الروبوت ولا الأذى!

من الروبوت الجليس إلى الروبوت النادل، مرورا بروبوتات على هيئة حيوانات أليفة، أصبحت الآلات الذكية جزءا من حياتنا اليومية، ويشير النمو المتزايد إلى أنها ستمتد لتشمل بتأثيراتها كل التفاصيل.
قبل ذلك شهد التعامل مع ظهور الأجهزة الإلكترونية والهواتف الذكية استخداما متناميا للأوامر الصوتية، واليوم في عالم أصبحت فيه العزلة شيئا طبيعيا، لا بد من التساؤل حول التأثيرات النفسية التي ستخلّفها الحياة في المدن الذكية على حياتنا.
قد لا يأخذ معظمنا جدّيا التحذيرات التي يطلقها خبراء اجتماعيون من احتمال تلاشي مؤسسة الزواج، التي ظلت على مدى الآلاف من السنين نواة للمجتمعات الإنسانية، إلا أن البوادر تشير إلى تأخر سن الزواج، أو العزوف عنه كلية، بين الشباب من جيل التكنولوجيا الرقمية.
◙ من المهم أن نخرج من حالة السلبية وعدم تجاهل ما قد يترتب عليها من آثار اجتماعية، خاصة من خلال التفاعل اليومي مع روبوتات تعرض سلوكيات شبيهة بسلوكيات البشر
يبدو الحديث عن اضمحلال مؤسسة الزواج أمرا يصعب تقبله أو سابقا لأوانه، ولكن مراجعة سريعة لتغير الممارسات اليومية للأفراد، ستشير حتما إلى تزايد العزلة بينهم.
يمكن ملاحظة ذلك بين أفراد الأسرة الواحدة أو بين مجموعة من الأصدقاء يتناولون الطعام أو الشراب. أو في عادات التسوق وإجراء المعاملات اليومية.
حدث هذا قبل الولوج في عصر الذكاء الاصطناعي. لذلك تصبح المخاوف والتحذيرات التي يطلقها المتخصصون مبررة وتستدعي الوقوف عندها وتحليلها مع تزايد استخدام الأنظمة الذكية.
التكنولوجيا الذكية أصبحت جزءا من حياتنا، هذه حقيقة لا يمكن تجاهلها. من المهم أن نخرج من حالة السلبية وعدم تجاهل ما قد يترتب عليها من آثار اجتماعية، خاصة من خلال التفاعل اليومي مع روبوتات تعرض سلوكيات شبيهة بسلوكيات البشر.
لقد اختفى من حياتنا اليومية، أو هو في طريقه للاختفاء، البائع وموظف البنك والكومسري، والمدرب الرياضي الخاص. والجيران الذين يشاركونا نفس الشارع ونفس العمارة تحولوا إلى أشباح، يمرون أمامنا ويختفون سريعا، دون إلقاء التحية، ويتحاشون تبادل النظرات.
قد يبدو هذا الكلام بالنسبة إلى قاطني الأرياف والبيئات الشعبية أمرا مبالغا فيه، ولكنه حقيقة في المدن الكبيرة.
لا نحتاج للكثير من الخيال، لنتصور كيف ستكون الحياة مستقبلا في المدن الذكية التي نتسابق على بنائها. سنمضي يومنا نتحدث إلى أشباح. نستيقظ على صوت المساعد الصوتي، يخبرنا أن الوقت قد حان للنهوض، وأن الحمام جاهز لدش ساخن.
ما أن نجلس، حتى يحضر لنا روبوت خاص فنجان قهوة ساخن وشطيرة للإفطار. لن يكون علينا التفكير برفع الكؤوس والأطباق وغسلها، الروبوت المهذب سيقوم بذلك دون أن يبدي أيّ انزعاج.
جدول الأعمال جاهز أيضا، وإن كنت مضطرا للخروج إلى موعد عمل، ستجد روبوتا على هيئة كلب أليف يودعك عند الباب، وسيارة ذاتية القيادة بانتظار ما تمليه عليها من أوامر.
في طريقك إلى الموعد لن تنشغل بمراقبة ما يجري حولك في الشارع، ولن تجد في طريقك شرطي مرور تبادله التحية، الأنظمة الذكية حلت مكانه. ستكون مشغولا بهاتفك الذكي ومطمئنا إلى أن سيارتك الذكية ستوصلك إلى المكان الذي تقصده، وتقوم بتنبيهك فور الوصول. وقد تتمنى لك وقتا طيبا إن كانت مبرمجة للقيام بذلك.
علماء الاجتماع يحذرون خاصة من زيادة احتمال إسناد الفاعلية المقصودة إلى الروبوت. ويحدث هذا عندما يبدو أن الروبوت يتصرف وفقا لمعتقداته ورغباته الخاصة، بدلا مما هو مبرمج للقيام به.
هذا السيناريو لم يعد سابقا لأوانه، لقد بات حقيقة نسير إليها بخطوات متسارعة. وهذا ما حذرت منه دراسة لفريق من الباحثين في المعهد الإيطالي للتكنولوجيا.
◙ في السابق كان الناس يتداولون في ما بينهم مثلا يقول "الجنة بلا ناس ما بتنداس". في السنوات القليلة الماضية تداولوا مثلا يقول "الوحشة ولا الأذى"
قام الفريق بالتحقق من استجابة المشاركين في الدراسة لروبوت مجسم يسمّى "iCub" وأكمل المشاركون استبيانا قبل التفاعل مع الروبوت وبعده، وهو الذي تمت برمجته للعمل كإنسان آلي أو بطريقة أكثر ودية.
ووجد الفريق أن أولئك الذين تعرضوا للروبوت المبرمج للعمل كإنسان كانوا أكثر عرضة لتقييم تصرفات الروبوت على أنها مقصودة.
وأشارت الدراسة التي نشرت نتائجها في مجلة التكنولوجيا والعقل والسلوك، إلى أنه من المرجح أن يعتقد الناس أن الذكاء الاصطناعي قادر على التفكير المستقل عندما يخلق الانطباع بأنه يمكن أن يتصرف مثل البشر.
إذا كان العالم كما هو عليه اليوم قاس بما يكفي لإثارة مخاوفنا، كيف سيكون العالم وقد سيطرت عليه أنظمة ذكية وروبوتات تتكلم وتشعر باللمس وتميز الروائح وتتجاوب مع المشاعر وتتعاطف معنا، تفرح لفرحنا وتحزن لحزننا.
في عالم مثل هذا ما حاجتنا إلى الآخرين؟
في السابق كان الناس يتداولون في ما بينهم مثلا يقول "الجنة بلا ناس ما بتنداس". في السنوات القليلة الماضية تداولوا مثلا يقول "الوحشة ولا الأذى".
إذا صدقت توقعات الخبراء، سينتشر بيننا في المستقبل القريب مثل آخر يقول "الروبوت ولا الأذى".