رفاهية كرة القدم

تعلمت حكمة، ذات يوم مر على حياتي من القرن الماضي، من أحد لاعبي كرة القدم الذين يكبرونني سنا، بأنه لم يذهب مرة إلى ملعب الشعب الدولي بدافع تشجيع فريق على آخر في الدوري العراقي. كان يذهب عادة من أجل متعة المشاهدة.
تلك الرفاهية في مشاهدة كرة القدم كانت بمثابة درس عميق، استمر معي كل تلك السنين، فبدا لي أن التشجيع المتعصب يذهب في نهاية المطاف بمتعة المتابعة، ويجعل من كرة القدم ضارة بالمشاعر.
ذلك ما يجعل بالنسبة إلي مشاهدة مباريات الدوري الإنجليزي الذي دخل أسبوعه الرابع بدراما من الأهداف، مصدرا للرفاهية، لأن متعتي تفوق متعة المشجع المتحمس، عندما أكتفي بمحض حماس المشاهدة للنادي الفائز والخاسر على حد سواء.
على مدار الأسابيع الماضية، كانت كرة القدم الإنجليزية ترسم لنا مخططات هندسية في غاية البراعة. فكرة القدم لم تعد مجرد رجال يركضون وراء الكرة، إنهم أكثر من ذلك بكثير وفق تعريف مدرب فريق مانشستر سيتي جوزيب غوارديولا، الذي وصفته بمقال سابق بأنه يكتب في كل مباراة قصيدة، فأساسيات اللعبة عنده هي “تقدم الجناحين عاليا على طرفي الملعب، وضع الكثير من اللاعبين في الوسط، العودة للدفاع دون الكرة، الركض مثل الحيوانات، والتمتع بالهدوء حين تكون الكرة في حوزتهم. المزيد من التمريرات التي تساعد. التفكير أكثر بما يتعين علينا القيام به”.
تلك براعة التفكير في اللعبة بالنسبة إلى المدرب، تقابلها لدينا رفاهية المشاهدة، ولا تنتهي بالاستياء من الخسارة، فخسارة فريق عندي تمتلك متعة السعادة، في الثناء على الفريق الفائز! وهكذا لا يوجد خاسر عند الذين يشاهدون كرة القدم بفلسفة الرفاهية.
كرة القدم، من الناحية الفنية، تُلعب على مستوى أعلى من أي وقت مضى، من قبل أفراد أكثر مهارة بشكل كبير من أولئك الذين كانوا قبل عقدين أو ثلاثة عقود. ذلك يفسر لنا قدرة الفرق المثيرة على الاستمرار في الاحتفاظ بالكرة بأوقات لم يكن يمكن تخيلها من قبل. فالاحتفاظ بالكرة يعني أن ترغم الخصم على الاستمرار بالجري بلا جدوى.
أنا واحد من الذين يشعرون بالامتنان للدوري الإنجليزي الذي يغدق علينا بتلك المسرة نهاية كل أسبوع، لكن ذلك لا يكفي عندما تتطفل أعصاب اللاعبين والمدربين والتعليقات التي تخرق جوهر كرة القدم الجديدة وهي تستمر من أجل أخطاء أقل من السابق.
ذلك ما تؤكده الأرقام التي يتحفنا بها المعلقون، فما بين دوري العامين الماضيين في إنجلترا انخفض عدد الأخطاء في المباراة الواحدة من 21.8 في المباراة الواحدة إلى 20.2. نعم النسبة طفيفة، لكنها في كل الأحوال منخفضة.
مقابل ذلك هناك ما يقلل من نغمة الاحتفال، وليس وفق معلق مباراة تشيلسي وتوتنهام التي انتهت بالتعادل القاتل في الثانية الأخيرة، عندما عبر عن اعتقاده بأننا استعدنا كرة القدم الممتعة. فلم يكن الأمر كذلك عندما شهدت المباراة ما يفسدها، في الحادث الأكثر إثارة للجدل بعد سحب كريستيان روميرو شعر مارك كوكوريلا. الأمر الذي دفع الأخير إلى القول إن شعره جزء من هيئته ولا يمكن أن يقصه لأن لاعبا آخر سحبه!
الأسوأ من ذلك شجار المصافحة بعيون تزدري الآخر في نهاية المباراة بين المدربين توماس توخيل وأنطونيو كونتي. قال له أنظر في عيوني عندما تسلم عليّ “كما اتضح ذلك لمن شاهد لقطة الشجار”.
في النهاية حصل كلا المدربين على بطاقة صفراء أثناء المباراة، ثم البطاقة الحمراء بعد صافرة النهاية. ذلك أكثر ما يفسد ما نتوق له من متعة المشاهدة، ولا علاقة له بالأساس بكرة القدم.