يعقوب بلحاسني شاب "حراق" متهم بلبس ثوب دبلوماسي وخداع الجميع

كبار المسؤولين في الجزائر يقعون ضحية هشاشة مؤسساتهم.
الأحد 2022/10/23
شاب جريء وذكي

بالمعيار البيولوجي هو شاب يافع، وبالمأثور الشعبي هو مراهق أمرد، لكنه في جميع الحالات ظهر جريئا وذكيا، وإلا لما أوقع بمسؤولين مدنيين وعسكريين سامين في الدولة في شراكه، ولما استطاع أن يقدّم نفسه في وسائل إعلام محلية وعربية، على أنه مستشار في رئاسة الجمهورية، وجرد الكثير منهم من أموالهم، حسبما يتهم به ولم يثبت حتى الآن، على أمل أن يتدخل لدى رئيس الدولة لتزكيتهم في شغل مناصب أو ترقية.

اهتز الشارع الجزائري والدوائر الرسمية في الجزائر على وقع فضيحة نصب واحتيال بطلها شاب جزائري يدعى يعقوب بلحاسني يبلغ من العمر 22 عاماً، هاجر إلى اليونان سراً، وهناك تخصص في السياسة والسياسيين والتواصل مع كبار المسؤولين، مظهرا قدرا كبيرا من الجرأة.

بوكس

جرأة خارقة أم بلادة مكدسة

ولا تخلو صفحات الحوادث في الجزائر من عمليات مماثلة ومن منتحلي صفات رسمية من أجل النصب على الفئات الاجتماعية الهشة، لكن بلحاسني، ووفقاً للنيابة الجزائرية، استهدف من اليونان مباشرة، الوزراء والسفراء وكبار الضباط والموظفين، وسوّق لنفسه على أنه مستشار في الرئاسة مكلف بالأمن والشؤون الخارجية، وكثيرا ما أدلى بدلوه في قضايا وملفات دبلوماسية على الفضاء والأثير.

أما الضحايا فالأكيد أن المحكمة تستقبل شكاواهم في هذه الأثناء، لكن مصادر مطلعة كانت تحدثت منذ أسابيع، وقبل أن يتم الكشف عن الفضيحة، عن وقوع مسؤولين كبار في شراك نصاب كان يقدم لهم وعودا بالترقية أو الحفاظ على مناصبهم خلال الحركات الدورية التي تجريها السلطة على موظفي الدولة، مقابل حصوله على عمولات.

وفوق ذلك كان حضوره لافتا في مختلف وسائل الاعلام المحلية وحتى العربية، وعادة ما يُقدم كمحلل سياسي وإستراتيجي، ومستشار رئاسي للأمن والشؤون الخارجية، والخطأ هنا برأي البعض في ما وصفوه بـ”الإعلام الغبي”، فكيف يكون شاب في هيئة مراهق في مثل هذا الموقع، وكيف اقتنع هؤلاء به؟

ولأن القضية على قدر من الأهمية في الدوائر الرسمية، فقد أفردت وكالة الأنباء الرسمية برقية لتطورات الملف، وقالت “واصل المدعو بلحاسني يعقوب، المتابع قضائيا لضلوعه في قضايا نصب واحتيال خطيرة استهدفت وزراء سابقين وشخصيات سياسية ودبلوماسية، في ممارساته الإجرامية انطلاقا من اليونان التي التحق بها بطريقة غير شرعية، وتم إطلاق تحقيقات قضائية حول ممارسات هذا الشخص الذي ينتحل صفات نظامية في انتظار ترحيله إلى الجزائر”.

وأضافت “كانت نيابة الجمهورية لدى محكمة بئر مراد رايس قد وجهت في شهر يوليو الفارط نداء للجمهور، لاسيما ضحايا هذا الشخص المتهم بالنصب والاحتيال بانتحال صفة نظامية مدنية وعسكرية، إلى التقرب من مصالحها”.

وأوضحت النيابة بأن هذا الشخص البالغ من العمر 22 سنة وينحدر من محافظة تيبازة غربي العاصمة، وهو مسبوق قضائيا وينشط انطلاقا من اليونان، حيث يتواصل مع ضحاياه هاتفيا للنصب والاحتيال عليهم لسلب مبالغ مالية منهم، وهذا بانتحال صفة نظامية مدنية وعسكرية.

اللعب على الأوتار

• بلحاسني يُتّهم باستهداف الوزراء والسفراء وكبار الضباط، مدعيا أنه مستشار للرئيس تبون
بلحاسني يُتّهم باستهداف الوزراء والسفراء وكبار الضباط، مدعيا أنه مستشار للرئيس تبون 

وحسب برقية الوكالة الرسمية، فإن الجهة القضائية وجهت نداء لكل شخص وقع ضحيته، سواء التقاه شخصيا أو تعامل معه إما على المستوى الوطني أو خارجه أو له معلومات بوصفه شاهدا على وقائع مشابهة، للتواصل معها قصد ترسيم شكواه أو سماع شهادته في الموضوع.

وإذا كانت الخبرات القضائية تتحدث عن خصوصيات مميزة في شخصية بلحاسني، الذي كان على قدر كبير من الجرأة وبرودة الأعصاب والشجاعة الأدبية، فإن الأنظار توجهت كلها إلى المصالح الأمنية التي تتابع كل صغيرة وكبيرة بشأن الناشطين والمعارضين للسلطة، بينما غاب عنها الشاب الذي خدع مسؤولين كبارا في الدولة.

واستغرب ناقدون للسلطة درجة التساهل في حماية نفسها وموظفيها من نصاب شاب احتال على بعضهم وسلبهم أموالهم، ولم يسلم من النقد الإعلام المحلي الذي سوّق له، دون بذل أدنى جهد للتثبت من هويته وشخصيته، خاصة وأن المسألة تنطوي من بدايتها على غموض، وعدم استقامة بين منصب المستشار وبين الإقامة في اليونان.

◙ مختصون قضائيون يرون بأن ما قام به بلحاسني سابقة أولى في تاريخ القضاء الجزائري، فعادة ما يكون الضحايا من البسطاء، لكن أن يكونوا من صنف الوزراء والسفراء والولاة والضباط فذلك أمر مثير وغريب

ويبدو أن بلحاسني فهم الأوتار التي تريدها دوائر واعلام السلطة، لاسيما التسويق للخطاب العنتري، ولذلك خاض فيه كثيرا مع مختلف المنابر الإعلامية، وفي كل مرة يقدم نفسه من عاصمة غربية، بينما الحقيقة أنه شاب “حرّاق” يقيم بطريقة غير شرعية في دولة اليونان.

ونقلت الإذاعة الدولية الحكومية عمّن أسمته بـ”المستشار الخاص المعني بالأمن والسياسة الخارجية بدائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بلحاسني” قوله بأن “الجزائر قامت بدعم ومساندة القضية الفلسطينية في مختلف المراحل وعلى جميع الأصعدة منها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وذلك من منطلق إيمانها الصادق بأن ما تقوم به من جهود تجاه القضية الفلسطينية، إنما هو واجب تمليه عليها عقيدتها وضميرها وانتماؤها إلى الأمة العربية والإسلامية”.

وأضافت على لسان المتحدث أن الجزائر ستركز جهودها خلال الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن على مطالبة الاحتلال الإسرائيلي بالانسحاب من جميع الأراضي المحتلة بما فيها مدينة القدس وإزالة المستعمرات التي أقامتها في الأراضي المحتلة، وكذلك ضمان حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية لجميع الأديان في الأماكن المقدسة.

وذكر المتحدث حسب الإذاعة، بأنه من بين المطالب التي رفعتها الجزائر إلى هذا الاجتماع إقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية في حدود 1967، وبحق دول المنطقة في العيش بسلام، مضيفاً قوله “لذا نحن وبعد أن رأينا تصعيدا في التوترات والتطورات العدوانية للاحتلال الإسرائيلي في حق الفلسطينيين، شددنا على ضرورة تحرك المجتمع الدولي بشكل عاجل لوقف الاعتداءات الإسرائيلية الغاصبة المتكررة بحق الشعب الفلسطيني الشقيق والمسجد الأقصى، كذلك أعربنا عن رفضنا لما صدر بخصوص خطط الاحتلال الإسرائيلي وإجراءاته لإخلاء المنازل الفلسطينية في مدينة القدس وفرض السيادة الإسرائيلية عليها”.

ولفتت الإذاعة على لسان ضيفها إلى أن الجزائر أعربت عن تضامنها الكامل مع أهالي حي الشيخ جراح والشعب الفلسطيني في نضاله المشروع ضد الكيان الصهيوني ومخططاته الاستيطانية، وجددت مرة أخرى تأكيدها بأنها تعمل بصمت تجاه أشقائها في فلسطين حتى لا يعتقد البعض أنها تقدم دعما ماليا أو اقتصاديا أو حتى تقدّم تبرعات أو هبات من أجل الحصول على ثناء إعلامي أو دعاية سياسية فكل ما تقدمة يأتي من منطلق إسلامي وثقافة عربية أصيلة لا مصالح ترجى من ورائها.

غيبوبة الإعلام الجزائري

• المعارضون يقولون إنه من غير المعقول أن تتم ملاحقة الناشطين، بينما يتجرأ "حراق" على التحدث باسم الدولة
المعارضون يقولون إنه من غير المعقول أن تتم ملاحقة الناشطين، بينما يتجرأ "حراق" على التحدث باسم الدولة

كل تلك التصريحات أدلى بها الدبلوماسي “المزيّف” لوسيلة إعلامية حكومية، ومرّرت للرأي العام، وجحافل من الموظفين في الإذاعة الرسمية وفي وزارة الخارجية وفي البعثة الدبلوماسية بنيويورك، وفي المصالح الأمنية والاستخباراتية، لا تتابع ما يجري أو كيف وصلت الجرأة بالبعض إلى درجة الحديث باسم الدولة من طرف مراهق محتال.

ويذكر مختصون قضائيون بأن ما قام به بلحاسني، إن صحّ، يعدّ سابقة أولى في تاريخ القضاء الجزائري، حيث تعالج المحاكم يوميا قضايا النصب والاحتيال، لكن عادة ما يكون الضحايا من مستويات اجتماعية بسيطة، لكن أن يكون هؤلاء من صنف الوزراء والسفراء والولاة والضباط، فذلك أمر مثير وغريب.

وذهب ناشطون سياسيون معارضون إلى اعتبار أن الحادثة توحي بهشاشة خطيرة في المؤسسات الرسمية، فمن غير المعقول أن يلاحق الناشطون وينقب على أبسط منشور في شبكات التواصل الاجتماعي، بينما يتجرأ مهاجر “حراق” على الحديث باسم الدولة في محافل دولية، ويحتال على العديد من المسؤولين السامين في الدولة.

◙ بلحاسني يبدو أنه فهم الأوتار التي تريدها دوائر وإعلام السلطة، خاصة في ما يتعلق بالتسويق للخطاب العنتري، ولذلك خاض فيه كثيرا مع مختلف المنابر والعواصم

ولا يزال مصير بلحاسني غامضا بعدما تم الإعلان عنه من انكشاف حقيقته وإصدار مذكرة توقيف دولية من طرف السلطات القضائية بحقه، ففيما يتم تداول وجوده على الأراضي اليونانية، تذكر مصادر أخرى على شبكات التواصل الاجتماعي بأنه لا أحد يعرف أين يقيم، والأرجح أن يكون قد غادر أثينا إلى وجهة مجهولة.

ولا زالت هوية الضحايا مجهولة لدى الرأي العام، رغم تلميح برقية وكالة الأنباء الرسمية إلى وزراء سابقين ودبلوماسيين ومسؤولين كبار، وفي الغالب يتم التكتم عن مثل هذه الحالات تفاديا للحرج أمام الرأي العام وأمام السلطات الوصية على هؤلاء، ولو أن هؤلاء يرجح أن يكونوا ضحايا مرة أخرى لسذاجتهم لأنه من المستبعد تجديد الثقة فيهم للاستمرار في مواقعهم أو الترقية الى مواقع عليا.

ويمثل النصب والاحتيال جنحة في القانون الجزائري تصل عقوبتها إلى خمس سنوات سجنا وغرامة مالية، لكن لا يُعرف إلى حد الآن كيف سيتم التعامل مع قضية بلحاسني من طرف المحكمة المختصة، وإن كانت ستضاف إليها تهم أخرى، كونه كان ينتحل صفة رسمية في الدولة أم لا.

وإذا كان هذا الشاب قد سلب فعلاً ضحاياه أموالا طائلة، فإنه سلب أيضا شرف المهنة الإعلامية في البلاد، بعدما ظل دائم الحضور في مختلف المنصات والصفحات والمواقع، قبل أن تنكشف الحقيقة ويدق إسفين آخر في نعش الإعلام الجزائري المطعون في صدقيته ومهنيته.

• يعقوب بلحساني ظل دائم الحضور في مختلف المنصات والصفحات والمواقع، قبل أن تنكشف الحقيقة
يعقوب بلحساني ظل دائم الحضور في مختلف المنصات والصفحات والمواقع، قبل أن تنكشف الحقيقة 

 

8