محاسبة وزيرة الثقافة تعيد للبرلمان المصري دوره الرقابي

وزيرة الثقافة تؤكد صحة اختفاء المجلدات، وقالت إنها اتخذت قرارا بالتحقيق الداخلي قبل تحويل الواقعة إلى القضاء المصري.
الخميس 2022/12/01
خطوة تكسر الجمود

القاهرة - بدأ عدد من نواب البرلمان المصري تحركا سريعا لمحاسبة وزيرة الثقافة نيفين الكيلاني في واقعة اختفاء ستة مجلدات من مجلة “الوقائع” المصرية التاريخية من داخل دار الكتب والوثائق التابعة للوزارة، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت هناك رغبة جادة من مجلس النواب ليقف في صف معارضة الحكومة أم تبقى مثل غيرها من المحاولات التي لم تتغير فيها توجهاته المؤيدة للحكومة على الدوام.

وأعلن أمين سر لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب النائب عبدالمنعم إمام الثلاثاء تقدمه بطلب إحاطة موجه إلى وزيرة الثقافة لسؤالها بشأن اختفاء المجلدات من دار الكتب والوثائق المصرية، باعتبار أن الكيلاني ومسؤولة دار الكتب والوثائق نيفين موسى ستمثلان قريبًا أمام البرلمان للاستفسار منهما حول أسباب اختفاء تلك المجلدات.

وأثار اختفاء 6 مجلدات جدلا واسعا لأهميتها الثقافية والتاريخية، حيث يحتوي المجلد الواحد على أعداد صحيفة “الوقائع” على مدار عام كامل، ما يشير إلى اختفاء أعداد ست سنوات كاملة من أول صحيفة عربية في الشرق الأوسط صدرت قبل مئتي عام وتم وإلحاقها فيما بعد بالجريدة الرسمية، ما منحها طابعًا رسميًا.

إيهاب منصور: نستخدم أدواتنا الرقابية دون تضييق من رئيس البرلمان
إيهاب منصور: نستخدم أدواتنا الرقابية دون تضييق من رئيس البرلمان

وأكدت وزيرة الثقافة في تصريحات إعلامية صحة اختفاء المجلدات، وقالت إنها اتخذت قرارا بالتحقيق الداخلي قبل تحويل الواقعة إلى القضاء المصري.

وتم إجراء تحقيق مع عدد من الموظفين، بعضهم له مسؤولية مباشرة عن المجلدات، وآخرون يتعاملون معها بأشكال مختلفة وتم التحفظ على عدد من هؤلاء بمعرفة النيابة.

وضاعف رد مسؤولة دار الكتب الجدل المثار بإشارتها إلى أن المجلدات لم تخرج من الدار وإنما جرى تغيير مكانها من دون العثور عليها حتى الآن، واستشهدت بكاميرات المراقبة التي لم تسجل لحظة خروجها.

وكانت وقائع سرقات الآثار والمخطوطات التاريخية محل تساؤلات برلمانية لوزراء السياحة والآثار قبل أن تتراجع وتيرة الرقابة البرلمانية، ما أسهم في زيادة السرقات.

ويسعى البرلمان الحالي لاستعادة السجالات السابقة مع العديد من الوزراء، بما يمنحه تأييدا شعبيًا، غير أنه يصطدم بوجود مشكلات على مستوى قدرة نوابه على استخدام أدواتهم الرقابية، واستجابة الحكومة لما تتم إثارته تحت قبة البرلمان.

ويأتي استدعاء وزيرة الثقافة عقب استدعاء مماثل لوزير السياحة والآثار أحمد عيسى على خلفية فشل وزارته في تحقيق عوائد سنوية من استقطاب السواح، وتراجع خطط التسويق للمقومات الطبيعية والمقاصد السياحية.

وينشط النواب على مستوى استخدام أداة طلب الإحاطة ، وكانت الفترة الماضية شاهدة على مضاعفة الحراك، لكنه يشبه “الحرث في المياه” لأن تحركات البرلمان لا تُفضي إلى شيء غالبا، كما أن مواجهة الوزراء بالمشكلات التي تعترضهم لا يترتب عليها تعديل في سلوك الحكومة في أغلب الأحيان.

وتهتم وسائل الإعلام المحلية بنشر ما يدور بين النواب والوزراء تحت قبة البرلمان للإيحاء بأن هناك تغيرا في أسلوب تعامله مع الحكومة، غير أن الواقع يشير إلى أن السلطة التنفيذية ما زالت لديها اليد العليا في توجيه تحركات البرلمان سواء أكان ذلك عبر إرسال مشروعات القوانين التي يناقشها ويُقرها، أو من خلال تحديد مدى الاستجابة لما يقدمه النواب من طلبات إحاطة من عدمه.

وحاصر نواب البرلمان وزير التربية والتعليم رضا حجازي مع انطلاق العام الدراسي الجديد بأكثر من 40 طلب إحاطة وسؤال بشأن غياب الاستعداد الجيد وزيادة حوادث الإهمال، لكن الواقع يشير إلى أن الوزارة لم تتخذ خطوات فاعلة تشي بأنها ساعية للحد من هذا الإهمال، وتحرك البرلمان في اتجاه آخر وساهم في التراجع المؤقت عن فكرة تقنين الدروس الخصوصية.

وزيرة الثقافة وواقعة اختفاء ستة مجلدات من مجلة "الوقائع"
وزيرة الثقافة وواقعة اختفاء ستة مجلدات من مجلة "الوقائع"

وقال رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي (معارض) النائب إيهاب منصور إن نواب حزبه يستخدمون أدواتهم الرقابية دون تضييق عليهم من رئيس البرلمان، وهناك توسع حقيقي في مواجهة الوزراء بالمشكلات، لكن الأزمة تكمن في عدم الاستجابة للمطالب، وفي بعض الأحيان عدم فهم الحكومة لبعض المطالب والرد على النواب ببيانات مختلفة عن التي طالبوا بها.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن عدم تجاوب الحكومة مع مطالب البرلمان وتباطئها في أحيان أخرى يؤديان في حالات عديدة إلى تعطيل عمل المجلس أو تعطيل تنفيذ القوانين مثلما هو الحال بالنسبة إلى التصالح في مخالفات البناء، والذي جرى إقراره قبل ثلاث سنوات ولم ينفذ واضطرت الحكومة إلى إدخال تعديلات أخيرة عليه.

ولا يعد التقدم بطلب الإحاطة في حد ذاته إنجازا، والأصعب مناقشته ومتابعة تنفيذه، كما أن قلة الاستجوابات لا ترجع إلى موقف مسبق من البرلمان لكن الأمر يتعلق بعدم استيفاء شروطه من جانب النواب، وإتاحة المعلومات المطلوبة لتقديمه، ما يشير إلى وجود أزمة مركبة بين البرلمان والحكومة.

ولا تنفصل خطوات البرلمان التوسعية في استخدام أدوات الرقابة عن أجواء عامة تحاول الحكومة تهيئتها لإنجاح الحوار الوطني المتأخر حتى الآن، وتدرك أن سقف القضايا المطروحة خلال جلساته المزمع انطلاقها الشهر المقبل ستكون أعلى كثيرا مما يتم النقاش حوله تحت قبة البرلمان.

وقال نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية عمرو هاشم ربيع إن البرلمان يواجه أزمة قيامه على نظام انتخابي “أغلبي” وليس “نسبيا”، بمعنى أن نوابه سواء الذين جرى انتخابهم وفقًا للنظام الفردي أو القائمة المطلقة يعبرون عن مصالح ضيقة وليست لديهم رؤى لتعديل سياسات عامة، ما يجعلنا أمام سيل من طلبات الإحاطة والأسئلة البرلمانية ولا يترتب عليها تعديل في سياسات الحكومة أو قراراتها.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن عدم استجابة الحكومة يرجع إلى ضعف البرلمان وفي حال مثلت وزيرة الثقافة أو أي من الوزراء أمام البرلمان تتحول الكثير من الجلسات إلى ما يشبه طريقة “فض المجالس”، مشيرا إلى أن نواب البرلمان يفتقرون إلى القوة التي تُمكنهم من ملاحقة الوزراء والتعرف على نتائج تنفيذ طلبات الإحاطة التي تقدموا بها مع استمرار هيمنة السلطة التنفيذية على ما تتم مناقشته من تشريعات داخله.

2