المغرب قوة جاذبة للاستثمار في الهيدروجين الأخضر

تتالي إعلانات الشركات الأجنبية لإطلاق مشاريع في القطاع بما يعزز إستراتيجية الرباط لتحول الطاقة.
الاثنين 2023/01/16
تثبيت ركائز صناعة واعدة

اكتسبت إستراتيجية استثمار الهيدروجين الأخضر بالمغرب زخما كبيرا مع تتالي الإعلانات حول المشاريع المرتقب إنشاؤها، في ظل التوجُّه الذي ينتهجه البلد نحو تنويع مزيج الطاقة خاصة وأنه يُعد من أوائل الدول العربية التي اعتمدت خارطة طريق لتحقيق أقصى استفادة من هذا المورد.

الرباط – وصل قطار الاستثمار في مشاريع الهيدروجين بالمغرب إلى محطة جديدة بعد أن كشفت شركة جون كوكيريل عن اعتزامها بناء مصنع في هذا المجال سيكون الأول في قارة أفريقيا.

وقالت الشركة البلجيكية قبل أيام إنها تنوي “تشييد منشأة ضخمة مخصصة لصناعة أجهزة التحليل الكهربائي لإنتاج الهيدروجين الأخضر” داخل السوق المغربية.

وتأتي هذه الخطوة بعد وقت وجيز من كشف شركة سي.دبليو.بي غلوبال الأسترالية للطاقة أنها تتطلع إلى توقيع اتفاقية مع الحكومة المغربية خلال هذا العام لإنشاء مشروع للهيدروجين باستثمارات تتراوح بين 15 و20 مليار دولار.

وبحسب بيان جون كوكيريل، فقد أبرمت اتفاقية مع شركة مغربية متخصصة في الطاقة من أجل الشروع في تصنيع أجهزة التحليل الكهربائي التي سيتم استخدامها في إنتاج وقود الهيدروجين الأخضر، بعد إنشاء مصنع من نوع جيغافاكتوري الضخم.

محمد مالزي: المغرب سيستغل نقاط قوته للتفوق في إنتاج الهيدروجين
محمد مالزي: المغرب سيستغل نقاط قوته للتفوق في إنتاج الهيدروجين

وذكرت أنها “ستُطلق مشروعا مشتركا مع الشركة المغربية سيكون خاصا بتطوير حلول الهيدروجين الأخضر في المغرب”.

ولم تكشف جون كوكيريل عن قيمة المشروع أو موعد الإنتاج الفعلي، غير أنها أشارت إلى أن هذا يدخل في إطار مساهمة الشركة في المجهودات والمساعي المغربية والدولية المرتبطة بالطاقة الخضراء.

ويحظى القطاع باهتمام خاص من العاهل المغربي الملك محمد السادس، حيث ترأس في أواخر نوفمبر الماضي جلسة عمل دعا فيها إلى تسريع وتيرة تطوير الطاقة المتجددة، منها القطاع الواعد للهيدروجين الأخضر واستخداماته.

كما طالب الملك محمد السادس حينها بالاستغلال الأمثل لتنافسية بلاده من أجل استقطاب مزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية في هذا القطاع.

ويستعد تحالف الهيدروجين الأخضر، الذي يضم ممثلين عن القطاعين العام والخاص، لإطلاق خطة عمل تتضمن إجراء دراسة حول قطاع الهيدروجين لبلورة مبادرة “عرض المغرب” لتنمية سلسلة القيمة الخاصة بهذا المجال.

وأكد بدر إيكن نائب رئيس التحالف خلال مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي أن اعتماد خطة عمل سيمكن من بروز قطاع تنافسي للهيدروجين ومشتقاته.

وقال إن “العمل على ذلك يتطلب أولا خفض تكاليف سلسلة القيمة وخلق أقطاب للبحث والابتكار في المغرب وإقليميا”.

ويرى خبراء أن الرباط أمام فرصة ثمينة لتوسيع قاعدة الاستثمار في مجال الهيدروجين البيئي بفضل المقومات التي تتمتع بها البلاد وخاصة إذا ما تعلق الأمر بمناخ الأعمال المستقر رغم ما تعرض له من منغصات في السنوات القليلة الماضية.

وأكد الخبير في اقتصاد الطاقة محمد مالزي أن المغرب يتوفر على مؤهلات حقيقية للتفوق في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر كما هو مخطط له.

بدر إيكن: خطتنا ستمكن من بروز قطاع تنافسي للهيدروجين ومشتقاته
بدر إيكن: خطتنا ستمكن من بروز قطاع تنافسي للهيدروجين ومشتقاته

وقال “سينبع ذلك عن طريق استغلال نقاط قوته بأن يصنع كهرباء متجددة وإدارة أزمة الجفاف ونقص الموارد المائية بذكاء، فهو قادر حتما على التفوق في إنتاج الهيدروجين”.

وعبرت الخبرات الدولية مثل ألمانيا عن رغبتها في عقد شراكة مع المغرب، من خلال توقيع اتفاقيات طموحة، وأيضا الاستفادة من التقارب مع الاتحاد الأوروبي عن طريق الاتفاق الأخضر.

ووفقا لمجلس الطاقة العالمي يُعتبر المغرب من الدول الست في العالم التي تمتلك إمكانات كبيرة في إنتاج الهيدروجين ومشتقاته، وهو ما من شأنه أن يؤهل البلاد للاستحواذ على أربعة في المئة من الطلب العالمي بحدود عام 2030.

وفي تقرير صدر مؤخرا، أكد مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد في تقرير حمل عنوان “سوق الهيدروجين الأخضر: المعادلة الصناعية لانتقال الطاقة”، أن المغرب يتمتع بمزايا تنافسية لتزويد أوروبا بالهيدروجين الأخضر ومشتقاته.

وأوضح معدو التقرير أن “استهداف سوق الهيدروجين الأخضر العالمي يستدعي استثمارات كبيرة وخيارات تكنولوجية وتخطيطا مدروسا جيدا لتحسين إدارة المخاطر”.

وقالوا إن “المغرب يمتلك مؤهلات كبيرة في ما يخص إنتاج الهيدروجين الأخضر بفضل توفر الموارد المتجددة بأسعار تنافسية وبفضل قربه من السوق الأوروبية”.

وأشاروا إلى أن “أوروبا تراهن اليوم على الهيدروجين ليحل محل الوقود الأحفوري في القطاعات التي يصعب إزالة الكربون منها مثل الصناعات الفولاذية والكيميائية والنقل”.

وكانت شركة ليكيلا الهولندية المتخصصة في الطاقات المتجددة قد أعلنت في ديسمبر الماضي عن احتمالية توجهها نحو الاستثمار في المغرب، في ظل العروض المغرية المتعلقة بالطاقة المتجددة التي تُعتبر قطاعا واعدا بالمغرب، منها عروض الهيدروجين الأخضر.

وصرّح كريس أنتونوبولوس الرئيس التنفيذي لشركة ليكيلا في مقابلة صحافية أن الشركة سترفع حجم استثماراتها إلى 3 أضعاف خلال السنوات الثلاث أو الأربع المقبلة داخل قارة أفريقيا ومنها المغرب.

وأشار إلى أن المغرب من البلدان الأفريقية الهامة التي تقدم بنية تحتية قوية للمستثمرين المهتمين بالوفرة في المجال بتطوير مشاريع متجددة نموذجية بالإضافة إلى مشاريع الهيدروجين الأخضر واسعة النطاق.

جون كوكيريل ستنشئ أول مصنع في أفريقيا لمعدات التحليل الكهربائي الخاصة بإنتاج الهيدروجين
جون كوكيريل ستنشئ أول مصنع في أفريقيا لمعدات التحليل الكهربائي الخاصة بإنتاج الهيدروجين

وقطع المغرب أشواطا مهمة في مجال الهيدروجين الأخضر، ووقع العديد من الاتفاقيات، خاصة مع ألمانيا، من أجل إنتاج الهيدروجين الأخضر الذي يُوصف في الأوساط الاقتصادية بـ”وقود المستقبل”.

وتم تصميم أول نظام تجريبي نموذجي لإنتاج الهيدروجين الأخضر وإرساؤه في إطار مشروع باور تو أكس الذي يحتضنه مركز الطاقة الخضراء في بن جرير شمال مدينة مراكش بالتعاون مع جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية.

وتشرف على المشروع الباحثة نهيلة نبيل من معهد البحث في الطاقة الشمسية والطاقات الجديدة.

ولفت خالد السالمي الخبير في الإدارة المستدامة للطاقة بالمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة إلى أن المشروع سيسهم إيجابيا في إيجاد منظومة متكاملة تسهّل إجراء مجموعة من الأبحاث التقنية والعلمية ذات البُعد الاقتصادي.

وقال إن “ذلك سيعزز موقع المغرب كمنافس تجاري واقتصادي مهم في السوق العالمية للهيدروجين الأخضر”.

وأكد تقرير مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد أن خارطة العالم الخاصة بصناعة الهيدروجين الأخضر بدأت تتشكل مدفوعة بحالة مواتية بسبب أزمة الطاقة الناتجة عن الصراع بين أوكرانيا وروسيا.

كما أن الالتزامات التي تعهدت بها أكثر من 140 دولة للحد من انبعاثات الكربون الخاصة بها تشكل أحد الدوافع الرئيسية لتبني هذا المسار.

وأوضح المركز أن أفريقيا وضمنها المغرب يمكن أن تنتج 50 مليون طن من الهيدروجين الأخضر بحلول 2035، ما يمكن أن يمثل ما يقرب من 10 في المئة من السوق العالمية.

ووفقا لدراسات أجرتها شركات دولية سيتطلب ذلك ما بين نحو 680 مليار دولار و1.3 تريليون دولار بحلول عام 2050.

10