منصة الشارقة للأفلام تحتفي بالسينما المستقلة من الشرق والغرب

نافذة متجددة على آخر إنتاجات السينما العربية والعالمية.
الثلاثاء 2022/11/01
أفلام بقضايا مثيرة (فيلم "قدحة")

اختتمت منصة الشارقة للأفلام نسختها الجديدة التي حاولت أن تقدم صورة بانورامية عن مستجدات الإنتاجات السينمائية العربية والعالمية، كما ترسخ التظاهرة مكانتها كواحدة من المساحات العربية الهامة لنقاش قضايا الفن السينمائي وتحدياته ورهاناته من خلال ورشات وندوات علاوة على عروض الأفلام المتنوعة.

الشارقة – اختتمت منصة الشارقة للأفلام نسختها الخامسة التي انتظمت من الحادي والعشرين إلى الثلاثين أكتوبر 2022 بتتويج الأفلام التالية: “أوراق كوباكابانا” للأرجنتيني فرناندو بورتاباليس كأفضل فيلم تجريبي طويل، و”كيف تعكس تعويذة: وعد الأرشيف” للمغربية ياسمين بن عبدالله كأفضل فيلم تجريبي قصير، ونال فيلم “النشأة” للروسي ياروسلاف بولافين إشادة شرفية. في حين نال “قدحة، حياة ثانية” للتونسي أنيس الأسود جائزة أفضل فيلم روائي طويل، “ومرحبا” للتشيلية كاثرين مازوير أفضل فيلم روائي قصير، ونال فيلم “الاستراحة” للإسبانية نافيد نكهاه إزاد إشادة شرفية.

أما في فئة الأفلام الوثائقية فقد فاز “روافد الأمازون” من البيرو من إخراج ألفارو سارمينتو، دييغو سارمينتو وتيري تومستو بجائزة أفضل فيلم وثائقي طويل، وفاز “20 جنيه في الشهر” للمصري حسن أيمن أبودومة كأفضل فيلم وثائقي قصير، ونال فيلم “كما أريد” لسماهر القاضي إشادة شرفية. وقد فاز في مسابقة النصّ الفائز بالملتقى التشاركي نص “نبيل” لسميحة بنت سعيد علوي.

شرق وغرب

يصور فيلم “أوراق كوباكابانا” كيف يسعى الفنان الإِشكالي سيرجيو دي لوف للحصول على مساعدة مالية بهدف بناء مركز ثقافي جديد، لكن الأمر ينتهي بتوجيه تهمة الاحتيال إليه، لأنه قرّر إنفاق الأموال على آخر أعماله الفنية الرائعة وهو: العيش في جناح 951 في قصر كوباكابانا الأسطوري.

ويشكل فيلم “كيف تعكس تعويذة: وعد الأرشيف” لوحة ثلاثية تأملية تستعرض اختفاء الأرشيفات العامة المغربية، والتهجير الاستعماري للفيديوهات، وأخيراً، صلاة لأجل حدوث توهج شمسي مروّع يمكن أن يعيد الأشياء إلى ما كانت عليه من قبل.

وفي فيلم “النشأة” يصوّر ياروسلاف بولافين في الفيلم تكوين الأرض وأصل الحياة بصورة جريئة، وقد أنجزه بدون فريق تصوير، مستعيناً بمجموعة من الإستراتيجيات السينمائية المبتكرة التي لا تتضمن تأثيرات بصرية حاسوبية.

وبالنسبة إلى الأفلام الروائية الفائزة، فيمثل فيلم “قدحة” التونسي حالة الضياع بالنسبة إلى ابن يلقي غيابُ أبيه بظلاله على طفولته، وهو البالغ 12 سنة من عمره، بعدما تغيرت حياته وحياة والدته إثر تعرضه لحادث مروري وخضوعه لعملية جراحية، إلا أنّ صداقة قوية جمعته مع عائلة ميسورة دفعتها للتكفل بعلاجه حتى يتكشّف له سر خطير.

وفي فيلم “مرحبا” يعترف شاب لصديقه أنه واقع في غرام جارته التي تكبره سناً، والتي لا يبدو أنها تلحظ وجوده من الأساس. يتناول الفيلم وجهات نظر مختلفة للحديث عن إضاعتنا للعديد من الفرص في حياتنا نتيجة الخوف من اتباع ما يمليه القلب.

وفي فيلم “الاستراحة” تصمم سحر البالغة 17 عاماً على مشاهدة فريقها المفضل في بطولة الدوري، ونظراً إلى أن النساء ممنوعات من حضور الفعاليات الرياضية، ترتدي سحر ملابس صبيانية بمساعدة أصدقائها، لكن الأمور تتخذ منحىً مختلفاً عندما ينكشف تنكرها.

وبالحديث عن الأفلام الوثائقية المتوجة، يصور “روافد الأمازون” كيف تشكل قوارب الشحن طريقة النقل الوحيدة على طول الضفاف البيروفية على نهر الأمازون. يتأمل المخرجان ألفارو ودييغو سارمينتو، يرافقهما عالم الأنثروبولوجيا تيري تومستو، أنشطة القوارب العادية، والتي تمثل كواليس الحياة اليومية للسكان الأصليين الذين يحاولون التعايش مع معضلات الحداثة.

ويتتبع فيلم “20 جنيه في الشهر” الحياة اليومية لجد المخرج بعد تشخيصه بمرض الزهايمر، وتنتقل الصورة بين مشاهد المنزل القديم والمشاهد الحالية راصداً الذكريات المتلاشية وتلك الباقية. ويظهر فيلم “كما أريد” كيف تتمرد مجموعة من النساء الغاضبات ضد سلسلة من الاعتداءات الجنسية التي تحدث في ميدان التحرير في القاهرة إبان الذكرى الثانية للثورة يوم الخامس والعشرين يناير 2013، فتتبعهم المخرجة حاملة جنينها وكاميرتها في رحلة معمقة تعود بها إلى طفولتها في فلسطين.

إفساح المجال للهامش

تأتي منصة الشارقة للأفلام احتفاء بالسينما المستقلة، وتخبرنا عن الجديد المستقلّ الذي يتناول قضايا من العالم العربي أو قضايا تهم المنطقة من أرجاء مختلفة من العالم، بالإضافة إلى جانب من القضايا المفتوحة ذات الأبعاد التي تتقاطع مع اهتمامات الشرق والغرب معاً، والتي تسلّط الأضواء على حالات إنسانية، قد تبدو مفارقة أو غريبة أو يمكن أن توصف بأنها جنونية من قبل البعض، مثال على ذلك فيلم “أوراق كوباكابانا”.

تعدّ المنصّة حدثاً سنوياً بارزاً للممارسات المستقلة في السينما والأفلام الوثائقية وصور التحريك، وتمنح المجال للاطلاع على الجديد في هذا العالم الرحب. وتتأتى أهمية المنصة من كونها تفسح المجال للهامش كي يتصدّر الشاشة، وتمنحه الفرصة للحضور والعرض بشكل أوسع، وفي حال الفوز بجائزة من الجوائز المخصصة للفئات المختلفة فإنها تساهم بدفعة قوية للعمل وتقوم بتصديره بشكل أكبر، ومن هنا يصبح الهامش متناً ويوسّع رقعة حضوره ومن ثمّ نسب مشاهداته.

النسخة الخامسة من المنصة عرض فيها العديد من الأفلام الطويلة والقصيرة الحديثة في الفئات الروائية والوثائقية والتجريبية

وحصلت الأفلام المختارة من قبل لجنة تحكيم خارجية مكوّنة من السينمائيين والنقاد والمنتجين، على جوائز منصة الشارقة للأفلام لأفضل فيلم روائي، وأفضل فيلم وثائقي، وأفضل فيلم تجريبي، وأعلن عنها في اليوم الأخير للمنصة.

واستمرت الفعالية لعشرة أيام وتضمنت مجموعة واسعة من الأفلام الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى ندوات وجلسات حوارية مع منتجي الأفلام والعاملين في القطاع السينمائي.

وأقيمت منصة الشارقة للأفلام بتنظيم من مؤسسة الشارقة للفنون، وهي تهدف إلى تسليط الأضواء على الإنجازات السينمائية الأخيرة لمنتجي الأفلام والفنانين العالميين، وكلاسيكيات جديرة بالتقدير من المنطقة، وأفلام تجريبية تتحدى فكرة الممارسة السينمائية في الوقت الحاضر.

وعرض في النسخة الخامسة من المنصة العديد من الأفلام الطويلة والقصيرة الحديثة في الفئات الروائية والوثائقية والتجريبية، بالإضافة إلى برنامج “تحت دائرة الضوء” الذي أبرز مسيرة منتجي الأفلام المكرسين ممن ساهموا في نشر الثقافة السينمائية في المنطقة وخارجها، إلى جانب المبادرات الأخرى بالتعاون مع المؤسسات العالمية.

وتخلل منصة الشارقة للأفلام برنامج حافل بالورش والدورات المتخصصة والجلسات الحوارية والنقاشية التي تناولت القضايا المستجدة حول إنتاج صور التحريك الفني، وتبادل المعرفة العميقة بين منتجي السينما.

وأعلنت المنصة عن استقبال المشاركات المتنافسة للفوز بجائزة منحة إنتاج الأفلام القصيرة، حيث يتقاسم الفائزون مبلغاً قدره 30 ألف دولار أميركي بحسب عددهم واحتياجاتهم الإنتاجية، وتعمد إلى إقامة العرض الأول للأفلام الفائزة في النسخ اللاحقة من المنصة.

المنصة تخللها برنامج حافل بالورشات والدورات المتخصصة والجلسات الحوارية والنقاشية التي تناولت قضايا الفن السينمائي المستجدة

وتم عرض أكثر من 30 فيلماً من جميع أنحاء العالم، وقُدم برنامج عام من الجلسات النقاشية والحوارية، والدورات المتخصصة، وورش تتناول موضوعات مفاهيمية وعملية، ما وفر فرصة للمشاركين لمقاربة القضايا البارزة والملحة في إنتاج السينما والأفلام المعاصرة والممارسة السينمائية عموماً.

وأقامت المنصة بالشراكة مع البعثة الدبلوماسية الأميركية في الإمارات العربية المتحدة وكلية الفنون والعلوم الإنسانية في جامعة نيويورك أبوظبي برنامجاً من الجلسات الحوارية ركز على الأصوات والقصص البديلة والمهمشة في السينما وصور التحريك الفني، بالإضافة إلى جلسات تركز على النقاشات الراهنة في إنتاج الأفلام. وكان البرنامج بعنوان “عدسات بديلة: قصص وأصوات من الحدود” وكان عبارة عن جزء من أسبوع السينما الأميركية.

وكانت هناك جلسة حوارية عن “دراسة حالة – الحياة تحت الأرض: صناعة فيلم وثائقي تفاعلي”، حيث قدم المخرج هيرفي كوهين في هذه الجلسة الحوارية مشروعه الطموح القائم على وسائط متعدّدة “الحياة تحت الأرض”، وهو فيلم وثائقي على الإنترنت صوّره في أكثر من 17 مدينة على امتداد أربع قارات وبأكثر من 11 لغة. تحدث عن حيثيات إنتاج فيلمه وكيف أنه التقى كثيرين وتحدث معهم في مواضيع عن الحب والأسرة والهجرة وغير ذلك، كاشفاً عن المشتركات الإنسانية من خلال قصص عادية.

وكانت هنالك جلسة حوارية بعنوان “تخوم وهوامش وهجرات: حوار مع كريستينا إيبارا” أدارها أستاذ السينما والإعلام الجديد في جامعة نيويورك أبوظبي ديل هدسون للحديث عن تجاربها في اجتياز الحدود الفاصلة بين تكساس والمكسيك. وهي التي يتحدث فيلمها الوثائقي “المتسللون” عن مهمة سرية في أحد مراكز الاعتقال يقوم بها مجموعة من النشطاء غير المسجلين. واستعرضت إيبارا جوانب من التعقيدات التي يواجهها المجتمع المكسيكي الأميركي من جهة، والتجارب التي يعيشها المهاجرون من جهة أخرى.

وناقش خبير إستراتيجيات التوزيع بيتر برودريك في جلسة “فهم المستقبل: مستجدات توزيع الأفلام المستقلة” الفرص والتحديات غير المسبوقة التي يواجهها منتجو الأفلام المستقلين في “عالم التوزيع الجديد”، وكشف عن التقنيات المبتكرة التي يستخدمها منتجو الأفلام لتسخير العروض الافتراضية للأفلام، والتواصل مع الجمهور وسبل استهدافه، ووضع إستراتيجيات التوزيع المخصصة، ومضاعفة العائدات، وبناء الجمهور الشخصي في سبيل دعم الأعمال المستقبلية.

يشار إلى أن قائمة الأفلام الفائزة في الدورات السابقة تتضمن فيلم “تلك الغيمة ما فارقتنا قط” (2019) من إخراج ياشاويني راغوناندان، وفيلم “عندي صورة: الفيلم 1001 في حياة أقدم كومبارس في العالم” (2017) من إخراج محمد زيدان، وفيلم “السحابة المظلمة” (2019) من إخراج ندوميسو منغوني، وفيلم “لوتس” (2019) من إخراج محمد رضا فاتندوست، وفيلم “ذاكرة عبّاد الشمس” من إخراج مي زاي.

14