خطايا الذاكرة

في كتابه الجديد يطمح ريتشارد ريستاك إلى التغلب على مشاكل الذاكرة اليومية. ويشير إلى عشر "خطايا"، أو "عوائق يمكن أن تؤدي إلى ذكريات مفقودة أو مشوهة".
الاثنين 2022/11/28
أكبر عائق للذاكرة هو الإلهاء

سألت ثلاثة من أشهر أطباء بريطانيا في الأعصاب، أحدهم قلده ملك بريطانيا تشارلز الثالث أرفع الأوسمة، والآخر سيكون المريض محظوظا لو حصل منه على موعد قريب بعد خمسة أشهر!

سألتهم عن العلاقة بين الذاكرة والأعصاب. إنه لأمر مفهوم أن تتراجع ذاكرة الإنسان كلما تقدم في العمر، لكن كيف نجد تفسيرا لمن تتوقد ذاكرته مع تقدمه في العمر.

لم أحصل من الأطباء الثلاثة على غير تفسيرات انطباعية بنفس ما يمكن أن يصل إليها الناقد التشكيلي في تحليل للوحة فنية. بيد أنني اليوم تمتعت بقراءة عرض كتاب جديد لعالم الأعصاب الدكتور ريتشارد ريستاك "الدليل الكامل للذاكرة: علم تقوية عقلك" يجيب على بعض الأسئلة التي طالما جعلتني أتخيل كتابة رواية تستند على تحليل الحس العصبي للإنسان وكيف يرتبط بالذاكرة. تكون الأعصاب في تلك الرواية المتخيلة بمثابة الرائحة في رواية الألماني باتريك زوسكيند "العطر" التي كانت لفرط عطرها تجعل القارئ يشمها في متن النص. يقرأ لكن أنفه يتخيل الرائحة المكتوبة لدرجة استنشاقها!

ريستاك طبيب الأعصاب والأستاذ في كلية الطب بجامعة جورج واشنطن، لا يرى في كتابه "الدليل الكامل للذاكرة" أن تدهور الذاكرة أمر حتمي مع تقدم العمر، مع ذلك، يتخطى الدكتور ريستاك مؤلف أكثر من عشرين كتابا متعلقة بأمراض الذاكرة، هذه المنطقة المألوفة، مع الأخذ في الاعتبار كل جانب من جوانب الذاكرة، وكيف ترتبط بالتفكير الإبداعي، وتأثير التكنولوجيا عليها، وكيف تشكل الذاكرة الهوية الشخصية.

ي

وفي كتابه الجديد يطمح إلى التغلب على مشاكل الذاكرة اليومية. ويشير إلى عشر “خطايا”، أو “عوائق يمكن أن تؤدي إلى ذكريات مفقودة أو مشوهة”. سبع منها تم التوصل إليها من قبلْ، مثل “خطايا الإغفال” المتمثلة في شرود الذهن، وخطايا مرتبطة بالذكريات المشوهة.

لكنه أضاف إليها ثلاثا جديدة هي التشويه والتشتيت التكنولوجي والاكتئاب.

أيضا يقدم لنا في هذا الكتاب جملة نصائح طبية مجانية لتقوية ذاكرتنا “لسوء الحظ لا تفيد ذاكرتي التي تأبى نسيان كل ما مر عليها”.

مثلا هو لا يرى في بعض هفوات الذاكرة مرضا وإنما يعزوها إلى مشاكل في الانتباه، وليست مشاكل في الذاكرة. على سبيل المثال، إذا نسيت اسم شخص قابلته في حفل ما، فقد يكون ذلك بسبب أنك كنت تتحدث مع عدة أشخاص في ذلك الوقت ولم تنتبه بشكل صحيح عندما سمعت اسمه.

يقول الدكتور ريستاك “إن عدم الانتباه هو السبب الأكبر لصعوبات الذاكرة، وهذا يعني أنك لم تقم بتشفير الذاكرة بشكل صحيح”.

لذلك ينصحنا بمرادف صوري للأسماء نحتفظ به في الذاكرة بطريقة “حاول أن ترى العناصر في عقلك” فأحد المؤشرات المبكرة لمشاكل الذاكرة، هو التخلي عن الخيال. يقول “يميل الناس، عندما يعانون من صعوبات في الذاكرة، إلى التحول إلى قراءة القصص الخيالية”.

ولاحظ بعد عقود من علاج الآلاف من المرضى أن قراءة الرواية تتطلب تفاعلا نشطا مع النص.

لكن الأهم من كل ذلك خطايا الذاكرة المعاصرة التي يدرسها مؤلف كتاب “الدليل الكامل للذاكرة” التي تبدأ بما يسميه “التشويه التكنولوجي”. فتخزين كل شيء على الهاتف يعني أنك “لا تعرف ذلك”، مما قد يؤدي إلى تآكل قدراتنا العقلية. فحفظ الأشياء لا يعني التركيز نيابة عن ذاكرة الهاتف، بقدر ما يعني تخيل هذه الأشياء من أجل أن تبقى في الذاكرة.

أما الأمر الثاني المضر بالذاكرة ذلك الذي يأخذ تركيزنا بعيدا عن المهمة التي في متناول اليد. ففي أيامنا هذه، أكبر عائق للذاكرة هو الإلهاء.

20