خطوات لا تشبهنا

حينما يوشك أن يفقد الواحد توازنه النفسي والمعنوي، يحاول أن يظهر بمظهر الواثق العارف المتمكن، بل المتفوق والمتألق.
الثلاثاء 2022/11/08
أيام هوليوودية لكن بخطوات لا تشبه خطواتنا

من يرى "القطر التونسي الشقيق" كما يسميه بعض الماكرين هنا في تونس، يغدق العطاء والجوائز والتكريمات في المهرجانات والاحتفاليات العربية والأفريقية والدولية، يظن أن البلاد في بحبوحة من العيش.

هذا مهرجان قرطاج السينمائي يسدل الستار في دورته الحالية عن مكرمين وفائزين ومتوجين بالجملة والمفرق ويحاول بعضهم وبعضهن أن يقلد نجوم الأوسكار ببدلات سموكن وفساتين براقة فوق بساط أحمر غير محكم الانبساط والتثبيت وقد سبق أن تعثر فوقه الكثيرون.

هذه أفخم الفنادق التي جفاها السياح، تصد وتكشر في وجوه البسطاء الطيبين من أبناء البلد وتفتح أجنحتها الفخمة بسخاء للمعروفين والنكرات من نجوم السينما العربية والأفريقية وكأنهم جاؤوا لينقذوا البلاد من أزمتها الاقتصادية الخانقة.

كل شيء يوحي بالتعافي والفخامة ورغد العيش حين يكابر الأفراد وكذلك الدول، على أنفسهم ويحاولون أن يعضوا على جراحهم والابتسامة لعدسات المصورين.

ليس الأمر قسوة في نقد تونس البهية وأهلها الطيبين، وأنا واحد منهم ومن ذوي الشهادات المجروحة، لكن الحالة تنطبق على الكثير من الدول العربية، وخاصة تلك التي لا تمتلك ثروات طبيعية وموارد بشرية وتنمية اقتصادية.

حينما يوشك أن يفقد الواحد توازنه النفسي والمعنوي، يحاول أن يظهر بمظهر الواثق العارف المتمكن، بل المتفوق والمتألق.

هي طبيعة بشرية تنطبق على الدول والأفراد والمجتمعات فيبالغ الواحد منا في تغطية عيوبه إلى حد إظهارها كالسكران الذي يحاول أن لا يبدو مترنحا أمام الآخرين، ولكن يخونه لسانه الملتوي وخطواته العريضة والمستقيمة.

وحدهم الفقراء والمحتاجون يبالغون في تكريم الضيف وقد ينحرون له الشاة التي تدر عليهم باللبن، ووحدهم البائسون والعراة هم الذين يحتفلون بلباس الأعياد ويقيمون الأيام والليالي الملاح.

“عاش من عرف قدره فوقف عنده” حكمة ذهبية لا يقدرها إلا ذوو العقول الراجحة، إذ كيف يمد الواحد قدميه على مقاس أكثر من كسائه.. اللهم إلا إذا كان عاريا ولا يمتلك كساء من أصله.

حدثني أحد الذين عاشوا طفولة فقيرة وقاسية يوما أنه وإخوته كانوا يفرحون فرحا كبيرا كلما جاءهم ضيف، وذلك لأن والده يغدق الصرف على الطعام والشراب في هذه المناسبة، وتخرج والدته الصحون والأواني "المحترمة" لتضعها على المائدة ثم تعيدها إلى الخزانة فور رحيل الضيف.

وفي مثل هذه المناسبات تكثر الملاطفات والكلام المنمق بين أفراد الأسرة، تماما مثل ما يقع في الاحتفاليات والمهرجانات التي تقيمها المؤسسات الرسمية في غالبية البلدان العربية.

وبالعودة إلى مهرجان قرطاج السينمائي فقد عشنا على إيقاعه أياما هوليوودية ولكن بخطوات لا تشبه خطواتنا.

20