أزمة الطاقة تفرض إعادة تشغيل المصفاة الوحيدة في المغرب

انحنت الحكومة المغربية أمام الواقع الصعب لمشكلة الطاقة، الذي كان نتيجة لتداعيات الحرب في أوكرانيا، واعترفت بأهمية إعادة تشغيل المصفاة الوحيدة بالبلاد بعد الأزمة التي فرضها ارتفاع أسعار الوقود رغم أن حل مشكلة شركة التكرير لا يزال بيد القضاء.
الرباط - حمل إقرار الحكومة المغربية، بأنها لا ترى مانعا في استئناف شركة سامير لتكرير النفط النشاط، في طياته دليلا على مدى الصعوبات التي تواجهها لتهدئة الأسعار في السوق المحلية، وفي الوقت ذاته ضمان أمن الطاقة.
ولكن السلطات تجد صعوبة في تحقيق مبتغاها لا سيما وأن أي قرار من هذا النوع مرتبط بصدور حكم قضائي وعبر التحكيم الدولي، كونها قضية لا تزال متداولة في المحاكم.
وتوقفت مصفاة سامير عن العمل منذ سنوات بعد قرار قضائي بتصفيتها في 2016، إثر عجزها عن سداد ديون مستحقة لصالح الدولة والمزودين، والتي تقدر بنحو 4.4 مليار دولار.
ويدرك المسؤولون أن مجال التكرير عموما يملك حلولا لمشكلة الطاقة التي تتعمّق على الصعيد الدولي وتؤثر انعكاساتها على المغرب.
وقال الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس، عقب آخر مجلس وزاري، إن “الحكومة لا تنكر أهمية هذه المؤسسة، فهي مهمة على مستوى التخزين ومن أجل توفير كميات كبيرة من المواد البترولية”.

وأوضح أن تقلب سوق المحروقات وجميع الأحداث خلال الأشهر الأخيرة كشفا أن الاعتماد على طريقة واحدة لتأمين الإمدادات أمر خاطئ.
وأضاف “لا بد من تنويع مصادر الطاقة وأن تمتلك الدولة والحكومة إستراتيجية واضحة في هذا المجال”.
وانتقد برلمانيون عدم اهتمام الحكومة بمسألة تقديم دعم إضافي للمواطنين في إعداد ميزانية العام المقبل.
وقال رئيس كتلة التقدم والاشتراكية رشيد حموني إنه “رغم نوايا الحكومة في الذهاب بعيدا فيما يتعلق بتعميم الحماية الاجتماعية فإنها لم تتحدث أبدا عن دعم المحروقات ولا عن أي رؤية بخصوص إنقاذ مصفاة سامير”.
وأضاف “لم تتحدث الحكومة عن أي تدبير للتخفيف من غلاء الأسعار، أو تخفيض الضرائب المفروضة على المواد الاستهلاكية الأساسية وعلى الطبقة المتوسطة”.
ومنذ أشهر تتزايد الضغوط على الحكومة لإيجاد حل مستعجل للمصفاة، حفاظا على الأصول المادية وكوادرها باعتبارها أحد ضمانات أمن الطاقة والمساعدة على خفض الأسعار في ظل تقلبات السوق الدولية.
وتعلل الحكومة عدم تحمسها للخوض في هذه القضية بعدم امتلاكها مبلغ الديون التي على كاهل شركة التكرير.
واعتبر بايتاس، الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، أن موضوع سامير فيه “الكثير من سوء الفهم من أطراف متعددة”.
وأكد أنه لا يجب مناقشة الأمر تحت التشنج حيث أنه يحتاج إلى هدوء كبير جدا “لأنه يتعلق بمصالح كبرى لبلادنا”.
ووجدت حكومة عزيز أخنوش أمامها تحديا كبيرا لمسألة الطاقة نتيجة الأسعار الملتهبة على الصعيد الدولي وشركة متوقفة منذ قرابة ست سنوات.
وأوضح بايتاس أن مصفاة سامير مهمة جدا "وستجيب على العديد من أسئلة الطاقة ببلادنا والحكومة تعرف أهمية هذه المؤسسة".
وأبرز أن الدروس التي تعلمتها الدولة خلال 2022 نتيجة الارتفاع الملتهم للأسعار، أكدت أهمية المصفاة الواقعة في المحمدية قرب الدار البيضاء.
وخلص في نهاية الأمر إلى أن الموضوع “يحتاج إلى الهدوء لأنه مرتبط بأمرين، أولهما النزاع القضائي الذي تبت فيه المحاكم المحلية وثانيهما نزاع دولي، ولو كانت هناك جهة مستعدة لتقديم حلول عملية فهي مستعدة للعمل معه”.
وأشار الحسين اليماني الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز، لـ"العرب"، إلى أن سامير كانت تساعد في رفع المخزون المحلي وتهدئة الأسعار، خصوصا بتوفر التكرير.
وللخروج من الأزمة اقترح اليماني، التسيير الحر من خلال الإذن باستمرار النشاط لمدة لا تقل عن 3 سنوات، بهدف حماية الأصول من التناقص واستغلال الوحدات الإنتاجية وتوفير الشروط الأفضل لإنجاح التصفية القضائية وإما ببيعها للمستثمرين.

وقال إن ذلك يمكن أن يحصل “من خلال توفر الإرادة السياسية قصد التعامل الإيجابي مع الملف أو الانتقال إلى موقع المساعد في الحلول وليس التفرج وإطلاق التصريحات المعرقلة والمحبطة للآمال”.
وكان قرار قضائي قد حكم بتصفية الشركة مع الترخيص باستمرارها في العمل في حال انتقالها إلى مالك جديد لإنقاذ فرص العمل بالمصفاة.
وبعد ذلك قررت محكمة أخرى تمديد المهلة الممنوحة للمصفاة من أجل إيجاد مالك جديد، انتهت في يوليو 2019، لكن إلى حد اليوم لم يحدث أي تطور في القضية.
ويقترح خبراء إيجاد تحالف بين القطاعين العام والخاص للاستحواذ على المصفاة التي كانت تبلغ طاقة إنتاجها اليومية قرابة 200 ألف برميل قبل توقفها، كون 60 في المئة من ديونها المستحقة لمؤسسات عمومية.
وتشير التقديرات إلى أن حجم التخزين لدى المصفاة في حال عادت إلى العمل يصل إلى مليوني طن أي ما يعادل شهرين ونصف الشهر من الاستهلاك المحلي.
وترى رجاء كساب، عضو مجموعة نقابة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل أن المغرب ليس بحاجة إلى إحداث مصفاة جديدة لتكرير البترول، طالما أن هناك إمكانية لإعادة تشغيل مصفاة المحمدية، التي تتوفر على وسائل لوجستية عالية.
وقالت في تصريحات سابقة إن “إعادة تشغيلها يمثل ربحا كبيرا للدولة وللمواطنين على حد السواء”.
وأكدت وزيرة الطاقة ليلى بنعلي، أن موضوع تشغيل سامير غير مرتبط بأسعار المحروقات في سنة 2022، مستدركة أن التصور الحالي للوزارة والحكومة يرتكز على حماية مصالح ثلاث فئات.
وتقصد الوزيرة هنا مصالح اليد العاملة وإيجاد حلول تقنية ومالية واقتصادية، ثم مصالح الحكومة التي لديها أصول وديون على الشركة، ومصالح سكان المحمدية الذين يشتكون من التلوث.
وشدد المكتب التنفيذي للجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة في بيان على أنه يجب “العمل بالروح الوطنية اللازمة، وبالفصل الواضح بين المال والسلطة للاستئناف العاجل للإنتاج في ظل استعار الحرب الروسية الغربية وزعزعة منظومة الطاقة العالمية”.