مصريون يطرحون حلولا للمشكلات والحكومة تعاندهم

لاحتواء غضب يجب على الحكومة الدخول في حوار مع الناس والاستماع إلى مقترحاتهم قبل إصدار القرارات وفرض سياسة الأمر الواقع.
الأحد 2023/01/15
لا خطط حكومية واقعية لتطويق الأزمة المعيشية

القاهرة- تؤكد العديد من القرارات الحكومية التي تصدر في مصر لمعالجة المشكلات لأيّ درجة تتشدد المؤسسات الرسمية في رفض الاستماع لرؤى المواطنين، وتتمسك بالسير عكس الاتجاه حتى تتزايد المشكلة وتكاد تتحول إلى قنبلة موقوتة، وتجد الحكومة نفسها مضطرة إلى الاستجابة لمقترحات قدمها مواطنون من قبل.

وتشير بعض التوجهات الرسمية إلى صدق رؤية هؤلاء المواطنين في طرح الحلول العقلانية للمشكلات، لكنها تواجه في بادئ الأمر بعناد يوحي بالتكبر من جانب بعض المسؤولين، وصارت هناك فجوة كبيرة بين الحكومة والشارع لإصرارها على التحدي وإظهار صلابتها في المواجهة، بينما تتفاقم معالم بعض الأزمات.

كادت وزارة التربية والتعليم تتسبب، السبت، في أزمة معقدة بين مصريين يقيمون في الخارج والحكومة في الداخل بعد أن قررت الوزارة عقد امتحانات الطلاب المغتربين في توقيت واحد لكل المراحل الدراسية بشكل إلكتروني، رغم افتقارها للبنية التكنولوجية الجيدة.

◙ تعامل المسؤولين مع مقترحات المواطنين بشأن التصدي للمشكلات قبل حدوثها يظهر أن الحكومة تعاني من التخبط

وقررت الوزارة السماح للطلاب المصريين في الخارج بالدخول على منصة الامتحانات طوال اليوم بعد أن تمسكت بعقد الامتحانات في توقيت واحد، هو التاسعة صباحا حسب توقيت القاهرة، مع أن البعض حذروا من عدم تحمل “السيستم”، أي نظام المنصة الذي تجرى بموجبه الامتحانات لأعداد كبيرة.

وأمام سقوط منصة الامتحانات التي خصصتها وزارة التعليم لامتحان الطلاب بالخارج والاتصال بمركز شكاوى مجلس الوزراء والتواصل مع وزارة الهجرة اضطرت وزارة التعليم لتطبيق نفس الحل الذي سبق وطرحه مواطنون بأن تتاح منصة الامتحان على مدار اليوم وليس في توقيت محدد.

وتسعى الحكومة جاهدة لاستقطاب المصريين المقيمين في الخارج وترضيتهم على أمل مشاركتهم في حل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعاني منها البلاد عبر المساهمة في ضخ العملات الصعبة إلى البنوك المحلية لحل أزمة شح العملات الأجنبية.

ويقول مراقبون إن تعامل المسؤولين في مصر مع مقترحات المواطنين بشأن التصدي للمشكلات قبل حدوثها يعكس ما تعانيه الحكومة من أزمة عنوانها الرئيسي التخبط والعشوائية، وتتمسك بتجاهل آراء الناس.

ويرى هؤلاء المراقبون أن احتواء غضب الشارع في مصر يبدأ من دخول الحكومة في حوار مع الناس والاستماع إلى مقترحاتهم قبل إصدار القرارات وفرض سياسة الأمر الواقع، لأن التشاور تنتج عنه حلول غير تقليدية، ويسهل تطبيق القرارات عمليا.

جمال زهران: التمادي في القرارات غير الواقعية يقود إلى المزيد من الغضب
جمال زهران: التمادي في القرارات غير الواقعية يقود إلى المزيد من الغضب

وحظي الوصف الذي أطلقه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وهو يضحك “بطلوا هي يا مصريين” بتعليقات كثيرة، ومعناه أوقفوا انتقاداتكم واجتهاداتكم، لأن الحكومة تنتقد تصرفات الناس وهي مخطئة وتجتهد فلا تصيب، ومن الواجب أن تتوقف عن “الهري” وتتجاوب مع بعض المقترحات الشعبية.

وأصدر مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء أخيرا عدة قرارات تستهدف ترشيد الإنفاق وفرض التقشف لمواجهة الأزمة الاقتصادية، بينها تجميد العمل في مشروعات قومية جديدة لم يتم البدء فيها وتحتاج إلى مكون دولاري، رغم أن هذا الحل جرى طرحه منذ فترة من خبراء ومواطنين عاديين وتمت مناقشته من زوايا مختلفة، غير أن الحكومة والنظام برمته تجاهلا ذلك وتمسكا بسياسة العناد والرفض.

وأدارت الحكومة المصرية ظهرها لنداءات كثيرة بشأن حتمية إعادة النظر في أولوياتها والتركيز فقط على المشروعات القومية والتنموية التي تدر عائدا على الاقتصاد بما يخفف وطأة الأزمة الراهنة ويعود بالنفع على مواطنين ساءت ظروفهم المعيشية.

وتركزت الجهود التنموية خلال السنوات الماضية على تدشين العديد من الجسور العملاقة والطرق والمدن الجديدة التي تعجز شريحة كبيرة من المواطنين عن شراء وحدة سكنية فيها لارتفاع أسعارها، وتأثر نسب بيع وحداتها على وقع الأزمة الاقتصادية.

ويبرر مواطنون غضبهم من أن الحكومة لو ركزت جهودها على مشروعات زراعية وصناعية لما كانت معدلات الغلاء في البلاد ارتفعت بصورة مخيفة، حيث تستورد مصر غالبية احتياجاتها بالعملة الصعبة التي أصبحت شحيحة في البلاد.

ومضت الحكومة في طريقها غير عابئة بالطروحات التي يقدمها خبراء ومواطنون بشأن إعادة ترتيب الأولويات والتركيز على المشروعات التي تخفف حدة الأزمة الاقتصادية، ثم رضخت أخيرا لبعض هذه المطالب بعد فوات الأوان، ربما لأن المطالب هذه المرة جاءتها من خلال توصيات ملزمة من صندوق النقد الدولي.

وقال جمال زهران أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس (شمال شرق القاهرة) إن جزءا كبيرا من أزمة الحكومة أنها لا تسمع أنين المواطنين ولا تستجيب لمقترحاتهم العملية والمنتجة أحيانا، والجزء الآخر يتعلق بغياب الرقابة من جانب البرلمان على أداء المسؤولين، وعدم المحاسبة على السياسات الخاطئة، والتعامل مع الشارع وكأنه يبحث عن مصالح ذاتية فقط.

◙ الحكومة تسعى جاهدة لاستقطاب المصريين المقيمين في الخارج وترضيتهم على أمل مشاركتهم في حل الأزمة الاقتصادية الطاحنة

وأضاف لـ”العرب” أن التمادي في القرارات غير الواقعية يقود إلى المزيد من الغضب في توقيت بالغ الحساسية، مع أن هناك مواطنين لديهم حلول عقلانية لمشكلات معقدة، فالمسؤول الذي يعتقد أنه وحده يمتلك الرؤية الصائبة سوف يعاني الفشل، ويرتبط التذمر في الشارع بتصميم الحكومة على العمل من خلال جزر منعزلة.

ويرتبط تكرار الصدام بين الحكومة والشارع على وقع الخلاف الحاصل حول بعض القرارات بوجود سياسات يتم تنفيذها بعيدة عن الواقع، وثمة مؤشرات أكدت أن بعض الرؤى الرسمية خاطئة وعندما جرى تطبيقها ثبت فشلها.

وأخفقت الحكومة المصرية على مدار أربع سنوات في عقد الامتحانات بشكل إلكتروني للطلاب المقيمين في الداخل، وكل عام يسقط السيستم (منصة الامتحانات) لضعف البنية التكنولوجية ويثور الناس غضبا، ومع ذلك تتمسك بعقد الامتحانات في الخارج إلكترونيا في توقيت واحد.

وتعبّر الأزمة الراهنة عن خلل واضح في “سيستم” (نظام) الحكومة العام على مستويات مختلفة، سياسية واقتصادية واجتماعية، فلا توجد خطط واضحة مبنية على أسس علمية وواقعية ويتم إصدار القرارات بصورة توحي بالارتباك، ما يعني أن يصبح مصيرها التراجع أو التجميد أو الإلغاء عقب ثبوت الإخفاق.

ويعتقد معارضون أن الأزمات التي تواجه الحكومة يتم حلها بالحوار مع الأطراف المعنية بكل ملف، من خبراء ومتخصصين، لا بقرارات فوقية تسببت بمرور الوقت في مشكلات معقدة يصعب الخروج منها بسهولة، ولن يحدث الحوار إلا إذا تخلت المؤسسات الرسمية عن العناد والتعامل مع أصحاب الرأي والخبرة والكفاءة بمنطق تشاركي بعيدا عن لغة التخوين والتشكيك في النوايا.

4