة تلاحق دور النشر الخاصة التي لا تستطيع التوسع في تقديم الكتب بأسعار متدنية.

ويخشى البعض من النقاد أن يتحول معرض القاهرة، الذي قاطعته مكتبات سور الأزبكية الشعبية منذ عامين لارتفاع أسعار الأماكن المؤجرة ثم عادت في العام التالي، إلى سوق تطغى عليه الجوانب الشعبية وليس الثقافية، ما يهدد الصورة الذهنية للمعرض الذي يشكل متنفسًا لدور النشر العربية والمصرية، ويحافظ على سمعته الدولية، خاصة أنه كان يحظى بأكبر إقبال من جانب الزوار ويأمل القائمون عليه الحفاظ على هذا المظهر، وهو ما يدفعهم إلى تقديم إغراءات شعبوية متنوعة.

عع

وأبدت دور نشر مصرية خاصة قلقها من تزايد ظاهرة النسخ المزورة وتلك التي تتعرض للقرصنة ويتم بيعها في مكتبات سور الأزبكية الشعبي ويصل عددها هذا العام إلى 25 مكتبة مشاركة في المعرض وجميعها تقدم الكتب بأسعار زهيدة من خلال “طبعات شعبية”، ولذلك طالبت الدور الخاصة الحكومة بتشديد الرقابة على هذه المكتبات كي تتمكن من الدفاع عن أصحاب الحقوق الأصليين.

ومن المتوقع أن تشهد الطبعات الشعبية إقبالا كبيرا من جانب الجمهور في ظل الأزمة الاقتصادية، والتي تحاول الحكومة التغلب عليها، ما يضطرها أحيانا إلى غض الطرف عن التزوير والقرصنة، اعتقادا من بعض المسؤولين أن ذلك يضفي رواجا ظاهرا على المعرض، لكن الخطورة أنه رواج مزيف وضد قواعد الثقافة والأصول التي تقوم عليها عملية النشر.

ويقود التعامل مع المعرض وفقًا لمعايير الارتفاع والانخفاض في الأسعار دون البحث عن القيمة الفكرية والأدبية والثقافية المقدمة إلى العديد من النتائج السلبية على مستوى رفع الوعي وتوجيه الجمهور نحو الإصدارات ذات القيمة المعرفية المهمة وليس وفقًا لسعر المنتج المقدم، ما يفرز الحاجة إلى إعادة أساليب الجذب والتسويق إلى التجمع الثقافي الذي يتجاوز توزيع الكتب عبر الفعاليات الثقافية والفنية التي يشهدها.

بعض النقاد يخشون أن يتحول معرض القاهرة إلى سوق تطغى عليه الجوانب الشعبية وليس الثقافية، ما يهدد صورته

وقال الإعلامي والناقد المصري خالد منصور “إن التخوفات هذا العام تنحصر في عدم ذهاب المواطنين إلى المعرض، وهو ما يعد خسارة فادحة لأكبر تجمع ثقافي في المنطقة، وتركزت عمليات جذب الجمهور على تشجيعه على الذهاب دون الخوف من زيادة أسعار الكتب، ويريد القائمون على المعرض أن يظل نقطة ضوء ثقافية لمصر”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الهيئة العامة للكتاب لديها حد أدنى من الجودة في العناوين المقدمة، ومن المتوقع أن يكون الإقبال كبيرا على شراء سلسلة إبداعات طه حسين التي تقدمها هيئة قصور الثقافة بأسعار زهيدة، وهي من أهم المشروعات التي تبنتها وزارة الثقافة، بجانب إعادة طبعات من إصدارات مكتبة الأسرة التي ارتبط بها الزوار سابقا، ولذلك يجب أن تكون معايير الجودة موجودة”.

وأوضح منصور أن إدارة المعرض تستهدف إحداث توازن نفسي للجزء الأكبر من زواره كي لا يصطدموا بالكتب مرتفعة الثمن، حيث أرادت أن تشعرهم بالقدرة على شراء كمية معقولة من الكتب تتحملها ميزانيتهم المحدودة، ولا يشعر الزائر بأنه في حرج من التردد على المعرض دون أن يقتني مجموعة من الكتب تشبع نهمه للثقافة.

واتجهت بعض دور النشر الخاصة إلى مسايرة عروض الهيئات الحكومية في محاولة لجذب القراء وفقًا للعوامل المرتبطة بسعر البيع، وأعلنت دار “ليان” للنشر والتوزيع عن توزيع 500 كتاب مجانا يوميا في الساعة الثانية ظهرا بتوقيت القاهرة في مقرها بالمعرض، وتحديد مجموعة من الكتب لبيعها بسعر 10 جنيهات (0.33 دولار).

وانتهجت دور نشر خاصة إستراتيجية قريبة مما تتبناه الهيئات الحكومية وأعلنت بيع إصدارات قديمة بأسعار أقل مما كانت عليه في الأعوام الماضية لجذب الجمهور، مثلما هو الحال بالنسبة إلى دار “المحروسة” و”الكرمة” حيث أعلنتا بيع مجموعة من الكتب القديمة في الإصدار بسعر 20 جنيهًا (0.66 دولار)، وهو ما تسير على نهجه دور نشر أخرى تحاول اللعب على وتر تخفيض الأسعار وتروج للبيع بمبالغ زهيدة.

Thumbnail

وأوضح محمد مفيد، وهو أحد مالكي “دار نون” للنشر والتوزيع، أن الظروف الاقتصادية التي يعاني منها العالم وتراجع قيمة الجنيه إلى مستويات منخفضة خلال الشهرين قبيل انعقاد المعرض جعلا العديد من دور النشر تشعر بحالة من اليأس والإحباط، لكنها تبددت نسبيا مع وصول الإصدارات الحديثة والاحتفاء بها ودوران عجلة العمل في المعرض، ووجود قناعة بضرورة تقديم عوامل جذب تسهم في استمرار عملة البيع والشراء وتحمل انخفاض معدل الربح.

وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن “العروض التي تقدمها الهيئات الثقافية الحكومية لا تشكل أزمة كبيرة بالنسبة إلى دور النشر الخاصة، وهناك إدراك بأن ما يتم إنتاجه في هيئة قصور الثقافة والمركز القومي للترجمة ودار الكتب والوثائق هو إصدارات قديمة، ويختلف عن دور النشر الخاصة التي تعتمد على الإصدارات الجديدة في عملية الجذب، ما يخلق حالة من التكامل مطلوبة في أوقات الأزمات الاقتصادية لتشجيع الزائرين على القدوم إلى المعرض”.

12