انقسام المحافظين يبقي تراس في منصبها إلى حين

رغم اعتذار رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس عن أخطائها الاقتصادية في محاولة لامتصاص غضب عدد من النواب المحافظين الساعين للإطاحة بها، أفادت تقارير إعلامية أن بعض الوزراء سيقدمون استقالاتهم في غضون الأيام القليلة القادمة.
لندن - قالت أوساط بريطانية إن اعتذار رئيسة الوزراء ليز تراس عن أخطائها وتراجعها عن خطّتها الاقتصادية لا يخفف من ضغوط المحافظين من أجل الإطاحة بها، إلا أنها لا تزال في منصبها في الوقت الحالي مستفيدة إلى حد كبير من انقسام حزبها المحافظ حول كيفية استبدالها.
وبموجب قواعد حزب المحافظين، فإن تراس في مأمن من تحدي القيادة لمدة عام بعد أن أطاح الحزب برئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، لكن هذه القواعد يمكن تغييرها إذا أراد عدد كاف من المشرعين ذلك.
ويرى بعض المشرعين المحافظين أيضًا أنه يمكن إجبار تراس على الاستقالة إذا تمكن الحزب من الاتفاق على خليفة لها. لكن الانقسامات العديدة في الحزب، التي تتراوح فصائلها من أنصار بريكست من اليمين المتشدد إلى محافظين من حزب “أمة واحدة”، تجعل ذلك تحديًا.
واعتذرت تراس عن الأخطاء الخاصة بسياستها الاقتصادية، والتي تسببت في تراجع شعبيتها في استطلاعات الرأي وتنامي الغضب في أوساط نواب حزب المحافظين، مؤكدة بقاءها في منصبها.
ويجب على رئيسة الحكومة البريطانية أن تكون مُقنعة بشأن قدرتها على البقاء في داونينغ ستريت، بعدما اعتذرت عن “أخطائها” وبعد الإذلال الذي تعرّضت له على إثر تخلّيها عن برنامجها الاقتصادي.
وتعليقاً على هذه المسألة عنونت صحيفة “ديلي ميل” الثلاثاء “في المنصب ولكن ليست في السلطة”، فيما عنونت “ذي ميرور” اليسارية بكلمة “ذليلة”.
وأدى التخلّي الفعلي عن التخفيضات الضريبية الذي وعد به وزير المال الجديد جيريمي هانت الاثنين إلى بعض الهدوء في الأسواق المالية. ولكن على المستوى السياسي، خرجت تراس من هذه المرحلة مع سلطة ممزّقة بينما أُجبرت على تطبيق سياسة كانت ترفضها حتى وقت قريب. كما انخفضت شعبيّتها إلى مستوى لم يصل إليه زعيم بريطاني إلّا نادراً، في الوقت الذي تواجه فيه انتقادات علنية من قبل جزء من الغالبية التي تنتمي إليها بعد ستة أسابيع فقط على توليها لمنصبها.
وكتبت صحيفة “ديلي تلغراف” المحافظة “من الصعب تصوّر أزمة سياسية واقتصادية أكثر خطورة من تلك التي تمر بها المملكة المتحدة حالياً”. وأضافت أنّ “الأمل الوحيد لرئيسة الوزراء لتجنّب العار المتمثّل في أن تصبح الشخص الذي أمضى المدّة الأقصر في المنصب منذ العام 1827، يكمن في ما إذا كان نوّاب حزب المحافظين مستعدّين لمنحها مهلة”.
وبعد ثلاثة أيام من الصمت ظهر خلالها جيريمي هانت بصفته الرجل المسؤول، اعترفت تراس مساء الاثنين عبر شبكة “بي.بي.سي” بـ”أخطاء” وعدت بـ”إصلاحها”، معربة في الوقت ذاته عن “أسفها”.
وقالت “سأبقى في منصبي للوفاء بالتزاماتي بإزاء المصلحة العامة”، معتبرة أنها ستقود حزبها المحافظ في الانتخابات المقبلة المقررة بعد عامين والتي تعد المعارضة الأوفر حظّاً للفوز فيها.
وأفاد استطلاع لمعهد “يوغوف” الثلاثاء بأنّ بريطانيّا واحدا من كل عشرة لديه رأي إيجابي بشأن رئيسة الحكومة. وترتفع هذه النسبة إلى 20 في المئة فقط بين ناخبي حزب المحافظين. كذلك رأى 55 في المئة من أعضاء هذا الحزب أنّ تراس يجب أن تستقيل، فيما قال 38 في المئة إنّهم يريدونها أن تبقى في منصبها. وأعرب الثلث عن رغبتهم في عودة بوريس جونسون إلى السلطة.
وكان تقديم خطط التخفيضات الضريبية الهائلة والدعم الكبير لفواتير الطاقة في الثالث والعشرين من سبتمبر قد أثار مخاوف من إفراغ خزائن الدولة.
وعلى أثر ذلك انخفض الجنيه الإسترليني إلى أدنى مستوياته التاريخية وارتفعت معدّلات الاقتراض الحكومي طويل الأجل. وكان على بنك إنجلترا التدخّل لمنع الوضع من التدهور إلى أزمة مالية.
وقالت راشيل ريفز المسؤولة عن الشؤون المالية لدى حزب العمال “لقد وقع بالفعل الكثير من الضرر”، معتبرة أنّ الاعتذارات لا تكفي. ورأى زعيم حزب العمال كير ستارمر أنّ الحكومة الآن “لم تعد لديها سياسة اقتصادية” بعدما “هدمت” مشاريعها التي أُعلن عنها في نهاية سبتمبر.
ولكن على المدى المنظور، سيتعيّن على تراس قبل كلّ شيء استعادة ثقة حزبها حيث تضاعفت الدعوات إلى استقالتها. وينتظرها أول اختبار سياسي كبير الأربعاء في ظل انعقاد جلسة أسبوعية في البرلمان.
وقال النائب تشارلز والكر “أظنّ بأنّ موقفها لا يمكن الدفاع عنه (…) يمكن تصحيح هذا الموقف فقط” بوجود “رئيس حكومة جديد”.
وكان يوم الاثنين صعبا بالنسبة إلى ليز تراس، فقد أعلن جيريمي هانت أنه سيتخلّى “تقريباً عن كلّ” الإجراءات المالية التي أعلنها سلفه وبالتالي عن البرنامج الاقتصادي الذي بنت عليه ليز تراس حملتها هذا الصيف.
وبعد ذلك، أرسلت تراس الوزيرة بيني موردونت المسؤولة عن العلاقات مع البرلمان، للرد على المعارضة في مجلس العموم. ثمّ جلست صامتة بوجه متجهّم في وستمنستر إلى جانب وزير المال.
وفي هذا السياق كتبت صحيفة تايمز “كان من المؤلم أن نشاهدها”، فيما كتبت صحيفة ذي صن “كانت ليز تراس مثل شخص في حالة حداد في جنازته الخاصة”.
وأفادت التقارير الإعلامية بأن بعض الوزراء سيقدمون استقالاتهم في غضون الأيام القليلة القادمة.