مسرحية "ديستوبيا" مدينة خيالية تحكي عن الواقع السوري

المسرحية مقتبسة عن نص سعودي بتحويرات تناسب حال سوريا اليوم.
الجمعة 2022/12/09
فكرة المدينة الخيالية الفاسدة

تتقاذف مصائر الناس في حيواتهم أيام السعادة القليلة وأيام الشقاء الأكثر عددا. ورغم كل ذلك يبقى الناس متمسكين بالأمل، يحاولون من خلاله النجاة والذهاب نحو مساحات قادمة يتمنونها أكثر سعادة وفرحا. في سوريا يقدم المخرج مأمون الخطيب مسرحية "ديستوبيا" منطلقا من الواقع السوري المعاصر والمؤلم نحو آفاق أكثر سعادة.

يدخل المخرج المسرحي السوري مأمون الخطيب إلى حالة تقارب عوالم السوريالية في عرضه المسرحي الجديد "ديستوبيا"، الذي قدمه على مسرح الحمراء بدمشق بدءا من الثاني والعشرين من الشهر الماضي، وواصل عروضه إلى الخميس.

العرض الجديد لمأمون مأخوذ عن نص الكاتب السعودي المسرحي عباس الحايك بعنوان “المزبلة الفاضلة”، الذي قدم في الكثير من البلدان العربية على امتداد ما يقارب العشرين عاما من إصداره. وقد قام المخرج بإعداده دراميا وشارك في تجسيده الممثلون: رنا جمول وغسان الدبس وإبراهيم عيسى ورامي خلو وإبراهيم عدبة.

مأمون الخطيب: عملت على النص كثيرا لألائمه مع الوضع السوري الحالي
مأمون الخطيب: عملت على النص كثيرا لألائمه مع الوضع السوري الحالي

"ديستوبيا" مصطلح يحمل نقيضا لكلمة يوتوبيا التي تعني المدينة الفاضلة، التي ظهرت في كتاب توماس مور قبل مئات السنين، وتمثل جزيرة خيالية يعيش فيها الناس بمثالية. أما “ديستوبيا” فهي كلمة مناقضة، تمثل المكان الخطر الموحش الذي لا يحب أحد العيش فيه.

وفي تناول الكاتب الحايك لمفهوم الديستوبيا، دخل في تفاصيل حياة عدد من الشخوص الذين جمعهتم الأقدار في مكان هو أشبه ما يكون بالمزبلة، يعيشون فيها وهم محطمو الكيان والأنفس، حيث الآمال المنهكة والأحلام التي ماتت أو تكاد، وهم يعيشون مرحلة انتظار لما قد يحمله غد أفضل.

وفي محاولة من المخرج المسرحي الخطيب لتناول المجتمع السوري المعاصر، من خلال هذه المسرحية وبلغة جديدة، قدم النص، وأدخل عليه تعديلات تناسب البيئة السورية الحالية، لتقدم المسرحية ضمن عروض المسرح القومي في سوريا.

ويكشف الحايك في نصه عوالم مجموعة من الأشخاص المهمشين الذين لفظهم القدر إلى الاجتماع والعيش في مكان موحش مقفر لا يمكن أن يكون مناسبا للعيش الآدمي، لكنه مع ذلك يكون كذلك لهؤلاء، وتقدم المسرحية عبر مساراتها حكايات لشخوص تعرضوا لضربات مؤلمة من القدر، فهنالك كاتب ومثقف تعرض لخديعة زوجته وعشيقها وسيدة عانت من ظلم امرأة وشاب قهره ظلم المجتمع وممثل يطمح لإثبات موهبته دون جدوى، وعلى مقربة منهم يعيش رجل السلطة الذي يلاحقهم حتى في تلك المساحة الموحشة البائسة لكي يطردهم منها، لمصلحة أثرياء الحروب والاستهلاك، لتدور بينهم معارك الحياة.

وعن كيفية تناول هذه الموضوعة والنظرة المجتمعية التي أراد تقديمها في عمله يقول مخرج العرض الخطيب لـ"العرب" "المسرحية قدمت في الكثير من البلدان العربية، أحببت أن أقدم فيها فكرة المدينة الخيالية الفاسدة التي هي عكس اليوتوبيا أو المدينة الفاضلة. وفيها إسقاط على الوضع السوري الذي نعيش فيه".

ويضيف "لم أشأ إيراد كلمة مزبلة لأنني مصر على أن الوطن مهما حدث لن يكون مزبلة. واستخدام كلمة 'ديستوبيا' كان هدفه تحفيز المتلقي للبحث عن معناها. أعرف النص منذ فترة طويلة، وعملت عليه كثيرا كي ألائمه مع الوضع السوري الذي يعيشه الناس في أبسط أشكاله. النص كتب ضمن بيئة اجتماعية محددة تختلف نسبيا عن المجتمع السوري، فلم يكن هنالك إناث، لكنني قمت بالتعديل عليه، ووجدت أنه لا بد من طرح موضوع المرأة المهمشة رغم ذكائها، وهذا ما كان فعلا فوجدت شخصية نسوية هامة في العرض".

العرض المسرحي قدم مسارات حكاياته من خلال شخصيات تقوم بأفعال تراجيدية حينا وكوميدية حينا آخر
العرض المسرحي قدم مسارات حكاياته من خلال شخصيات تقوم بأفعال تراجيدية حينا وكوميدية حينا آخر

ويتابع مأمون "اشتغلت مع الممثلين على الحوارات والمونولوجات التي تقدمها الشخصيات، حافظنا على الرئيسية منها وطورناها بمونولوجات الممثل والشخصيات الأخرى. عندي قناعة بأن النص ينتمي لعوالم تشيخوف وعزيز نسين وكذلك غوركي، فيه نوع من الحضيض السوري، في عالم المهمشين الذي نعيش فيه في الوقت الراهن".

ويقول في حديثه لـ"العرب" عن الطريقة التي عمل عليها في إيجاد الحوارات البيئية التي تخص مجتمعا مغايرا عن المجتمع الأصلي الذي قدم فيه “العرض مقتبس عن نص عربي وهو معروف ومشهور، تناولت في الإعداد الدراماتورجي له هذا الموضوع باهتمام، فقمت بنقل بيئة العمل السورية إليه، وقمت بطرح ارتجالات حوارية مع الممثلين ومن ثم القيام بتثبيت بعضها بما يتناسب مع مقولات المسرحية الفكرية النهائية".

قدم العرض المسرحي مسارات حكاياته من خلال شخصيات تقوم بأفعال تراجيدية حينا وكوميدية حينا آخر، وكانت النتيجة مشاهد متشابكة من كلا الشكلين. يقول الخطيب في ذلك "لم أكن أريد الإغراق في التراجيديا ولا الكوميديا، بل كنت أعمل على إيجاد منتج إبداعي يعبر عن بساطة الحياة ضمن رؤية عدة مدارس مسرحية شهيرة، فهنالك المسرح ضمن المسرح والتغريب والواقعية".

ويضيف "حاولت أن يكون هنالك خليط يتمتع بهارموني معين يقدم للجمهور، عندي إحساس أن الحياة التي يعيشها البسطاء في وطننا سوريا تتضمن بلحظة واحدة كل هذه المدارس المسرحية. الخلط موجود لأن طبيعة الشخصيات وفطرتها تتحمل هذا الأمر، أرى أن الفطرية التي تتمتع بها شخصيات المسرحية هي التي جمعتهم مع بعضهم في مكان واحد ومصير مشترك، كنت مضطرا لعدم الإغراق في التراجيديا ولا الكوميديا، لأنني أريد المحافظة على الشكل الذي يحقق التوازن في بنية المشهد، ويشبه الحياة التي نعيشها في يومياتنا".

وعن مقاربة العرض للواقع السوري المأزوم واليومي يؤكد الخطيب "يهمني جدا من العرض أن نضيء على فكرة هامة، هي أننا تعرضنا للظلم في سوريا، وهو ظلم واقع على الجميع بلا استثناء، والمطلوب معرفة إمكانية التعويض بالحب عن حالات الفقد والظلم الذي نعيشه، فالواقع قاس وصعب وليس لنا إلا الحب لكي نجد طريق الخلاص".

التعويض بالحب عن حالات الفقد والظلم
التعويض بالحب عن حالات الفقد والظلم

13