استراتيجية واشنطن لدعم السيدات تمتد إلى مناطق الصراعات

باتت قضايا المرأة وتمكينها وتهيئة الأجواء أمامها في مناطق كثيرة لاختراق العديد من التابوهات قضية مركزية تحتل أولوية في الكثير من المبادرات الغربية خاصة الأميركية التي تستهدف المنطقة العربية.
القاهرة - تولي الإدارة الأميركية اهتماما بقضايا النوع الاجتماعي من خلال استراتيجية وضعتها للإنصاف والمساواة بين الجنسين تحولت إلى نهج شامل، حيث تدعو كل وكالة فيدرالية إلى وضع خطط ملموسة للتنفيذ، ففي مارس من العام الماضي دعا الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إنهاء العنف وتحديث توجهات بلاده لمنعه.
وقد يرى البعض أن هذه السياسة غير ملموسة على نطاق واسع وربما عديمة الجدوى، إلا أن نتائجها تخدم التصورات الأميركية في مجال حقوق الإنسان، ولا تحصره في النطاق السياسي، وتوفر له مساحة للحركة في مجالات يعتبرها البعض أقل أهمية، لكن تأثيراتها على المدى البعيد لن تتوقف عند مساراتها المباشرة.
الولايات المتحدة تشعر بمسؤوليتها المعنوية تجاه أفغانستان، وتخشى أن تزداد معاناة النساء في ظل هيمنة طالبان
وبدأت السياسة الخارجية الأميركية تعمل على بلورة رؤى محددة وتطبيقها من خلال شراكات مع دول مختلفة، وتلتزم وزارة الخارجية بدعمها مع جميع الدول، وتعزيز الشراكات مع الفتيات وحلفاء النساء والحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص.
وخصصت الولايات المتحدة إدارة معنية بهذا الأمر هي “مكتب قضايا المرأة العالمية” ويتبع وزارة الخارجية بغرض التأكيد على أن ثمة إدراجا وإدماجا لكل قضايا المرأة والمساواة بين الجنسين من خلال كل السياسات التي يتم تنفيذها.
والتقت “العرب” كاترينا فوتوفات كبيرة المسؤولين في وزارة الخارجية بمكتب قضايا المرأة العالمية على هامش حضورها مؤتمرا يتعلق بالمرأة عقد مؤخرا في القاهرة، تحدثت فيه عن الاستراتيجية الأميركية والخطط المتوقعة في المنطقة العربية والعالم وتصورات واشنطن للتعامل مع النساء بمناطق الصراعات.
قواسم مشتركة
أوضحت كاترينا الحاصلة على دكتوراه في القانون الدولي لحقوق الإنسان ودرجة الماجستير في السياسة الخارجية لـ”العرب” أن الولايات المتحدة لديها أولويات محددة، بينها العمل على مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي، وأحد التصورات المستخدمة هي علاقات الشراكة الرامية إلى مناهضة العنف ضد المرأة، فهي أشبه بجائحة عالمية تفاقمت مع تفشي فايروس كورونا، فقد أسهم هذا الوباء في تسليط الضوء على الظاهرة، وبحث علاقات شراكة لخلق قواسم مشتركة يمكن من خلالها التصدي لها.
وأشارت إلى وجود قضية أخرى تعتبر ضمن الأولويات الأميركية، وهي قضية أمن وسلامة المرأة، لأن هناك قرارا صدر عن مجلس الأمن الدولي بخصوص حماية المرأة ودمج النوع الاجتماعي، وبدأت واشنطن في الاستعانة به لتنظيم التدخل في هذا الشأن وتوظيفه كمظلة في بعض القضايا التي يجري التعامل معها.
وقالت كبيرة المسؤولين بوزارة الخارجية في مكتب قضايا المرأة العالمية “عندما نتحدث عن هذا المكون نركز بشكل خاص على القيادة واضطلاع المرأة بأدوار قيادية، قابلت ثلاث وزيرات عربيات من مصر، كل منهن تتمتع بقدرات وإمكانيات ضخمة للغاية، ما يدل على أهمية مفهوم تمكين المرأة في المنطقة العربية الذي يعتبر من محاور تركيزنا، ويدخل ضمن مسألة القيادة وبناء السلام”.
وكشفت أن مكتب قضايا المرأة يعمل في مجال بناء السلام ويدعم الجهود المبذولة في هذا الصدد، ولديه أيضا مركز متميز في هذا الإطار، وهناك جهود مبذولة لدعم السيدات في بناء السلام، وأهمية توثيق علاقات الشراكة.
ولفتت إلى وجود فجوة في نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل مقارنة بعدد السكان على مستوى المنطقة العربية، مؤكدة أن “هدفنا تحقيق المساواة على الصعيد الاقتصادي، نأمل إحراز تقدم بمعدل متزايد، ونعترف بأن الكثير من السيدات خرجن من سوق العمل في أثناء تفشي وباء كورونا، ونريد تعويض ذلك خلال السنوات الخمس المقبلة”.
التعليم وسوق العمل
حول العقبات التي تراها قائمة في ما يخص عمل المرأة ومشاركتها في سوق العمل وسبل التصدي لها، قالت “قدمنا برامج وحلولا تعليمية تستهدف الفتيات، لكن التحدي الحقيقي يكمن في إيجاد صلة بين التعليم وسوق العمل وكيفية الانتقال من الحصول على التعليم إلى إيجاد فرص عمل مناسبة، والحرص على أن تكون لائقة وذات جودة مرتفعة للفتيات، والتحدي الذي أراه يواجهنا حاليا كمشكلة عالمية أن نجد حلا لكيفية تيسير انتقال المرأة من التعليم إلى سوق العمل”.
شددت كاترينا فوتوفات على أهمية مشاركة القطاع الخاص في دعم توظيف المرأة وتوفير فرص عمل صالحة لها، قائمة على فكرة المساندة المادية الإيجابية، إذ ينبغي أن يقدم الاقتصاد دعما للمرأة بتوفير الخدمات لها، فعندما تدخل المرأة سوق العمل لا بد من توفير خدمات وفرص رعاية لأبنائها، وتصبح البيئة مواتية وظروف العمل مرنة وتسمح بتوظيف المرأة وتتيح لها الاستمرار في عملها.
وأكدت أن هناك قضية أخرى توليها الولايات المتحدة اهتماما تتعلق بكيفية العمل على مكافحة العنف القائم على نوع الجنس، ووقف ممارسات خاطئة تحدث في بيئة العمل مثل التحرش، ما يستدعي التنسيق مع أصحاب الأعمال.
السياسة الخارجية الأميركية تعمل على بلورة رؤى محددة وتطبيقها من خلال شراكات مع دول مختلفة وتعزيز الشراكات مع الفتيات وحلفاء النساء والحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص
وأضافت أن تدعيم المرأة في مجال ريادة الأعمال مسألة مهمة، مع مناقشة كيفية إتاحة الفرصة لها للحصول على مصادر تمويل، فهي ليست متاحة بشكل كبير للسيدات، ومعظم المؤسسات المالية في العالم تتوجه نحو الاستعانة بالرجال، لذلك من مهمتنا توفير أدوات وخدمات مواتية للمرأة، ودعم عملية لتثقيف ومحو الأمية المالية الموجهة إلى المرأة لتتمكن من الحصول على فرص تمويل.
ويهتم مكتب قضايا المرأة العالمية ببرامج مختلفة خاصة بمناطق الصراعات والدول التي تشهد نزاعات وحروبا، حيث يتبنى المكتب الكثير من برامج بناء السلام.
وذكرت كاترينا فوتوفات، التي تتمتع بخبرة تزيد عن 20 عاما في مجال الدفاع عن النوع الاجتماعي وحقوق الإنسان على مستوى العالم، أنها تستهدف السيدات اللاتي تركن مناطق النزاع وتقديم الدعم لهن وبناء قدراتهن ليستطعن بذل جهود كبيرة في مجال بناء السلام، ووضع برامج ترمي للوصول إلى السيدات اللاتي مازلن متواجدات في مناطق النزاعات من خلال تدريبات متقنة تساعدهن على بناء قدراتهن.
وأشارت إلى أن هذه عملية مهمة للغاية بالنسبة إلى النساء، فقد جرت العادة أن السيدات في الدول التي تشهد صراعات يشاركن في أعمال الإغاثة والمساعدات الإنسانية، ولا بد من مساعدتهن على القيام بهذه الجهود بشكل جيد، لافتة إلى ما يقدم من دعم مادي ومعنوي سخي من جانب واشنطن لكل من العراق وسوريا واليمن وأفغانستان.
وتابعت في حديثها “نتواجد في كل المناطق التي تشهد صراعات ونحاول مساعدة النساء في كل أرجاء العالم، ونريد التيقن أن السيدات يتلقين الدعم المطلوب، سواء كن يعشن داخل المنطقة الملتهبة أو غادرنها، فعندما ينشب نزاع جديد يتم إغفال ونسيان النزاعات السابقة، لكن إدارتنا بعيدة عن هذا النهج، فلا تغفل النزاعات القديمة والجديدة، نقوم بمهام عمل مع السيدات والفتيات في أفغانستان، وهناك مسؤول محدد مكلف بالعمل هناك، ونولي هذا البلد اهتماما كبيرا”.
وتشعر الولايات المتحدة بمسؤوليتها المعنوية تجاه هذا البلد عقب انسحاب قواتها العسكرية العام الماضي، وتخشى أن تزداد معاناة النساء في ظل هيمنة حكومة طالبان المتطرفة، وأوجدت شراكات مع المجتمع المدني لتخفيف المعاناة عنهن.
نموذج التمكين المصري

حول خطط وأهداف برنامج مكتب قضايا المرأة العالمية بالخارجية الأميركية للمنطقة العربية، قالت كاترينا فوتوفات “لدينا برامج مختلفة في المنطقة العربية يتم تنفيذها، ونحن مستمرون في الشراكة مع حكومات متعددة، ومبادرة خاصة بإتاحة التمويل وريادة الأعمال للمرأة في دول متباينة، وتوجد فرص كثيرة لبناء التعاون مع دول أخرى”.
وأطلقت واشنطن عبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية برنامج التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة لمدة خمس سنوات بتكلفة تبلغ 39 مليون دولار، تستفيد منه مئتا ألف سيدة مصرية، مع التركيز على تحسين بيئة عمل المرأة في القطاع الخاص وتوسيع الشمول المالي والحد من العنف ضد النساء والفتيات.
ومن المتوقع أن يصل البرنامج إلى 15 مليون مصري من خلال حملة توعية عامة لزيادة دعم حقوق المرأة ورفع مستوى أدوارها في المجتمع.
الولايات المتحدة خصصت "مكتب قضايا المرأة العالمية" ويتبع وزارة الخارجية بغرض التأكيد على أن ثمة إدراجا وإدماجا لكل قضايا المرأة والمساواة بين الجنسين من خلال كل السياسات التي يتم تنفيذها
وتحدثت كاترين فوتوفات عن علاقة الشراكة الأميركية - المصرية، قائلة “تعتبر مصر من الشركاء المقربين وهناك تعاون طويل الأمد، ولذلك أطلقنا في القاهرة برنامج التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة”.
وأكدت أن الإدارة الأميركية تهتم بمحور التمكين وتحقيق الأمان الاقتصادي للسيدات، والبرنامج الذي أطلق في مصر “نموذجي ويتجاوب مع مكونات مختلفة تخص المرأة، ونتبع نهجا تكامليا في التعامل مع كل القضايا بالتعاون مع الشركاء”.
وكشفت أن الولايات المتحدة استثمرت في مصر مبلغا يتجاوز 30 بليون دولار في مجال دعم السيدات “استطعنا القيام بجهود لرفع معدل التحاق الفتيات بمرحلة التعليم الابتدائي من 50 في المئة عام 1978 إلى 100 في المئة عام 2009، وهذا التقدم جاء نتيجة جهود بذلت على مدار أعوام طويلة، لكن جائحة كورونا أدت إلى تراجع معدلات مشاركة المرأة في سوق العمل عموما، لذلك نحتاج أن نبذل المزيد من الجهود لتعزيز مشاركة المرأة”.
وتبلغ قيمة الدعم والتمويل الموجه لهذا البرنامج 39 مليون دولار، والبرنامج مدته خمس سنوات، جزء منه خاص بتعبئة وحشد القطاع الخاص، وتعظيم مشاركته لكي يكون له تأثير إيجابي.
ووفرت الولايات المتحدة 180 ألف منحة دراسية للفتيات المصريات على مدار العقد الماضي، بجانب فرص تعليمية أخرى لضمان الكيفية التي تحصل بها الفتيات على فرص والنفاذ إلى سوق العمل، ويتم العمل حاليا على إيجاد فرص في قطاعات الابتكارات والإبداعات والتقنيات والتكنولوجيا والزراعة.