ماذا ينتظر التونسيون من أبنائهم في المهجر

البيانات التي كشفها البنك المركزي مؤخرا مطمئنة ومريحة لكنها ليست جديرة بأن تحل المشكلة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد ولا هي بمثابة العلاج الشافي لاقتصاد يتمدد على سرير الإنعاش منذ سنوات.
الأربعاء 2022/11/30
تحويلات التونسيين بالخارج تمثّل ضعف عائدات القطاع السياحي

كثيرا ما يمجّد السياسيون التونسيون ويغازلون الثروات البشرية للبلاد معتبرين إياها “نفط تونس وبترولها” في إشارة إلى أن دولتهم التي تفتقد إلى الثروات الطبيعية على عكس جارتيها الجزائر وليبيا، بإمكانها تدارك فقرها عبر ما يوفره أبناؤها من عائدات.

وبالفعل، استطاع المغتربون التونسيون أن يسدوا بعض النقص في العملات الأجنبية عبر التحويلات من الخارج، وتنشيط السياحة الداخلية في العطلات الصيفية، ولكن ليس إلى مستوى الدرجة المتوقعة والمطلوبة.

بيانات البنك المركزي التونسي كشفت مؤخرا بلوغ تحويلات المغتربين ما يقارب ملياري دولار منذ بداية العام حتى الحادي والثلاثين من أكتوبر الماضي، مسجلة زيادة بنسبة 12.7 في المئة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.

◘ الفائدة المرجوة من الهجرة تبقى قائمة ويعول عليها من طرف اقتصاد الدولة رغم سلبياتها وكثرة مشاكلها في الحالات غير النظامية كالمراكب المتهالكة وما تسببه من مآس على مدار العام

وزادت قيمة تحويلات التونسيين في المهجر ما يعادل 251 مليون دولار. وتجدر الإشارة إلى أن تحويلات التونسيين بالخارج تمثّل ضعف عائدات القطاع السياحي التونسي كما يؤكد الخبراء في هذا المجال.

هي معطيات مطمئنة ومريحة، لكنها ليست جديرة بأن تحل المشكلة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، ولا هي بمثابة العلاج الشافي لاقتصاد يتمدد على سرير الإنعاش منذ سنوات.

الأسباب عديدة ومتنوعة، منها أن البلدان التي يقيم ويعيش فيها المغتربون التونسيون، هي نفسها، تعاني مشاكل اقتصادية وأزمات اجتماعية حادة كالبطالة والانكماش الاقتصادي وغلاء المعيشة، خاصة في ظل الأزمة الأوكرانية – الروسية وتأثيراتها على أسواق القمح والغاز والنفط.

كما أن غالبية العمال التونسيين في الخارج يقيمون مع عائلاتهم في بلدان الاغتراب وليسوا مضطرين إلى تحويل مبالغ معتبرة إلى أقاربهم داخل البلاد ثم أن أكثريتهم من العمال والموظفين ذوي الدخل المحدود، وليسوا من التجار وأصحاب المحلات والمشاريع التجارية كما هو الشأن لدى مغتربين من الشرق الأوسط مثلا.

وليس لدى التونسيين باع وتاريخ قديم مع الاغتراب إلا في البلدان الأوروبية والمتوسطية كما هو الحال مع اللبنانيين والسوريين في الأميركيتين منذ القرن التاسع عشر، إذ لم تشهد ما شهدته تلك المناطق من حروب ونزاعات وأزمات.

وعلى الرغم من أن دولة الاستقلال شجعت منذ قيامها منتصف الخمسينات على الهجرة بدافع التنمية الاقتصادية والبشرية، لكن ارتباط التونسيين بأرضهم ظل متينا، وذلك على عكس سكان الشرق الأوسط.

ومع ذلك، مضت الدولة التونسية في تنظيم وهيكلة الهجرة لتوفير فرص العمل والاستفادة من العائدات والتحويلات، وذلك عبر مؤسسة تعرف بـ”ديوان التونسيين بالخارج” الذي شرع مؤخرا في إطار خطته الاتصالية الجديدة في نشر كافة المعطيات حول أسواق العمل بالخارج، في وقت يؤكد فيه مسؤولوه أهمية ربط الصلة مع أبناء الجالية التونسية بالمهجر.

ويشار إلى أن عدد التونسيين بالمهجر يبلغ ما يزيد عن 1.4 مليون شخص، من بينهم شريحة مهمة من الكفاءات وذوي الخبرات تصل إلى 170 ألف شخص. الأمر الذي أثار بالمقابل، قلقا متزايدا حول تفريغ البلاد من ذوي الكفاءات في الطب على وجه الخصوص، إذ يستنزف التعليم العالي ميزانية الدولة دون أن تستفيد منه البلاد.

◘ المغتربون التونسيون استطاعوا أن يسدوا بعض النقص في العملات الأجنبية عبر التحويلات من الخارج، وتنشيط السياحة الداخلية في العطلات الصيفية

وتبقى الفائدة المرجوة من الهجرة قائمة ويعول عليها من طرف اقتصاد الدولة رغم سلبياتها وكثرة مشاكلها في الحالات غير النظامية كالمراكب المتهالكة وما تسببه من مآس على مدار العام، بالإضافة إلى أمراض اجتماعية كثيرة كالمخدرات والتطرف الديني، وسقوط عدد كبير من الشباب في فخ الإرهاب.

الأرقام التي قدمها البنك المركزي التونسي حول قيمة المبالغ المحولة من الخارج من طرف العمال والمهاجرين تُعتبر مؤشرا جيدا وبإمكانه أن يسهم في إنقاذ البلاد، لكنه ما زال غير كاف مقارنة بما يقدمه العمال المصريون في الخارج لبلادهم في أزمتها.

وساهم هؤلاء بالفعل في إنقاذ بلادهم استجابة لنداءات الحكومة، وبفضل روح التكاتف الاجتماعي التي يتحلى بها المصريون، لكن الأمر قد يختلف لدى التونسيين، ليس بسبب غياب هذا الدافع المعنوي، وإنما لقلة عددهم مقارنة بالمصريين، بالإضافة إلى الظروف التي تحيط بالبلاد داخليا وخارجيا، علاوة على ثقافة الحلول الفردية وضعف وازع العائلة الموسعة والعشيرة، على عكس المجتمع المصري الذي ما زال قبليا في تركيبته.

ومهما يكن من أمر، تبقى المؤشرات إيجابية رغم ضبابية الظرف العام، وتبقى جملة “التونسي للتونسي رحمة” التي رفعتها حكومات الرئيس التونسي الأسبق الراحل زين العابدين بن علي في سياستها الاجتماعية شعارا تجسد في أكثر من موقف رغم حالات الفساد والتلاعب.

ويتداول التونسيون طرفة مفادها أن شابا تقدم لخطبة فتاة وحين سأله أهلها عن راتبه، قال لهم إن أخاه يعمل في إيطاليا.

9