مستقبل الدفع الرقمي بأفريقيا قاب قوسين أو أدنى من التحقق

التحول الكامل يتطلب الاستعانة بدول وشركات لها خبرة واسعة في التكنولوجيا المالية.
الجمعة 2022/09/16
بكبسة زر بإمكانك شراء ما تريد

يعكس نمو استخدام المستهلكين الأفارقة لوسائل الدفع الإلكتروني في تعاملاتهم اليومية إصرار صناع القرار النقدي على تبني تمشّ يواكب التكنولوجيا المالية التي باتت إحدى السمات البارزة على تطور الاقتصادات، مما يجعل القارة قاب قوسين أو أدنى من ترسيخ هذه الثورة الرقمية.

لندن - نشرت إحدى رائدات شبكات التواصل الاجتماعي أميركية الجنسية، وهي في إجازة في جنوب أفريقيا مؤخرا مقطع فيديو انتشر على الإنترنت بسرعة سلط الضوء على المفاهيم الخاطئة للمسافرين حول القارة السمراء.

وأعربت في الفيديو عن دهشتها من عدد المعاملات غير النقدية. وقالت هذه المؤثرة الشهيرة على حسابها في تيك توك إن “جنوب أفريقيا تستخدم خدمات أبل باي أكثر مما تستخدمه الولايات المتحدة”.

وباعتبار جنوب أفريقيا من أكثر البلدان الصناعية في القارة، كانت أنظمة الدفع غير النقدية شائعة فيها لعدة سنوات. ولكن لا تزال بقية القارة تعمل بأموال ورقية في الغالب. وهذا هو التحدي الرئيسي للتوسع الكبير للتكنولوجيا المالية في جميع أنحاء أفريقيا.

وتوقع خبراء شركة ماكينزي الاستشارية في تقرير حديث نشر مؤخرا أن ينمو قطاع التكنولوجيا المالية في الأسواق الأفريقية بشكل كبير على المدى القريب، ويمكن أن تصل عائدات التكنولوجيا المالية إلى 30.3 مليار دولار بحلول عام 2025.

إدمان القارة على النقود تجاوز آخر عائق أمام الرقمنة نظرا إلى النمو السكاني السريع وتغلغل الهواتف الذكية

وهذا الرقم أعلى بثمانية أضعاف من الإيرادات في عام 2020، وذلك بفضل وصول المزيد من الأفارقة إلى خدمات الإنترنت.

ولا يملك ما يقرب من ثلثي سكان قارة أفريقيا البالغ عددهم قرابة 1.3 مليار نسمة حسابا مصرفيا أو وصولا كاملا للخدمات المالية، وفقا لماكينزي.

وبحسب معدي التقرير فإن أكثر من 90 في المئة من جميع المعاملات المالية تعتمد على النقود، وهو ما أوجد فرصة كبيرة لشركات التكنولوجيا المالية والحكومات من أجل بناء أسس جديدة تتبنى التقنيات الحديثة.

ويبدو أن تجاوز إدمان القارة على الأموال النقدية هو العائق الأخير أمام ثورة رقمية كاملة بالنظر إلى النمو السكاني السريع في أفريقيا وتغلغل الهواتف الذكية.

لكن تسجيل حساب بنكي ليس بالأمر السهل، ويتطلب الانتقال إلى مجتمع غير نقدي معايير تعريف متقدمة مثل القياسات الحيوية.

وكان تقديم تلك الأنظمة بطيئا ومجزّءا في الدول الأفريقية، وفي الكثير من الحالات تكون تكلفة إنشاء قاعدة بيانات المقاييس الحيوية وصيانتها باهظة الكلفة.

وقد تم حل هذه المشكلة مؤخرا في الهند، التي تبنت طموحًا لا يقوم على الأموال النقدية، وذلك من خلال خصخصة نظام الهوية الوطنية البيومترية المعروف باسم “أدهار”.

ويمكن استخدام هذا النظام في العديد من الخدمات المختلفة في كافة الجوانب الاقتصادية، مثل فتح الحسابات المصرفية وسحب الأموال من أجهزة الصراف الآلي والتقدم بطلب للحصول على رخصة قيادة وتلقي الإعانات الحكومية.

لكن نظام “أدهار” لم يسلم من سهام النقد، حيث أن هناك العديد من العيوب الخطيرة حول الخصوصية والأمن السيبراني في قاعدة البيانات.

واتخذت الهند خطوات رئيسية أخرى لتحفيز مستقبلها غير النقدي، ففي شهر نوفمبر من عام 2016، ألغت الحكومة ومن دون سابق إنذار الأوراق النقدية عالية القيمة أي حوالي 86 في المئة من الأوراق النقدية المتداولة.

30

مليار دولار عوائد التكنولوجيا المالية بأفريقيا بحلول 2025 وفق شركة ماكينزي

وأوجدت هذه الخطوة مشاكل غير مسبوقة للهنود الذين احتفظوا بمدخراتهم لما بعد التقاعد في شكل أوراق نقدية كبيرة تحت مراتبهم، بينما شهدت المنصات غير النقدية مثل باي تي.أم إقبالا كبيرا حيث اندفع الهنود إلى تقنيات جديدة لتخزين أموالهم.

ويشهد تداول العملات الورقية في الهند انخفاضا مستمرا عاما بعد عام حيث يحتفظ المزيد من الناس بأموالهم في صورة رقمية.

ويؤكد النجاح النسبي لبرنامج “أدهار” وإلغاء الأوراق النقدية على الدور الحيوي الذي تلعبه الحكومات في أي تحول غير نقدي، وسوف يتشكل الابتكار في مجال التكنولوجيا المالية دائمًا من خلال التطورات التكنولوجية.

ولكن هناك حاجة إلى شراكة بين القطاعين العام والخاص لتحويل ذلك القطاع، ويجب أن تكون الوظيفة الأساسية للحكومة هي إنشاء وصيانة نظام تحديد الهوية القائم على المواصفات الحيوية بالإضافة إلى توفير البنية التحتية.

وتعد البنية التحتية للهواتف الذكية أمرا بالغ الأهمية لأي تحول غير نقدي في دول أفريقيا.

ووفقا لصحيفة “وول ستريت جورنال”، فإن الاستخدام واسع النطاق للهواتف المحمولة في أفريقيا قد مكّن من إنشاء خدمات تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول والتي تتيح للعملاء إجراء المعاملات المالية دون الذهاب إلى أي بنك.

وساعدت تلك المنصات كينيا على مضاعفة نسبة البالغين الذين يملكون الأموال عبر الهاتف المحمول إلى 82 في المئة منذ العام 2011.

وبمجرد أن يكون لديك عميل جديد في القطاع المالي الرسمي، يصبح من الأسهل بكثير توفير الوصول إلى الرعاية الصحية وخدمات التأمين، والتي بدورها ستفتح مجالات جديدة أخرى لتحقيق نمو مثير للإعجاب.

ويبدو أن الصورة الكاملة لمستقبل غير نقدي لا تخلو من النقد، حيث تتيح الأموال النقدية قدرا معينا من إخفاء الهوية، والذي تكشفه خدمات الدفع الرقمية.

ويعني التكامل الأعمق بين القطاع المالي وأنظمة تحديد الهوية الحيوية أن الحكومات سيكون لديها قدر إضافي من السيطرة على المواطنين، وهو أمر يمكن أن يكون شيئًا جيدا أو سيئا بناء على نوع الحكومة.

ومع كل ذلك، فإن مستقبل المعاملات المشتركة غير النقدية هو أمر حتمي إلى حد ما، ويُظهر نجاح منصات الدفع مثل أبل باي وظهور العملات الرقمية للبنك المركزي الاتجاه الذي لا مفر منه وهو ما يذهب إليه العالم اليوم.

والمغانم الناتجة عن تحول بلدان القارة إلى الأنظمة غير النقدية، سوف تجنيها شركات التكنولوجيا المالية، التي لديها خبرة في السوق الأفريقية مثل تلك الموجودة في الشرق الأوسط والصين.

ونظرا إلى خبرتها الخاصة مع قواعد البيانات القائمة على المواصفات الحيوية والخبرة في المنصات غير النقدية، فإن الشركات في دولة الإمارات وإسرائيل مهيئة بشكل خاص للمساعدة في ذلك الانتقال.

ولكي يحصل ذلك الانتقال في الدول المنسية في القارة، ستحتاج البلدان الأفريقية إلى الاعتماد على البلدان الأخرى التي لديها خبرة واسعة في إنشاء برامجها الخاصة.

وتعد دول الشرق الأوسط هي الأنسب لتلك المهمة نظرا إلى اقتصاديات المعرفة المتنامية وخبرتها في القياسات الحيوية.

وفي حين أن أفريقيا قد تكون آخر قارة تفتح ذراعيها للمستقبل غير النقدي، إلا أنها ستكون واحدة من أكبر محركات النمو في مجال التكنولوجيا المالية في أي مكان في العالم. ولذلك فإنه يجب أن يولي المستثمرون والشركات المحيطة بقارة أفريقيا اهتماما كبيرا لهذا الأمر.

 

* سندكيشن بيرو

10