التونسيون لرئيسة الحكومة: للصبر حدود يا سيدتي

“أجل ما نخشاه يا سيادة الرئيس أن تتشبه برئيس النظام السوري الراحل حافظ الأسد حين كان يعيّن حكومة رخوة فاقدة للشخصية كي يبقى هو سيد القرارات ومحل اهتمام الجميع”.
هذا ما دوّنه أحد قارئي المشهد السياسي التونسي على صفحته في معرض نقده لأداء الحكومة التونسية الذي يبدو باهتا ويتسم بالسلبية الإعلامية، والاهتمام بصغائر الأمور متناسيا الأساسيات من القضايا الملحة.
ووصلت حالة توجس حكومة نجلاء بودن، من أي نقد يوجه لها، إلى درجة التحقيق مع مدير موقع “بزنس نيوز” نزار بهلول، متهمة إياه بنشر أخبار غير صحيحة وشتم رئيسة الحكومة والادعاء بالباطل، فيما يواجه بهلول تهما قد تصل عقوبتها إلى السجن 10 سنوات، على خلفية مقال تحليلي نقدي للحصيلة السلبية للحكومة كما جاء في بيان نقابة الصحافيين التونسيين.
أخطاء وتجاوزات بالمفرق والجملة، تسجل ضد الحكومة، مما يدل على أن حالة النزق هذه في التعامل مع الصحافيين الذين تراجعت مساحة حرياتهم، تعكس أداء حكوميا مضطربا ومتشنجا، على عكس رئاسة الدولة التي تبدو حاسمة في اتخاذ قرارات يراها قسم كبير من التونسيين صائبة، لاسيما فيما يخص محاصرة الفساد.
اضطراب ترافقه حالة من التكتم لحكومة مضى أكثر من عام على أدائها لليمين الدستورية وسط أجواء حانقة عند خروج البلاد من جائحة كورونا، وفي ظل اقتصاد منهك بعد العشرية التي يصفها التونسيون بالسوداء، أثناء فترة حكم الإسلاميين وحلفائهم.
وكان الأجدر بالسيدة التي تبلغ 63 عاما، وكانت تشرف على تنفيذ خطة البنك الدولي في وزارة التعليم العالي، أن تلتفت إلى مكافحة الفساد وإعادة الأمل إلى التونسيين، بدل التباهي بمجرد الحصول على التمويل الخارجي في غياب برنامج اقتصادي واضح.. وهو ما سوف يزيد الأمور تعقيدا.
الصمت ليس حلا يا معالي رئيسة الحكومة التي استبشر التونسيون بتعيينها بعد أن سئموا من طواويس السياسة الذكورية
خبراء المال والاقتصاد يجمعون على أن حصيلة الحكومة التي تترأسها امرأة في بادرة هي الأولى في العالم العربي، كانت هزيلة ولم تلب تطلعات التونسيين الذين لم تعد تعنيهم رمزية هذا التعيين، بقدر ما تعنيهم الحلول الناجعة لوضعية معيشية حرجة.
وفي هذا الصدد، تحدث خبراء اقتصاديون تونسيون عن غياب بوصلة في أداء الفريق الحكومي على امتداد عام كامل لم يعرف خلاله برنامج واضح لإدارة الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، كما أن حكومة بودن لم تعتمد خطة تأخذ بالاعتبار التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية داخل تونس وخارجها.
الحكومة الآن، مطالبة، وأكثر من أي وقت مضى، بالمبادرة بتنفيذ حملة علاقات عامة تترافق مع برنامج اقتصادي صارم، واضح وناجع، وتشمل هذه الخطة الابتعاد عن صغائر الأمور من قبيل التضييق على الصحافة والحريات الفردية، والاهتمام جديا بما يهدد قوت المواطن الذي أصبح يقف في الطوابير في سبيل الحصول على مواد أساسية يحتكرها المضاربون والفاسدون.
مصارحة الشعب هي من أولى مهمات الحكومة، خصوصا في تعهداتها مع صندوق النقد الدولي، وكذلك حتمية الإصلاح الضريبي، وذلك من أجل كسب الثقة وحرصا على أمن البلاد ودرءا للأخطاء والثغرات التي يمكن أن يتسلل من خلالها الإسلاميون على وجه الخصوص، ولطالما اصطاد هؤلاء في المياه العكرة.. والأجواء التونسية ليست صافية بالشكل الذي يجب أن تكون عليه.
الجميع يعلم أن الاستدانة المالية من الجهات الخارجية المانحة ـ مثل الكذب ـ حبلها قصير، وليست حلا مستداما ثم إنها دائرة مفرغة، إذا علمنا أن الحكومة تطلب اعتمادات مالية من أجل دفع رواتب جيش هائل من الموظفين وإصلاح اقتصادي ظرفي تشترط الجهات المانحة تنفيذه من أجل الحصول على تلك المساعدات المسمومة.
حكومة نجلاء بودن، تقابل كل هذه المشاكل بالصمت المريب، وهو أخطر من المصارحة التي تساهم في اجتراح الحلول، تماما مثل حال الطبيب في التعامل مع مرضاه، دون إثارة الرعب والفزع في نفوسهم.
الصمت ليس حلا يا معالي رئيسة الحكومة التي استبشر التونسيون بتعيينها بعد أن سئموا من طواويس السياسة الذكورية. واستمدت غالبية التونسيين والتونسيات هذا التفاؤل من كونها سيدة نزيهة ومعينة من شخص نزيه.. لكن للصبر حدود يا سيدتي.