"المشاعر الخمس".. مسرحية سورية تدفع الأطفال إلى التساؤل

خمس مشاعر على الخشبة تغير رؤية الأطفال نهائيا إلى ذواتهم.
الجمعة 2022/08/19
العرض من الطفل وإلى الطفل

مشاعر الإنسان عالم عميق، يولد معه من مرحلة الجنين، ويرافقه حتى آخر لحظة في حياته، يقوم على حالات متبدلة في مسار حياته، تتساوق المشاعر حينا وتتعارض حينا آخر، وتخلق في الإنسان كيانه ووجوده. عن ماهية المشاعر وكيف تبدأ ومتى وكيف تؤثر في سلوك الطفل قدم عرض مسرحي في أوبرا دمشق، كان هدفه الأطفال وحاول أن ينمي لديهم شغف السؤال، وقدمه الأطفال أنفسهم.

أطلقت أوبرا دمشق في الرابع من شهر أغسطس الجاري مشروعها “رحلة في الأوبرا” الذي يهدف إلى تعريف الأطفال واليافعين بدار الأوبرا وكيفية التفاعل معها، وكانت بدايته بحفل موسيقي لأوركسترا النفخيات في معهد صلحي الوادي للموسيقى، وعلى التوازي، قدم أول عرض مسرحي في المشروع حمل عنوان “المشاعر الخمس” وهو من تأليف وإخراج لميس محمد.

قدم العرض في إحدى قاعات دار الأوبرا وسط جمهور ملأ كامل مساحة المدرجات كان غالبيتهم من الأطفال وعلى امتداد أربعة أيام. قدم العرض مقاربة جريئة لمعان إنسانية نفسية عميقة، وهي في جوهرها عصية على فهم الكبار قبل الصغار، واستفاد من الشكلانية المسرحية الحديثة التي تمزج بين الحالة المسرحية وبين الحالة البصرية السينمائية.

مشاعر وشخصيات

يحسب للعرض تقديمه لعنصر الموسيقى الحية المرافقة التي لم تقدم جملا ومقاطع موسيقية فحسب، بل قدمت بعض المؤثرات الصوتية المتشابكة مع سيرورة أحداث المسرحية ووصولها إلى ذرى درامية محددة. كما جسد العرض فعالا دراميا هاما هو اللاوعي، وتجسد خلال من خلال صوت بشري يخاطب بقية الشخصيات.

خمس مشاعر قدمتها المسرحية وهي: السعادة والغضب والخوف والحزن والاشمئزاز، جسدتها من خلال شخصيات أطفال حملت ما يناسب الشخصية من زي ولون وطباع وملامح وجه وسلوك. فالسعادة دائمة الابتسام والتفاؤل والمرح، عكس شخصية الغضب التي تظهر دائما عصبية وحانقة ومحتدة، أما شعور الخوف فتجسده فتاة مستكينة ومترددة كذلك فتاة الحزن فهي مستلبة وضعيفة، بينما كان شعور الاشمئزاز الأكثر عقلانية لكنه كثير التذمر من الآخرين والمتردد من سلوكهم.

العرض استغل مساحة الخيال التي يوفرها المسرح باستخدام اللون والرقص والموسيقى مع لوحة سينمائية في العمق

تنطلق الأحداث من اقتحام صورة لجنين يخاطب الجميع، ومن خلاله نعرف بأن الجنين يبدأ بالتعرف على المشاعر بدءا من الشهر الخامس من عمره، وضمن تطور درامي متصاعد تبدأ أحداث العرض المسرحي بالانكشاف. تبدأ الشخصيات بالتعرف على أنفسها، حتى يظهر فجأة صوت خارجي يعرّف نفسه بأنه اللاوعي، وهو الذي يسيطر عليهم جميعا في هذه المرحلة، وبعد جولات ونقاشات عديدة يكلفهم بأول مهامهم، وتكون بأن يتعرفوا على لون الحياة.

تجرب الشخصيات إيجاده مجتمعة لكنها لا تنجح، فتقرر البحث عنه فرديا لكنهم يفشلون، ويقررون أن يكمنوا له ليلا. وتنجح الفكرة حيث يخرج شعور الخوف الأم ليخاطب الخوف البنت وتعدل مؤشر زمن ولادة الجنين. وتنشأ صدامات بين المشاعر بسبب ذلك، ويتهم بعضهم بعضا بتعديل مؤشر الزمن، فيتفق شعورا الغضب والحزن على أن ينقلبا على الآخرين خلسة، لكن القدر يكون له دور، فتنقلب الأمور للعكس بعد كشف الأمر ويتعرف الجميع على وجود مشاعرهم وكيف تؤثر على سلوكهم ويعرفون بأنهم مجتمعين سيعرفون حقيقتهم ويؤدون مهامهم بشكل أنجح.

وقدم العرض  من خلال مجموعة من الأطفال الشغوفين بفن المسرح هم أنجيلا البشارة بدور السعادة وشهد بركة بدور الحزن وقيس الزيلع بدور الاشمئزاز ولورا نخلة بدور الغضب ونور شلغين بدور الخوف بمشاركة سيمون الحناوي بدور اللاوعي وحلا بشار بدور الخوف الأم.

وبالعودة إلى صاحبة العمل فقد درست لميس محمد المسرح في محترفات ومدارس مسرحية في سوريا، وهي مهتمة بالدعم النفسي للأطفال وساهمت لسنوات في العديد من البرامج الاجتماعية. وقدمت في عرض الحواس الخمس تجربة حياتية حقيقية وضعتها في فرضية فنية.

تقول في ذلك لـ “العرب”، “بعد الأحداث التي عاشتها بلادنا في زمن الحرب كان لا بد من البحث عن تقديم شيء جديد، ففكرت فيما يمكن أن يقدم، وكانت النتيجة من خلال تجربة مع الأطفال الذين هم جديدنا ومستقبلنا، فالأطفال الذين ولدوا في بداية الأزمة عام 2011 وصلت أعمارهم الآن إلى 11 عاما، وهذا يمثل جيلا كاملا تربى على منعكسات الحياة الصعبة في يومياته ومشاعره تجاهها، ولأنه كذلك فلا بد من تقديم شيء جديد له يتعلق بالمشاعر، لذلك توجهت إليه بعمل مسرحي يتعلق بالمشاعر الخمس. أقول فيها للطفل، من حقك أن تعيش هذه المشاعر: الخوف والغضب والسعادة والحزن والاشمئزاز”.

وتضيف “الفكرة المتعلقة بعلم السلوك تقول بكيفية أن تعبر عن هذه المشاعر وليس ألا تعيش الإحساس بها، وبما أننا نتحدث عن المشاعر الخمس فنحن نتحدث عن أيّ طفل، وعن شيء غريزي موجود عند كل إنسان، لذا قررت أن أجسد هذه المشاعر الخمس بشخصيات لها لونها ومكوناتها الذاتية، مع ديكور مناسب، ليمكن لنا الدخول إلى دماغ الجنين”.

وتوضح المخرجة “تعاملت مع صور بصرية تعكس كل ما نريد قوله. الموضوع ليس سهلا، فالكبار لا يمكنهم أن يتحكموا بمشاعرهم بسهولة فما بالك بالأطفال. حاولنا أن نبسّط الطرح إلى درجة كبيرة، فأوجدنا لعبة المسرح الذي يعطينا مساحة من الخيال لاستخدام اللون والرقص والموسيقى مع لوحة سينمائية في العمق، فقدمنا من خلال هذا العرض بشكله المركب ما نريد قوله”.

أطفال مبدعون وأذكياء

☚ خمس مشاعر قدمتها المسرحية وهي السعادة والغضب والخوف والحزن والاشمئزاز، جسدتها من خلال شخصيات أطفال
☚ خمس مشاعر قدمتها المسرحية وهي السعادة والغضب والخوف والحزن والاشمئزاز، جسدتها من خلال شخصيات أطفال

عن خاصية كون العرض مجسدا من قبل الأطفال وموجها إليهم تبين لميس محمد “العرض من الطفل وإلى الطفل، أعمار الممثلين من الـ14 وحتى الـ17 عاما. فعندما يكون من يقدم المسرح أقرب إلى الجمهور تكون المسافة الإنسانية أقرب في العرض. المبدع من الأطفال والجمهور منهم أيضا، وكان لدينا إصرار على تقديم هذا الفعل مسرحيا وليس تلفزيونيا مثلا، لأن هذه الصيغة هي الأكثر حرارة”.

وتضيف لـ”العرب”، “قدمنا عرضا احترافيا يناسب عقل الطفل، الذي يتلقف المعلومة من والديه أو من مدرسته. الطفل في أيامنا ذكي جدا، يمكنه أن يطرح أي سؤال ويبحث عن أجوبة له على النت. هذا الجيل يعرف تماما كيف يتعامل مع التكنولوجيا، وهذا ما فرض وجود الشاشة في العرض كركن أساس. ووجود الموسيقى الحية وصوت شخصية اللاوعي وكذلك الخوف الأم، هذه الأمور كلها جعلت من العنصر التقني ضرورة. عقلية الطفل الآن أوسع وأعمق من السابق”.

وجد الغناء في العرض، لكنه استثمر بطريقة مختلفة كونه كان حيا أولا، كما أنه قدم معاني مميزة، تقول مخرجة العمل فيه ذلك “الغناء لم يكن موجودا لمعنى الغناء، بل قمنا باستثماره لكي يقدم أفكارا يتحدث الشعور بها عن نفسه، ما يساعد الطفل في التنبيه عن موعد استخدامه لمشاعره. واستخدام الموسيقى الحية يعني أن المشاعر قد دبت فيها الحياة على المسرح، وولد معها إيقاعها”.

وتتابع “طرح الموضوع كان تحديا، كونه صعبا وعميقا، خاصة أنه أول تجربة لي، كانت هنالك أفكار أبسط وأكثر لمعانا، الموضوع كان جديا ويجب تحويله إلى لعب مع الأطفال، اعتمدت على خيال الممثلين وبالتالي على خيال المتلقي واعتمدت على حالة الفضول بالسؤال عند الطفل، بمعنى أن يخرج بعد العرض ليسأل، فلو خرجنا بأن ندفع الطفل لطرح سؤال واحد بعده سيكون جيدا. ما معنى الخوف أو السعادة وهل صحيح أن المشاعر توجد في الشهر الخامس من عمر الجنين؟ العرض يقدم تساؤلات تحث الطفل على أن يتابع في المزيد من البحث، بمعنى أن يعرف حقيقة هذا الشعور ومتى يكون لديه، ويتقبل الشعور ولا يخجل من أن يعبّر عنه، الطفل عندما يشاهد طفلا مثله يقوم بالتمثيل، يكون متحمسا بأن يقوم مثله بالتعبير عن مواهبه التي يمتلكها”.

ما قدمته لميس محمد في العرض المسرحي كان منسجما مع رؤية خاصة بها تتعلق بموضوعة جسم الإنسان، بعد تجربة شخصية لها، فتقول “شخصيا أريد من التجربة أن نصل لجواب على سؤال: ماذا كان إحساسنا عندما كنا أجنة؟ علميا لا جواب نهائيا موحدا، وهنا يتدخل الخيال ليقدم الحلول، والمسرح يقدم مجالا كبيرا للبحث في هذه الأسئلة، حاولت استخدام مكان ووضعت فيه فرضية يمكنها أن تشغل خيالنا في البحث عن جواب، نحن القائمين على العمل والممثلين والجمهور”.

وتضيف “أنا مهتمة بموضوع الجسم، منذ سنتين تعرضت إلى تجربة أليمة عرفت فيها ماذا كان يقول لي جسمي. برأي أن الجسم هو صادق جدا، وعندما يعرف أمرا فإنه لا يقدر على إخفائه ويقوم بذلك بكل صدق، فهو يعطي معلومات صادقة  أو يعطي معلومات عن التشويش الحاصل، يجب أن نستمع إلى أجسامنا، وقبلها لا بد أن نستمع إلى مشاعرنا، موضوعي الأساسي هو الجسم فلو استمعنا إلى أجسامنا بشكل جيد فسنكون شخصيات أنضج وأنجح “.

13