الثقافة المصرية تعيد إحياء مسرح الدولة ببث أعماله تلفزيونيا

لم يعد ممكنا للدولة أن تبقي على وظيفتها في دعم القطاع الفني والثقافي كما كان عليه الحال الذي أوصل إلى حالة تكرار وجمود كبيرين، فغاب الابتكار وصارت الأعمال مجرد واجهات لنيل الدعم، على قلته. ويتحتم على الدولة اليوم أن تشارك القطاع الخاص وتغير سبل تعاملها مع الإنتاج الفني والثقافي.
القاهرة - تبحث وزارة الثقافة المصرية عن أطر جديدة تمنحها دفعة لتطوير مسرح الدولة أو القطاع العام الذي يعاني من مشكلات جمة على مستوى جودة الأعمال المقدمة وتسويقها ووصولها إلى أكبر شريحة من الجمهور مع تقلص أعداد المسارح العامة وهيمنت مسارح خاصة على الجزء الأكبر من اهتمام الجمهور الذي بات يشاهد عروضها بشكل متواصل على شاشة التلفزيون.
يواجه المسرح المصري عموما انتقادات عديدة من رواده نتيجة تراجع دوره الواضح على مستويات الكتابة والإخراج واكتشاف الوجوه الصاعدة من الفنانين والفنانات، وبدت هناك فجوة بين الأعمال المقدمة على مسرح الحكومة وبين الرسالة الحقيقية للمسرح وتأثر المضموع المقدم بقضايا المجتمع، وهو ما قاد إلى عزوف قطاعات كبيرة عن حضور الحفلات التي كانت تكتظ دائما بالرواد والمهتمين.
الاستفادة من التلفزيون
تسعى جهات حكومية معنية بالثقافة في مصر للسير على الطريق الذي سلكته مسارح خاصة وحققت مكاسب مادية وجماهيرية واسعة من خلال البث التلفزيوني، وتحاول تكرار الأمر على مستوى الأعمال السنوية التي تقدمها على مسارحها، ويمكن أن تشكل أحد روافد الثقافة النوعية للمشاهدين.
جهات ثقافية حكومية في مصر تسعى للسير على الطريق الذي سلكته مسارح خاصة وحققت مكاسب مادية وجماهيرية
ووقعت وزارة الثقافة بروتوكول تعاون مع الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية أخيرا، يتضمن العرض التلفزيوني لمسرحيات تنتمي إلى القطاع التابع للدولة، وحفلات وفعاليات تنظمها دار الأوبرا المصرية، فضلا عن أنشطة الوزارة في محافظات مختلفة بهدف دعم ما يوصف بالفن الراقي وترسيخ الهوية واكتشاف المواهب.
ويؤكد البروتوكول أن الشركة المتحدة التي تسيطر على غالبية سوق الإعلام والدراما في مصر تتولى مهمة اكتشاف المواهب في مسارح الدولة والاستعانة بها في الأعمال الفنية التي تقدمها، بجانب التسويق الجيد للأعمال المسرحية المقدمة وعمل الدعاية لها على قنوات الشركة المتحدة لتشجيع الجمهور على حضورها قبل إذاعتها تلفزيونيا.
وطرح البروتوكول الأخير جملة من التساؤلات حول هل تلتزم الشركة المتحدة بتصوير كل عروض مسرح الدولة بالفرق المختلفة أم يتم اختيار العروض الجماهيرية لفرقتي القومي والكوميدي فقط؟ وما هي مدة زمن الإعلان والتنويه عن كل مسرحية جديدة وعدد مرات إذاعته؟ وما هي الخطة المتبعة لاكتشاف المواهب من مسرح الدولة والخروج من سيطرة الشركات والتوزيع والمخرجين؟ حتى لا تتحول المواهب المبشرة إلى كومبارس أو ممثلين في أدوار هامشية مقارنة بالمسلسلات الكبيرة.
ويشكل المحتوى المسرحي إرثا هائلا يمكن أن يحقق مكاسب مادية ومعنوية طائلة، وأن الشركة المتحدة المملوكة لجهات حكومية سوف تحقق أكثر من استفادة، حيث تحصل على إذاعة 2500 عمل مسرحي، حسب آخر إحصاء ذكره رئيس المهرجان القومي للمسرح يوسف إسماعيل، وسوف يكون لديها تراث هائل يتم تسويقه على نحو أكبر حال حقق نجاحا جماهيريا واسعا.
الترويج الإعلامي
تحقق وزارة الثقافة المسؤولة عن دعم الأعمال المقدمة أكثر من هدف، لأن إذاعة الأعمال المسرحية تجنبها انتقادات مستمرة تتهمها بأنها لا تشجع على افتتاح العشرات من المسارح المغلقة، على مستوى الأقاليم التي غابت فيها المسارح ودور العرض السينمائي بشكل كامل، وحصولها على عوائد مادية نظير إذاعة الأعمال المسرحية يمكن أن توظفها في عملية تطوير مسارح الدولة وتحسين جودة الأعمال التي تقدمها.
ويشكل النموذج الذي يقدمه الفنان أشرف عبدالباقي من خلال مسرح نجيب الريحاني بوسط القاهرة دعما لإمكانية تكرار الفكرة عبر مسارح الدولة، حيث أثبتت التجربة أن الجهات الحكومية قادرة على العمل لتطوير المسارح على مستوى جودة المضمون المقدم وإنشائيا أيضا، وتحقيق إجراءات السلامة المدنية من خلال الاستفادة من العوائد التسويقية للبث التلفزيوني.
واتجه الفنان عبدالباقي قبل ثلاث سنوات إلى إحياء مسرح الفنان القدير الراحل الريحاني دون تشويه تراث المسرح القديم الذي شهد تأسيس فرقة الريحاني في العام 1916، وكانت خشبته شاهدة على تقديم العديد من الأعمال المسرحية الرائدة، قبل أن يتحول إلى مكان مهجور.
قال رئيس الإدارة المركزية للمركز القومي للمسرح والموسيقي والفنون الشعبية ياسر صادق إن التعاون مع جهة إعلامية (الشركة المتحدة) تملك أدوات عديدة يسهم في إحداث نهضة مسرحية، وأن الأعمال التي قد يشاهدها المئات على المسرح سوف تكون متاحة للملايين في مصر والعالم العربي، ويحقق ذلك نتائج فنية وثقافية هائلة، بغض النظر عن المكاسب المادية.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن وزارة الثقافة تستهدف تعريف الجمهور العادي بأنواع عديدة من المسرح بخلاف الاسكتشات أو المسرح الهزلي السائد منذ عقود، ما قاد إلى توجيه الذوق العام نحو لون مسرحي واحد، في حين أن هناك الكثير من الأعمال الجديدة التي تسهم في تغذية العقول دون أن يعرفها أحد.
النموذج الذي يقدمه الفنان أشرف عبدالباقي من خلال مسرح نجيب الريحاني يشكل دعما لإمكانية تكرار الفكرة عبر مسارح الدولة
وأوضح أن العامل الأهم يتمثل في الترويج الإعلامي لمسارح الدولة على فضائيات يتابعها جمهور واسع، ويساعد ذلك على توفير أدوات التصوير المتطورة التي تساعد على تقديم المسارح بشكل جيد للجمهور تدفعه للانجذاب لها على نحو أكبر، ويقود ذلك أيضا إلى الارتقاء بالذوق العام عبر تشجيع بث وإذاعة المهرجانات المسرحية الدولية التي تعقد بشكل سنوي في محافظات مختلفة ولا تلقى الاهتمام الكافي.
وأكد المدير التنفيذي للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية حسام صالح أن تفعيل البروتوكول يتضمن اختيار القنوات العارضة بحيث تتماشى مع نوعية المنافسة بحيث لن يكون قاصرا على شاشة واحدة بل مختلف الشاشات، لأن هذا محتوى تمتلكه مصر ويجب أن يكون موجودا على جميع الفضائيات لتوثيقه ويكون غذاء للروح يساهم في تنمية الإنسان المصري.
وليست هذه المرة الأولى التي توقع فيها اتفاقات بين جهات حكومية وثقافية، إذ سبق ذلك التوصل لاتفاق مشترك بين وزارتي الثقافة والإعلام ترتب عليه بث عدد محدود من المسرحيات على قناة “النيل الثقافية”، وهي قناة محلية متخصصة تابعة لاتحاد الإذاعة والتلفزيون، ولا تحظى بمعدلات مشاهدة مرتفعة، ويتم بث بعض المسرحيات في أوقات متأخرة من الليل، ولم يتحقق الهدف الثقافي منها.
وذكر الناقد المسرحي المصري عمرو دوراة أن التفاؤل بتوقيع الاتفاق الأخير يصطحب معه حذرا شديدا نظرا لتكرار توقيع الاتفاقيات بين وزارة الثقافة، ممثلة في بعض هيئاتها ومؤسساتها المسرحية، واتحاد الإذاعة والتلفزيون خلال عدة عقود سابقة، لكنها تصطدم في كل مرة بكثير من المعوقات على أرض الواقع تجهض التجربة منذ بدايتها أو بعد فترة زمنية قصيرة جدا.
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن التجربة الوحيدة التي استفاد منها المسرح من إمكانيات البث التلفزيوني والانتشار الجماهيري كانت خلال فترة الستينات من القرن الماضي، حينما قام التلفزيون الرسمي تحت رئاسة عبدالقادر حاتم بتأسيس فرق التلفزيون المسرحية الأربعة، وهي: الحديث والكوميدي والعالمي والحكيم، إشراف الفنان السيد بدير الذي وضع اللوائح والمعايير التي تقرر ضرورة تقديم كل عرض لمدة أسبوعين قبل تصويره، وتقديم كل عرض ضمن الجولات الفنية في الأقاليم.
ونجحت تلك التجربة في خلق نجوم جدد للمسرح، ففي مجال المسرح الكوميدي ظهر الفنانون: فؤاد المهندس، محمد عوض، أمين الهنيدي، شويكار، خيرية أحمد، ميمي جمال، حسن مصطفى، جمال إسماعيل، سعيد صالح، عادل إمام، الضيف أحمد، جورج سيدهم، وغيرهم من المبدعين الذين أسهموا في رواج مسرح الدولة.