الأمهات يصنعن ثقافة المجتمعات

صعود الأمهات في ثقافة المجتمعات لم يكن جديدا، لكن الرياضة أضفت عليه غبطة شاسعة.
الاثنين 2023/01/30
تعبير مفعم بالوفاء

سنتوقع حضور المزيد من الأمهات بعد الاحتفاء الجمعي بعيد ميلاد ديانا ديوكوفيتش، ليس في الميادين الرياضية وحدها، فالأم كانت منذ الأزل رمزَ ووحدة الوظيفة والبناء في المجتمعات.

لقد نبه من جديد لاعبو المنتخب المغربي بكرة القدم المجتمعات إلى ثقافة الأمهات وأهميتها، بيد أن استقبال العاهل المغربي الملك محمد السادس للاعبي المنتخب المغربي لم يكن لوحدهم، كانت الأمهات حاضرات أيضا.

استمر هذا التعبير المفعم بالوفاء مع لاعب التنس الصربي نوفاك ديوكوفيتش، عندما كان يحتفل بعيد ميلاد والدته الحاضرة في الملعب أكثر من احتفاله ببلوغ الدور قبل النهائي في بطولة ملبورن بارك التي اختتمت ليلة أمس، وتوج بلقبها للمرة العاشرة.

لقد وصفت إشارة ديوكوفيتش إلى والدته بالإيماءة الملحمية. عندما هنأها بعيد ميلادها وشاركه الجمهور في ذلك، فهي ككل الأمهات تجمع مواصفات الأم الرؤوم، لكنها بالنسبة للاعب تنس من طراز ذهبي بمثابة أخصائي للعلاج النفسي والبدني.

كلمة “يا أمي” التي سجلها سفيان بوفال لاعب المنتخب المغربي في مونديال قطر، ومن ثم لاعب التنس الصربي ديوكوفيتش في بطولة ملبورن بارك، لن تبقى مجرد مفردة مفعمة بالحب، بل لفرط أهميتها ستكون بمثابة بنك روحي للمجتمعات، لا يمنى بالخسارة. لذلك استعان بها الرياضيون وستستمر الحاجة إليها كحافز لتحقيق الإنجازات بعد أن كانت الأم على مر التاريخ حاجة إنسانية للاطمئنان.

فسفيان المغربي أخرج الصورة النمطية للأم في المجتمعات العربية، وديوكوفيتش قدمها للعالم بأنها المعالج الروحي له في هذا العمر، مثلما كانت في طفولته.

لم يكن صعود الأمهات في ثقافة المجتمعات جديدا، لكن الرياضة أضفت عليه غبطة شاسعة.

كان الروائي الليبي هشام مطر يجد في أمه ملهمة له بعد اختفاء والده القسري، وجسد ذلك عندما قدم روايته الأولى “في بلاد الرجال” للجمهور الإنجليزي قبل أكثر من عقد في أمسية بمقهى الشعر، تحدث عن الإلهام الساحر لأمه، وأشار إليها بينما كانت حاضرة بين الجمهور. تلك الرواية التي كانت بمثابة سيرة ذاتية لهشام صنعتها الأم وترجمت إلى عشر لغات بما فيها العربية، فهشام يكتب بالإنجليزية. وعندما سألتُ أم هشام عن مضمون الرواية في تلك الأمسية، كانت لفرط حبها لولدها لم تحمّلها أكثر من كونها نصا إبداعيا، مطالبة القراء بالحذر من عكس متن الكتاب على حياة الأسرة المثقلة بأوجاع غياب الأب.

كاظم الساهر كان يجد في أمه أو “نورية المرأة العظيمة” كما يسميها ملهما لموسيقى معبرة بعمق عن الحب، لذلك لم يدعها، قبل رحيلها، بغير أن تكون قريبة منه في كل هذا التجوال الفني الذي عاشه.

لاعب المنتخب العراقي السابق نشأت أكرم لم يكن يقدر على السفر من دون مصاحبة أمه، وأتخيل عندما كان يتفاوض على صفقة الانضمام إلى نادي مانشستر سيتي قبل سنوات فكّر بأمه أكثر من أي شيء آخر إذ قدر له الانتقال.

الجمهور العربي صار يعرّف الفنان العراقي سعدون جابر بأغنية “يا أمي” التي كتبها الشاعر كريم العراقي وصاغ لحنها المفعم بحساسية تاريخ من حنين الأمهات عميد الغناء العراقي عباس جميل.

كانت تلك الأغنية لا تكتمل عند تصويرها إلا بحضور الأم فيها، لذلك اختار المخرج التلفزيوني للأغنية نبيل إبراهيم، أمه ليكتمل المشهد التعبيري مع أداء سعدون جابر في أغنية لم تغادر الذائقة السمعية العربية بعد أكثر من ثلاثة عقود على أدائها.

فعندما نشاهد سعدون جابر يغني أمام أمه وأم نبيل وأم كل المشاهدين، فيما أقداح الشاي على الطاولة بقيت ساخنة بقدر دفء الأغنية، نعيد اكتشاف أهمية حضور الأمهات في المجتمعات.

18