لنثق بناقدنا الداخلي

الناقد الداخلي أكثر حكمة من تهورنا لأنه مبني عبر تجاربنا بمرور الوقت.
الاثنين 2022/12/19
الناقد الداخلي حاجة ماسة لبعث الطمأنينة والثقة بالنفس

للتعبير عن الثقة بالنفس هناك من يرحب بحرارة بناقده الداخلي. صحيح أن هذا الناقد موجود في داخل كل إنسان ولا يمكن أن يختفي لأنه ليس إراديا، لكن هناك من يضعه على الرف، لا يستمع له ولا يهتم بتنميته، بيد أن الوعي المتقدم يعني بالضرورة تهدئة الصوت الداخلي القاسي من خلال تقديم أمثلة صالحة تساعدنا على العيش في حياة مدفوعة بالقيم.

تفند عالمة النفس الأميركية لاكيشا سوليفان النظرية الفرويدية عن جلد الذات عبر الترحيب بالناقد الداخلي الموجود بالفعل في الجهاز العصبي للإنسان، وتنصحنا بالاستماع إلى الصوت الصامت الذي يحكم بقسوة على أفكارنا وسلوكياتنا.

فالرفض الاجتماعي هو تهديد حقيقي لبقائنا، والناقد الداخلي يحاول حمايتنا من خلال فضحنا أمام أنفسنا قبل أن يقوم شخص آخر بذلك. إنه يهاجم لدفعنا إلى تطوير الخصائص التي يكافئها المجتمع، لتحفيزنا على القيام بعمل أفضل.

الإنذارات من الصوت الداخلي مبررة في بعض الأحيان، لأنها بمثابة حكمة عاطفية للمساعدة على فهم سلوكنا وتأثيره على الآخر قبل الإقدام على أي خطوة.

قسوة الناقد الداخلي مبنية على طبيعة حساسية الإنسان تجاه مستوى الخجل ومزاجه ونظرته لتفسير المواقف. مع ذلك يجب علينا صداقة الناقد الداخلي في دواخلنا. على سبيل المثال، طالما يستعين بعض الناس بناقدهم الداخلي بشأن مظهرهم الخارجي، لكنهم لا يبالون برسائل هذا الناقد بشأن قضايا أخرى إلى أن تسلط ضغوطا كبيرة عليهم.

فالناقد الداخلي أكثر حكمة من تهورنا لأنه مبني عبر تجاربنا بمرور الوقت.

تكتب سوليفان في مقال بغاية الإمتاع المعرفي لفهم أنفسنا “يستخدم الناقد الداخلي المقارنات لتحديد ما إذا كنت بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد حتى يتم قبولك اجتماعيًا”. لذا فإن قمع أو تجاهل تلك الرسائل الداخلية قد يكون أمرا مغريا. بيد أن هذا التجاهل لا يوفر غير راحة قصيرة سرعان ما تتحول إلى ضغوط.

ومع ذلك، فإن ممارسة السيطرة العقلية والعاطفية لقمع التفكير تستهلك طاقة ويمكن أن تؤدي إلى استهلاك مخزون نفسي. ولا يؤثر نفاد الموارد النفسية على مزاجنا فحسب، بل يمكن أن يجعلنا أيضًا أكثر سلبية وأقل ثباتا، ويجعلنا نكافح أكثر لحل المشكلات. لأننا قدمنا في ذلك الاستهلاك للطاقة، لناقدنا الداخلي المزيد من الذخيرة لاستخدامها ضدنا.

كذلك تنصحنا الدكتورة لاكيشا سوليفان بعدم قمع النصائح السلبية الصادرة من ناقدنا الداخلي، وتعلم التعايش معه باعتبارها مهارة أساسية في تحسين علاقتنا مع أنفسنا ومع محيطنا الاجتماعي والحياتي.

تضع هذه العالمة التي امتلكت خبرة معرفية وطبية من تجربة عقود مع مرضاها جملة من النصائح في موقعها الإلكتروني لمساعدة الجمهور بالتعايش ورفع منسوب الثقة بالناقد الداخلي، منها تسمية هذا الناقد وصنع خلفية خيالية له، قد يكون ساخطا أو طفلا أو أماً رؤوماً.

وتتضمن نصائحها لنا إستراتيجية تغيير وجهة نظرنا حول الناقد الداخلي باعتباره صديقا، لا مانع من أن نكون فضوليين معه لمعرفة كل شيء، بما في ذلك الانفتاح على الأفكار والعواطف المؤلمة. فقد وجدت دراسة حديثة أن الانفتاح على المشاعر المؤلمة أداة علاجية مهمة مسؤولة عن حدوث تغيير كبير.

ومن الأهمية بمكان معرفة كيفية مواجهة الحديث السلبي عن النفس من قبل الناقد الداخلي، على سبيل المثال، إذا كان صوتك الداخلي يدينك بالتسبب بفشل ما في العمل، عليك الاستشهاد بأمثلة على النجاح. تلك الحوارية ستزيد من موضع الثقة مع هذا الناقد غير المنحاز.

في النهاية الناقد الداخلي حاجة ماسة لبعث الطمأنينة والثقة بالنفس لأنه لا أحد يفكر بالحصول على حبة سحرية يمكن تعاطيها لتمحو آلامنا، مثل تلك الصفقة لم يحققها بعد الطب لنا.

20