سمير جعجع.. "الحكيم" في معركة الرئاسات المعقدة

هل خسر الرهان أم ربحه بعد الانتخابات اللبنانية الأخيرة؟
الثلاثاء 2022/07/05
في حصار غير مسبوق

أول خسارة تكبّدها رئيس حزب القوات اللبنانية خلال الفترة الماضية، خسارته لرهانه على تغيير معادلات مجلس النواب اللبناني، حين قال إن الرئيس نبيه بري لا يتوافر على مواصفات رئيس مجلس نيابي تريدها القوات. فبقي بري وصمت جعجع.

الخسارة الثانية كانت في مجلس النواب ذاته، حيث بدت الأكثرية التي انتزعتها القوات أكثرية وهمية، فالقرار ما يزال بيد الثنائي الشيعي وحليفه التيار العوني، وإن مرّت تلك العلاقة التحالفية بتشويش عابر بين الوقت والآخر.

تلت هذه المعركة معركة رئاسة الحكومة التي حسمت بسرعة لصالح استمرار ميقاتي، وهذا يعني بقاء التوازن الحالي دون أن يجري ذلك التغيير الذي بشّر به جعجع، وبقي ميقاتي وصمت جعجع. أما المعركة الثالثة، فهي مشروع رئيس القوات التاريخي، الوصول إلى رئاسة الجمهورية، في سباق ماراثوني طويل النفس، سبق وأن دفعه إلى عقد تحالف معراب مع ميشال عون، والدفع به باسم وحدة الصف المسيحي إلى كرسي الرئاسة ليكون جعجع هو التالي، لكن هذا لم يحدث، وانقلب عون وصهره باسيل على جعجع. واليوم يقول جعجع إن “القوات لن تنسق بأي شكل من الأشكال مع التيار الوطني الحر في أي ملف من الملفات”، ويضيف “ليس هناك من تفاهم أبدا مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون”.

المرشح الطبيعي

جعجع يرى نفسه "مرشّحا طبيعيا" لرئاسة الجمهورية، بينما يقول اللبنانيون إن من سيسكن قصر بعبدا بعد عون، لن يكون رئيسا قويا، حتى لو كان لديه 19 نائبا في مجلس النواب

يقول جعجع عن نفسه إنه ”مرشّح طبيعي“ لرئاسة الجمهورية، ويقول اللبنانيون إن من سيسكن قصر بعبدا بعد عون، لن يكون رئيسا قويا، حتى لو كان لديه 19 نائبا في مجلس النواب، أي جعجع بالطبع والذي كان المرشح الأبرز، لكن للخروج من المنافسة وليس لكسبها.

حزب الله وحركة أمل وخصوم جعجع المسيحيون لم يرفضوا الحكيم وحده، بل أيضا احتمال ترشيحه لعقيلته ستريدا جعجع لمنصب رئاسة الجمهورية.

لكن كيف سيصل جعجع إلى هذا الكرسي وهو محاط بأعداء يتربصون به ويصفونه بالإرهابي القاتل، كما جاء على لسان أمين حزب الله حسن نصرالله بعد أحداث عين الرمانة الأخيرة؟

أعضاء حزب القوات ونوابه لم يتوقفوا عن الترويج للحكيم طيلة الفترة الماضية، والقول إنه سيكون مرشحهم الوحيد. صحيح أنه الوحيد بالنسبة إليهم، ولكنه ليس الوحيد بالنسبة إلى الصفقات والتسويات لدى اللاعبين الإقليميين والدوليين المؤثرين في الشأن اللبناني.

الاستقطاب الذي تخلقه شخصية جعجع أقوى من أي تسوية، وأكثر حدة من أن يتم احتواؤه، وهذا دورٌ يطيب له أن يلعبه، ولكنه لن يساعده في معركة رئاسة الجمهورية.

بوسع جعجع أن يمهّد الطريق لغيره، ففي ظل الكيمياء الحالية بين الفرقاء اللبنانيين لن يكون ممكنا التفاهم عليه كرئيس توافقي في بلاد التوافق. فمن يمكن أن يكون ذلك الذي يرضي جعجع ولا يزجع حزب الله؟

سيكون رئيس تيار المردة سليمان فرنجية على رأس القائمة ومعه الخاسر الآخر جبران باسيل، ولكن أي واحد من الاثنين سيكون خسارة إضافية لجعجع لا لموقع الرئاسة وحسب، بل أيضا لأن الرجلين يتموضعان بشكل تام في المحور الآخر المناقض للمحور الذي يدعم جعجع، أي المحور الإيراني السوري.

معركة الإصلاح الداخلي

واقعيته لا تستر شيئا من الوهم الذي سيطر على تصريحاته الأخيرة

يراهن جعجع على إصلاح المؤسسات من خلال زيادة حضور القوات فيها من جهة، وفي الشارع من جهة أخرى. والإصلاح في لبنان قضية وحدة، فهو إصلاح غير مرتبط ببنية المؤسسات القديمة وتحديثها، بقدر ما هو مرتبط بتخليص تلك المؤسسات من الطائفية والمحسوبيات وما تم التعارف عليه منذ تأسيس الكيان اللبناني بالميثاقية.

فالكفاءات لا قيمة لها في مؤسسات الدولة كافة، بقدر ما تطغى العشائرية والمذهبية على توزيع الوظائف، والمحاصصة أكلت الدولة من قلبها قبل أن تبدو على سطح جسدها في صراعات المسؤولين الكبار والزعماء الطائفيين والإقطاعيين.

وفوق هذا كله تأتي ممارسات حزب الله الذي ينتمي إلى الساحة الإقليمية أكثر من انتمائه إلى لبنان الدولة، وفق ما كرّره نصرالله مرارا، ووفق سلوك الحزب في الدفع بمصالح إيران فوق مصالح لبنان، وهذا ينسحب على قضايا كبرى، من قرار الحرب، إلى النفط والغاز والكبتاغون وصنوف المخدرات التي تغرق العالم العربي متدفقة من لبنان، حيث تجار المخدرات المحميون من الحزب وحلفائه.

جعجع غرّد عن هذا قبل أيام، في ذكرى اليوم العالمي لمكافحة المخدرات، مرفقا تغريدته بصورة لكرسي رئاسة مجلس النواب، قائلا ”لمكافحة المخدّرات ومكافحة المخدّرين في كراسي السلطة“.

ولكن سرعان ما جاءه الرد من علي حسن خليل عضو كتلة التنمية والتحرير عبر تويتر قال فيها ”فعلا إن الحِكمة لا تحلّ الجسد المسترق للخطيئة، وصدق من قال: العفو يفسد من اللئيم بقدر إصلاحه من الكريم“. وأضاف خليل ”رحم الله الرئيس رشيد كرامي“.

حرب الماضي على الحاضر

شعار إصلاح المؤسسات رهان مستمر لجعجع، من خلال زيادة حضور القوات فيها من جهة، والإصلاح في لبنان غير مرتبط ببنية المؤسسات، بل بتخليصها من الطائفية والمحسوبيات

جعجع في حصار غير مسبوق، يحصون عليه أنفاسه، وكلما استعاد بريقه القديم، عادوا لتذكيره بما يعتبرونه دورا تخريبيا للقوات مارسته ضد وحدة اللبنانيين.

إن صمت عنه حزب الله وحركة أمل في يوم من الأيام، نطقت القوى المؤيدة لهما بالنهج ذاته، كما في تحذير مجلس محافظة بيروت في “حركة الناصريين المستقلين – المرابطون“ الذي صدر مؤخرا عن الحرمة وجاء فيه أنّ “ما يُطرح اليوم وبشكل جدّي، مشروع تقسيم بلدية بيروت إلى بلديّتين، من قِبل نوّاب بيروت في القوات اللبنانية، يؤكّد المؤكّد أنّ مدرسة القوّات اللّبنانيّة ومديرها المدعو سمير جعجع، تختزن في عمقها البنيوي التطرّف والتعصّب الطّائفي، وهذا ما يفسّر مسارها السّياسي وتاريخها الدّموي التّقسيمي، الذي كان يتعارض مع كلّ الأحزاب والقوى والتيّارات الوطنيّة؛ التي كانت تدعو دائما إلى لُحمة الوطن اللبناني“.

واتهمت الحركة حزب القوات، بعد اجتماع استثنائي عقدته، أنها لم تكن يوما إلّا أداة من أدوات الفتنة والتّخريب، التي تُستخدم من قِبل كلّ من لديه مشروع إضعاف لبنان عبر تقسيمه وتفتيته، فكانوا دائما المنفّذين لمسارات الكانتونات غبّ الطلب، وتاريخهم يشهد. حسب البيان الذي استنكر حديث نواب القوات عن بلدية في بيروت الشّرقيّة وبلديّة في بيروت الغربيّة. الأمر الذي اعتبره منهاضو جعجع عودة إلى زمن خطوط التماس والحرب الأهلية.

حصار غير مسبوق يفرض على جعجع، وكلما استعاد بريقه، عادوا لتذكيره بما يعتبرونه دورا تخريبيا للقوات

ليس فقط علاقة القوات القديمة مع الإسرائيليين هي التهمة التي تنغّض على جعجع أيامه هذه، بل أيضا حين يأتيه الهجوم من خاصرة دعمه لمعارضي النظام السوري، وموقفه من رئيسه بشار الأسد، دعم تحوّل إلى اتهام بالتنسيق مع الإرهاب، إذ يكثّف حزب الله، وفروعه في المنطقة من نشر تقارير تحوي معلومات يقول إنها موثقة عن أن خلية من تنظيم القاعدة الذي يقوده من شرق سوريا أبومحمد الجولاني موجودة منذ سنوات أربع في بيروت الشرقية وفي منطقة ذوق مكايل تحديدا وتحظى برعاية وحماية القوات اللبنانية، وتزعم تلك التقارير أن هذه الخلية تنشط في مخيمات اللاجئين السوريين ما بين البقاع والهرمل وطرابلس وبيروت الغربية وفي حين أن مهمتها تتعلق بالجانب المالي، وجمع التبرعات بغرض تسخيرها للإرهابيين وتمويل تجنيدهم.

يصارع جعجع للنجاة، وينشّط تحالفا هشّا مع الحزب التقدمي الاشتراكي، قائما على تعزيز النقاط المشتركة وغض النظر عن النقاط الخلافية، والتي كان من بينها مسألة التصويت لبري لرئاسة المجلس، غير أنه يدرك جيدا أن احتمال أن يكون رابحا في أي من تلك المعارك ضعيف للغاية، ولعله رضي بصيغة ”لا غالب ولا مغلوب“ في المرحلة الحالية، تحضيرا للقادم الذي لا يعرفه أحد، وهو ما يزال يقول معدّلا من نبرة المنتصر إلى سواها إن “الإنتخابات النيابية انتهت بانتصار شئنا أم أبينا والتيار وحزب الله وحلفاؤهم كانوا الأكثرية بـ 78 نائبا”، ويضيف “كنا نخرق ببعض القوانين أو نعطل ببعض الأمور عندما كانوا يختلفون واليوم لم يعد لديهم هذا العدد، وكنا بمواجهة حائط مسدود“.

يحسب الحكيم على أصابعه عدد الهزائم والانتصارات، وفي كلّ مرة يعيد العد من جديد، يقول “إذا عددنا حزب الله وجماعته فهم 4 أو 5 فرقاء وينسقون، لا يجب أن نتفاءل ولا نتشاءم بسرعة، بصف المعارضة على الأقل هناك ما بين 35 إلى 37 فريقا، التغييريين عدة فرقاء كما تبين، وبالتالي الصعوبة تكمن هنا“.

الاستقطاب الذي تخلقه شخصية جعجع أقوى من أي تسوية، ولن يساعده في معركة رئاسة الجمهورية
الاستقطاب الذي تخلقه شخصية جعجع أقوى من أي تسوية، ولن يساعده في معركة رئاسة الجمهورية

ولم يكد اللبنانيون يستقرون على جديد جعجع من التحالف مع جنبلاط، حتى عاجلهم بنفسه بالقول ”الحزب الاشتراكي لم يعد متحركا اليوم، والدليل عدم تسمية ميقاتي، أما العلاقة مع برّي فهي شخصية وتاريخية وبرّي مدّ يده أكثر من مرّة“.

لكن ومع واقعيته المعهودة، إلا أن شيئا من الوهم يسيطر على تصريحات جعجع الأخيرة، حين يقول “نحن حاولنا توفير وقت على الناس وعلى النواب، يفترض أنهم يريدون ما نريده، كنا قادرين أيضا على تسمية رئيس حكومة وأن نقوم بما نريد، لكن النواب الجدد كل يفكر وحده ولا يتفقوا ولا وجود لجواب واضح لأنهم غير موحدين من الداخل“، مضيفا قوله ”المشكلة بعدم وجودة كتلة معارضة متراصة“.

وفي عودة إلى اللافتات السياسية التي سبقت زمن الانتخابات الأخيرة رجع جعجع إلى لعن عهد عون، واعتبار ”العهد أسود“، متوعدا إياه بغضب الشعب قريبا، ومحذّرا منه بما يوحي بقلقه مما يحاك في الخفاء وخلف الأستار، حين يقول “يجب منع ميشال عون من تشكيل حكومة على صورته ومثاله هو وجبران باسيل قبل نهاية العهد“.

هل سيطوي الزمن جعجع كما يطوي الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان عبر المعادلات والتسويات؟ أم سيتمكن من العبور هذه المرة أيضا إلى ما يريد، كما عبر من الحرب ومن بعدها السجن، والاغتيال والعزل السياسيين، وهيمنة إيران التي أصبحت لا تشغل بالها بلبنان على اعتباره حارة خلفية من حارات طهران.

12