مجد صارم: التشجيع على القراءة لا يقف عند حدود الاحتفاليات

لماذا يقرأ الناس؟ ماذا يقرأون؟ هل أثر عصر التقنية على فعل القراءة؟ أين نحن منها، وما دور المؤسسات الاجتماعية الأهلية والعامة في تنمية القراءة عند الناشئة؟ كلها أسئلة لمحاولة إيجاد سبيل للخروج بنتائج أفضل في الوطن العربي لجسر هوة الجهل والأمية التي تحقق فيه معدلات كبيرة. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بالقراءة التي على الدولة أن تجعلها أولوية. وهو ما تحقق في مبادرات عربية حديثة.
للقراءة أهمية خاصة في أي مجتمع حضاري، فهي الحراك الفردي الذي من خلاله تنتقل المعرفة من شخص إلى آخر ومن جيل إلى جيل. ولها في العديد من بلدان العالم احتفاليات خاصة تؤكد عليها في حال كانت متقدمة أو تحفز عليها لو كانت كما في البلاد العربية متأخرة.
في هذا الاتجاه، تتبنى جهات عامة وخاصة في سوريا فعاليات تدعم القراءة وتؤكد على ضرورة العمل على تفعيلها وتشجيعها بين الناس والناشئة خصوصا، وضمن هذا الإطار طرح في سوريا مشروع “اليوم الوطني للقراءة” ومن بعده مشروع “كتابي صديقي” عن مديرية ثقافة الطفل في وزارة الثقافة، وهو المشروع الذي وجد قبلا وبالاسم ذاته في فلسطين والجزائر.
التحفيز على القراءة
في السابع عشر من ديسمبر الجاري انطلقت في سوريا احتفالية “اليوم الوطني للقراءة” في موسمها العاشر تحت عنوان “كتابي نافذتي/ بحرف ولون”، وقد أقامتها وزارة الثقافة بمشاركة وزارة التربية والمركز الإقليمي لتنمية الطفولة المبكرة، وهي احتفالية نظمت في العديد من المحافظات السورية وكانت البداية من اللاذقية، ثم انتقلت إلى معظم المحافظات السورية حيث قدمت فعاليات في القراءة وفنون المسرح والرقص والغناء والرسم والخط العربي، مكرسة تفاصيلها للتشجيع على القراءة.
عن الاحتفالية وانطلاقها من اللاذقية وكيف تمت برمجتها، يقول مجد صارم مدير ثقافة اللاذقية لـ”العرب” “الفعاليات المتعلقة بالقراءة تستلزم جهودا مستمرة لفترات طويلة، وهذه الاحتفالية استغرق العمل عليها عاما كاملا، شارك فيها عدد من الطلاب، قدموا جهدا خلاقا لخدمة فكرة التشجيع على القراءة”.
وعن أمر آخر يراه مجد أكثر أهمية يتابع “الشيء الأكثر أهمية هو تحفيز الزملاء المشاركين على التفاعل مع مشروع القراءة في المرات القادمة. في اللاذقية كان هنالك ثمانية مشاركين في مسابقة تحدي القراءة فازوا على مستوى المحافظة وكرموا على خشبة المسرح، هؤلاء حققوا بجهدهم النجاح المطلوب وهم بنجاحهم ومن ثم بتكريمهم سيكونون سببا محفزا لزملاء لهم كي يهتموا بالقراءة ويبذلوا جهدا مشابها من أجلها”.
ويتابع صارم عن طبيعة الأنشطة التي قدمت في هذه الفعالية “قدمنا مجموعة من الأنشطة، كان منها ‘كتاب في جريدة‘، الذي أطلقته مديرية ثقافة الطفل عبر مبادرة ثقافة الحياة. ويعني أن يقوم الطلاب المشاركون بقراءة مجموعة من الكتب ثم القيام بتلخيصها. ثم قمنا بتعليق أعمال المشاركين على صحيفة حائط خاصة وكبيرة أوجدناها في المركز الثقافي في المدينة، وجدت فيها ملخصات عن كتب وروايات عالمية”.
ويوضح أن الهدف من هكذا نشاطات هو تسليط الضوء على الكتاب بطريقة جميلة وغير نمطية، متابعا “بهذه الطريقة وصلنا إلى حالة تفاعل أكبر مع المشروع بين مشاركين ومتفاعلين، فالمشاركون كانوا اثنا عشر طالبا وهم عدد قليل مهما كبر عددهم، ولكن أعمالهم ونجاحاتهم ومتابعتها من قبل أناس آخرين جعلت أعداد المتفاعلين مع الحدث أكبر”.
وعن بقية الفعاليات وكيف تم ربطها بالقراءة يوضح صارم “كانت هنالك ورشة للخط العربي، كل الجمل فيها تحث على القراءة، وورشة رسم للأطفال، نفذت في نهايتها لوحة كبيرة في مكان خاص، ظهرت فيه كل الرسوم وهي تحث على القراءة. كما وجدت فعاليات ثقافية ومهنية مرافقة قدمنا فيها مادة كورال غنائية من معهد محمد العجان بلغات عالمية إضافية للعربية، وقدمنا اسكتش مسرحيا بعنوان كتابي نافذتي بحرف ولون، وهو يهدف لإلقاء نظرة على الكتاب وأهميته في حياة الناشئة بعيدا عن الكتاب الإلكتروني، وقدم شيئا من تراث أوغاريت التي قدمت أول أبجدية في التاريخ. كل هذه الأفكار وجدت تفاعلا مع الحدث. وهذا ما يؤكد أن تأثير المشاركين كان كبيرا”.
ويرى صارم في التشجيع على القراءة أنه لا يقف عند حدود تنظيم المسابقات أو الاحتفاليات فحسب، بل يتجاوزه نحو آفاق أهم، يقول “ليس المهم أن ننظم مسابقة محددة ونصل بها إلى النتائج المرجوة، فالمهم أيضا هو المتابعة مع هؤلاء للوصول إلى نتائج أفضل. المؤسسات الثقافية تشكل حاضنا لهؤلاء، فالمراكز الثقافية تقدم لهم خدمات كبيرة تتعلق بالمكتبات العامة والمراجع وإقامة النشاطات وهذا شيء فعال ومفيد، ويجب أن تدعم نشاطهم في المراحل التالية، وهذا سيترك عندهم المزيد من الأمل في تقديم جهد أكبر”.
وعن تجاوب المجتمع الأهلي المحيط بهذه المسابقة يتابع “كان الأهل فخورين بتحقيق أولادهم هذه القيمة المعرفية، ولا شك أننا كجهات عامة منفذة سعيدون بهذه التجربة، دعم الأهل له دور حاسم في متابعة هؤلاء لتميزهم، الأهل حضروا بكثافة ليتابعوا النشاطات. قمنا بالعمل مع وزارة التربية، بالتشجيع على القراءة في المدارس، لأننا نعي بأن عملية الدفع إلى القراءة تشاركية بين عدة جهات، تبدأ بالبيت ثم وزارة التربية في مدارسها ثم وزارة الثقافة التي تتابع المهمة. فلكل جهة دورها ومهمتها وكل حسب اختصاصه ومقدرته المالية. كمثال، نحن نأتي بالمشاركين في مسابقة القراءة في مجال الأدب والقصة، ونطلب من المشاركين إعداد كتيب بها، لنقوم بطباعته لدى وزارة الثقافة”.
القراءة معرفة
ما الذي يدفع شخصا للقراءة؟ ما الذي يدفعه لاقتناء الكتب وصرف المال والجهد لأجلها والوقت للتفاعل معها؟ سيكون الجواب بأنها: الدراسة، أي البحث عن المعلومة، وستكون القراءة هنا بغايات معرفية، أو في إطار المهنة التي هي سبيل الإنسان لكسب رزقه، وبذلك تكون المعرفة مهنية، ولكن ذلك لا يكفي إذ أن متعة القراءة بحد ذاتها وما تحققه للإنسان من توازن نفسي وخبرات حياتية وفكرية وذوق جمالي واطلاع وتمرس وثقافة شخصية وغيرها مما يساهم في نحت الذات.
معظم محافظات سوريا شاركت في اليوم الوطني للقراءة وقدمت فعاليات في القراءة والمسرح والرقص والغناء والرسم
ومن المعروف أن وضع القراءة عربيا ليس جيدا، لكنه أيضا ليس بالسوداوية التي يكتب البعض من المختصين عنها. وهنالك عدد كبير من الدراسات والمسوح التي تبنت هذا الأمر، كان أحدثها مؤشر المعرفة العالمي 2021 الذي أطلقه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة والذي “يهدف إلى قياس المعرفة على مستوى العالم كمفهوم شامل مرتبط بشكل وثيق بالتنمية المستدامة وبمختلف أبعاد الحياة الإنسانية المعاصرة”.
وبموجب هذا المؤشر ترسخت معلومات سابقة توضح أن الدول العربية كانت ومازالت متأخرة في مؤشرات المعرفة، وبموجبه كانت سويسرا صاحبة المركز الأول عالميا تلتها السويد ثم الولايات المتحدة وفلندا وهولندا وحلت دولة الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الحادية عشرة عالميا والأولى عربيا، وجاء ترتيب الدول العربية: الإمارات في المركز 11 عالميا، ثمَّ قطر في المركز 38 والمملكة العربية السعودية المركز 40 والكويت (48) وسلطنة عُمان (52) ومصر (53) والبحرين (55) وتونس (83) ولبنان (92) والمغرب (101) والأردن (103) والجزائر (111) والعراق (137) والسودان (145) وموريتانيا (147) واليمن (150).
وتتابع الدول العربية موضوع تخلف حالة القراءة فيها عن المعدلات المفيدة، فتقدم محاولات للخروج بحلول لها، ففي عام 2015 رعت “مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية” مسابقة دولية لتحدي القراءة، وهي مسابقة تهدف إلى تشجيع الناس على القراءة واتخاذ سبل العلم طريقا في الحياة العملية، وهي تهدف إلى تمكين اللغة العربية الفصحى والتعامل معها كلغة للعلوم والآداب والمعرفة وتحفيز الناشئة على القراءة بها.
وتقوم المسابقة على تشجيع المشاركين الذين تتراوح أعمارهم ما بين مرحلة الصف الأول الابتدائي وحتى المرحلة الثانوية، وتتألف من خمس مراحل تضم كل مرحلة قراءة خمسة كتب ثم القيام بتلخيصها بتصرف ذاتي من المشارك، ويبلغ عدد الدول العربية المشاركة في المسابقة 18، ويحق لكل دولة المشاركة بتمثيل واحد.
وغابت سوريا عن المواسم الخمسة الأولى بسبب ظروف الحرب، لكنها شاركت في الموسم السادس من خلال الطفلة شام بكور من مدينة حلب، وكانت بسنواتها السبع أصغر من شارك فيها، لكنها رغم ذلك فازت في التحدي وحققت لقب المتحدي في مسابقة بطل القراءة العربي في النتائج التي أعلن عنها في إمارة دبي بتاريخ الثامن من نوفمبر 2022.