العزوف عن الانتخابات رسالة التونسيين إلى الأحزاب

شبعنا سياسة وشبعنا أيديولوجيا هذه هي الرسالة التي وجهها التونسيون بعزوفهم عن التصويت إلى أحزاب عجزت عن تلقف فحواها فراحت تندب الديمقراطية السلعة الوحيدة التي حاولت تسويقها خلال عشر سنوات.
الأربعاء 2022/12/21
ليحكم من يحكم، شرط تطبيق القانون

إذا كان الرئيس التونسي قيس سعيد فشل في إقناع التونسيين وحثهم على التوجه إلى صناديق الاقتراع، فإن أحزاب المعارضة مجتمعة فشلت في إقناعهم بالخروج إلى الشارع للاحتجاج.

التونسيون مقتنعون اليوم أن مشكلتهم لا تتعلق بشكل الحكم. الحال لم يكن أسوأ في ظل حكم البايات، ولم يكن أسوأ أيضا في السنوات التي تلت الاستقلال، ولا في ظل نظام أطاحت به “ثورة شعبية”.

العزوف عن التوجه إلى صناديق الاقتراع رسالة موجهة إلى المعارضة التونسية قبل أن تكون موجهة إلى الرئيس قيس سعيد.

مع انحباس الأمطار وتداعيات جائحة كورونا وارتفاع تكلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية جرّاء الأزمة الروسية – الأوكرانية، لا نحتاج إلى خبراء لندرك أن عزوف التونسيين عن الانتخابات مرده الوضع الاقتصادي المتدهور الذي تمر به البلاد.

تونس ليست وحدها من يعاني نتيجة لهذه الأزمات. ما ينطبق على تونس ينطبق على دول العالم. الأوروبيون يشتكون، والأميركيون يشتكون، وكذلك الصينيون.. العالم كله يشتكي. وآخر ما نحتاج إليه هو تصيّد الأخطاء.

◄ المطلوب من أحزاب المعارضة اليوم التوقف عن وضع عصا السياسة في عجلة الاقتصاد والمساهمة في البحث عن حلول تخرج تونس من أزمتها

بعد ثلاث سنوات عجاف، تلت ثماني سنوات صعبة واجهت فيها البلاد حالة من الارتباك وعدم اليقين، مازالت تونس متماسكة. نعم، هناك تراجع في الخدمات، ولكن لم نشهد توقفا في أيّ منها. وهو ما شاهدناه في دول عديدة تشابهت فيها الظروف مع ما جرى ويجري في تونس.

في الحقيقة، يكن أن نقول إن تونس أقل دول المنطقة تضررا، والمؤشرات الاقتصادية على تواضعها، تؤكد ذلك. على رأس هذه المؤشرات هو الاحتياطي من العملة الصعبة، إذ يبلغ اليوم 98 يوما، وهو رغم كونه المستوى الأدنى منذ ثلاث سنوات، إلا أنه مازال فوق الخط الأحمر المقدر بـ90 يوما.

هناك من يراهن على أن تونس لن تكون قادرة على مواجهة التحديات المالية التي تنتظرها، وأن سنة 2023 ستكون السنة الأكثر تسديدا للديون، وصندوق النقد الدولي يرى أن السلطات التونسية لم تف بوعودها، بما في ذلك خفض دعم المواد الغذائية والطاقة وإصلاح الشركات العامة. ولن يمنحها القرض الذي وعد به.

رب ضارة نافعة، وقد يعود حجب القرض عن تونس بالفائدة عليها. حجب القرض سيدفع تونس للبحث عن حلول بديلة أخرى. وعلى عكس ما يظنه المشككون تمتلك البلاد ويمتلك التونسيون حلولا عديدة.

إحدى هذه الحلول وأهمها جذب الاستثمارات من الخارج، وهو ما كان قد تعطل بسبب الفوضى السياسية، وهنا لن نلوم جانبا ونستثني آخر. مصلحة تونس فوق الانتماءات السياسية والعقائدية، وهذا إن تجاهلته الأحزاب، يدركه التونسيون غريزيا، وهو ما تجلّى بوضوح في عزوفهم عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع.

ليحكم من يحكم، شرط تطبيق القانون ومحاربة الفساد والتهرب الضريبي وإيجاد حلول لضم الاقتصاد الموازي إلى الاقتصاد الرسمي، واحترام كرامة التونسيين وحرياتهم.

تونس لا تعوزها الكفاءات والمواهب، أكبر دليل على ذلك اجتهاد دول أوروبا في جذب هذه الكفاءات؛ خلال 10 أشهر فقط حصل 5474 تونسيا وتونسية على تأشيرة للعمل في ألمانيا، وخلال خمس سنوات غادر البلاد أكثر من 40 ألف مهندس وطبيب تونسي ليعمل في أوروبا ودول الخليج العربي وكندا.

لماذا الإصرار على الحديث عن انهيار اقتصادي، بينما تمتلك البلاد كل المؤهلات لتتحول إلى نموذج ناجح طالما اقتدت به دول المنطقة.

لننسى المرسى، وسيدي بوسعيد، وقمرت، وتوزر، والقيروان.. هل تجولتم يوما في الشمال الغربي لتونس وعلى شواطئ قليبية والهوارية وقربص..؟ تونس لا تعوزها الإمكانيات الطبيعية.

◄ العزوف عن التوجه إلى صناديق الاقتراع رسالة موجهة إلى المعارضة التونسية قبل أن تكون موجهة إلى الرئيس قيس سعيد

بمقدور تونس أن تتحول إلى منتجع ومصحة يأتيها طالبوا الاستجمام والعلاج من كل فج، مثلما بمقدورها أيضا أن تتحول إلى وادٍ للتكنولوجيا الرقمية، كما هو وادي السيلكون. ولمَ لا؟ كل ما تحتاج إليه هو الاستقرار، وترك التناحر والتنابذ.

بينما يختلف السياسيون ويتنابذون يتوجه التونسيون صباح كل يوم إلى أشغالهم، يقطفون صابة الزيتون والحمضيات، ويديرون قطاع الخدمات والمناجم، ويزودون السكان بالكهرباء والماء والغاز.. خدمات لم توقفها الثورة ولم تشلها جائحة كورونا والحرب الروسية – الأوكرانية والجفاف. فلماذا يعطلها السياسيون؟

لماذا التباكي على الحريات الشخصية، في بلد كان سباقا في إصدار قوانين تحمي حقوق الإنسان.

جولة سريعة في الصحافة الرقمية والورقية، تثبت أن لا خوف على الحريات في تونس.

شبعنا سياسة وشبعنا أيديولوجيا، هذه هي الرسالة التي وجهها التونسيون بعزوفهم عن التصويت إلى أحزاب عجزت عن تلقف فحواها، فراحت تندب الديمقراطية، السلعة الوحيدة التي حاولت تسويقها خلال عشر سنوات.

المطلوب من أحزاب المعارضة اليوم التوقف عن وضع عصا السياسة في عجلة الاقتصاد والمساهمة في البحث عن حلول تخرج تونس من أزمتها.

ليحكم تونس من يحكم. ولكن شرط أن يحكم.

8