الكرنفالات لا تكفي لاستعادة الثقافة المصرية بريقها عربيا

الاحتفالات تجذب الجمهور مؤقتا لكنها ليست ملتقيات ثقافية.
الخميس 2022/06/30
احتفالات ينتهي تأثيرها بنهايتها

الفعل الثقافي ليس فعلا مناسباتيا أو موسميا، يظهر لفترة وجيزة ثم يختفي، إنه منظومة متكاملة مستمرة ومتواصلة، ودون ذلك لن يكون سوى مشهد احتفالي يخفت بنهايته، وهذا ما نشاهده في العديد من الأقطار العربية، ما يدعو إلى العمل على تحويل النشاط الثقافي إلى فعل دائم.

القاهرة - يرى البعض من النقاد في مصر الذين يتابعون الحالة الثقافية أن الدولة تخطو بحماس نحو الجمهورية الجديدة وأدخلت تعديلات كبيرة في كثير من المجالات، غير أن البناء الثقافي لا يزال أقل من التوقعات التي تراهن على الاستفادة من الرصيد الكبير الذي تملكه الدولة من نخب ثقافية، هي بمثابة قوة ناعمة مؤثرة.

يطالب هؤلاء بالمزيد من التحركات لتحريك المياه الراكدة ومحاولة أن تعود القوة الناعمة المصرية إلى سابق عهدها عندما كانت من الأدوات الرئيسية في عملية التأثير، والاستفادة من الفراغ الذي تسبب فيه غياب الأدوات السورية والعراقية واللبنانية جراء ما تعانيه من أزمات هيكلية، ولذلك الفرصة مناسبة لانطلاقة ثقافية.

تحاول وزارة الثقافة مواكبة هذا الاتجاه على طريقتها التي تحتاج إلى إعادة صياغة المنظومة بما يجعلها أكثر تأثيرا، فالمهرجانات والاحتفالات المحلية وإن تمت دعوة نخب عربية لها لن تكفي لاستعادة الزخم الذي تمثله الثقافة، وما يمكن أن يحدثه التوازن بين القاهرة والأقاليم التي تضم مواهب متعددة تحتاج إلى من يفتح لها الطريق.

كثفت وزارة الثقافة المصرية أنشطتها الاحتفالية في مجالات فنية وثقافية مختلفة مؤخرا في سياقات متباينة، واستطاعت إحداث قدر من الحراك غاب كثيرا السنوات الماضية، لكنها في الوقت ذاته لم تلجأ إلى تحديث آليات وصولها ثقافيا إلى فئات مجتمعية بعيدة لا تصل إليها النتائج العميقة التي تحملها التصورات لأنها ركزت على العاصمة القاهرة ولم يعد مثقفو الأقاليم من الحاضرين فيها بشكل مناسب.

اختتمت وزارة الثقافة، الاثنين، فعاليات الملتقى الدولي “جابر عصفور.. الإنجاز والتنوير”، وتضمن ندوات وورش عمل بمشاركة عدد من النقاد والمبدعين والسياسيين من أصدقاء وتلاميذ ومحبي وزير الثقافة الأسبق جابر عصفور الذي رحل منذ حوالي ستة أشهر، وترك ميراثا كبيرا في المجال الثقافي بعد أن خدم عقودا طويلة.

أكدت وزيرة الثقافة المصرية إيناس عبدالدايم أن جابر عصفور أثرى الحياة الثقافية، وقالت إن الحديث يطول عن مكانته الأدبية والثقافية، فهو الأكاديمي الذي تخرج على يديه العديد من الأساتذة، والمفكر الذي أثرى بكتبه الفكرية الوعي الثقافي، وترك برحيله فراغا في الساحة الثقافية لا يستطيع أحد أن يملأه.

الاحتفاء بجابر عصفور

تكريم لشخصية أحبها الشعب
تكريم لشخصية أحبها الشعب 

تؤكد هذه الكلمات المعنى الكرنفالي الذي قامت به وزارة الثقافة تكريما لعصفور، لأن هناك العديد من القامات الأدبية التي خدمت الثقافة بصورة لا تقل أهمية عن الراحل، وربما تفوقه، حيث كانت حركتها في الحقل الأصعب البعيد عن الدولة والذي يستوحي تفوقه من القدرة على الوصول إلى قطاعات عديدة وسط فضاء عام ضيق.

لا يختلف كثيرون بشأن الإنتاج العلمي والنقدي الغزير لجابر عصفور، لكن كثيرين أخذوا عليه التصاقه بالحكومة وأجهزتها، وقد يكون ذلك أفاد الثقافة أحيانا، غير أن طريقة التدجين أو ما يسمى بـ”الحظيرة الثقافية” التي حاول تعميمها بالتعاون مع وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني أضرت بها، ومن نتائجها أن القوة الناعمة تعرضت للتآكل جراء تقديم أسماء لا تملك قدرات حقيقية على حساب أصحاب المواهب.

وضعت وزارة الثقافة خططا تتسم بالطابع الاحتفالي الفترة الماضية وتجنبت الخطط بعيدة المدى التي تعيد بها الزخم للمثقفين المصريين حاليا، فقد يكون الكرنفال الذي أقامته لرواد عشرينيات القرن الماضي مفيدا، غير أنه يستغرق في الماضوية أو النوستالجيا التي باتت مؤشرا على الهروب من الواقع الراهن وتعقيداته.

شوكت المصري: نشر الثقافة والمعرفة يتطلب تطوير الإعلام المحلي

تحرص وزارة الثقافة على الاحتفاء بالمبدعين تزامناً مع ذكرى رحيلهم أو مولدهم وتعج دار الأوبرا بالقاهرة وقاعات المجلس الأعلى للثقافة بندوات وفعاليات تهتم برموز بعينها، لكنها تواجه انتقادات لأنها لا تحول النقاشات إلى حالة ثقافية عامة تصل إلى جميع أنحاء الدولة، وتمكن وزارة الثقافة من إجراء فرز للمبدعين.

عندما دشنت الحكومة انطلاقتها الثقافية نحو محافظات مختلفة هيمن الجانب الكرنفالي على هذا التوجه، وعبرت المهرجانات الفنية التي نظمتها وزارة الثقافة مؤخرا عن أن خطتها تقوم على استقطاب المواطنين إلى نجوم الغناء من دون الغوص في تفاصيل الحالة الثقافية وتطوير الأدوات والآليات المساهمة في نشر الثقافة.

لم تصطحب المهرجانات الفنية ما يوازيها من تطوير على مستوى المضمون الذي تحويه قصور الثقافة والساحات الشعبية، وبدت التجهيزات منصبة على نجاحها دون تهيئة البيئة المواتية التي توجد ترابطا مستمرا بين المواطنين والأنشطة التي تقلصت لتبقى حدثا عرضيا قد ينتهي سريعا ولا يترك مردودات إيجابية طويلة المدى.

يقول الأكاديمي والشاعر شوكت المصري إن الاحتفالات ذات الطابع الكرنفالي لا تكفي لاستعادة الثقافة المصرية بريقها، والخروج بالمهرجانات الفنية من القاهرة إلى الأقاليم يحتاج إلى سياسات جديدة تخاطب الموروثات الثقافية في كل منطقة على حدة ما يجعل هناك أدوات ربط بينها وبين تراثها الثقافي، مع أهمية تفعيل أدوار المبدعين الذين لا يأخذون نصيبهم من الانتشار وتبقى المواهب مدفونة ولا يتم تسليط الضوء عليها.

ويضيف في تصريح لـ"العرب" أن الكرنفالات التي تنظمها وزارة الثقافة لا تتسم بالاستمرارية، وهو عائق آخر يمنع قدرتها على التأثير، كما أن الاحتفاء بالرموز دائما ما يكون في القاهرة دون الانتقال إلى مسقط رأس المحتفى به.

تطوير في المضمون

عرض يحاكي حالة  ثقافية مصرية بعينها
عرض يحاكي حالة ثقافية مصرية 

وتبقى غالبية المهرجانات والأنشطة الفنية أسيرة قدرة الجهات الحكومية على توفير الاعتمادات المالية والخطط التي يضعها كل وزير مفتقرة إلى الهدف القومي الذي يعبر عن قيمة نشر الثقافة كأولوية في مواجهة الأفكار المتطرفة وقيمة لتعظيم القوة الناعمة.

ويشير متابعون للحالة الثقافية في مصر إلى الحاجة لمشروع يستنهض الهمم وتلتف حوله النخب القادرة على العطاء والمؤمنة بأن التغيير يحدث تدريجيا ولا يحتاج إلى ثورة ثقافية، فالزمن الذي تعيشه البلاد لا يحتمل هذا النوع من التغيير.

ويلفت شوكت المصري، وهو المدير التنفيذي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، إلى أن الحكومة لم تفكر في تطوير إعلامها المحلي على مستوى الأقاليم بما يساعدها على تنفيذ خططها الرامية إلى نشر الثقافة والمعرفة، وهي من بداية مهمة للحصول على مخرجات يمكنها أن تواجه التحديات وتعيد اكتشاف أسماء قادرة على العطاء.

عماد الغزالي: وزارة الثقافة تحاول الوصول إلى كل الفئات الشعبية

ويبيّن أن معارض الكتاب التي تنظمها وزارة الثقافة في أماكن عدة لا تتفاعل أو تشتبك مع المدارس والجامعات بحيث تجذب الطلاب إليها ودائما ما تعاني من قلة تجاوب المواطنين معها، في حين أن الدولة بحاجة إلى ربط الطلاب بالقراءة.

وتشير وزيرة الثقافة إلى أن تنويع الفعاليات الإبداعية يستهدف تنفيذ استراتيجيات تحقيق العدالة الثقافية وإعادة تشكيل الوعي والارتقاء بالوجدان، وتؤكد على تواصل التعاون بين وزارتى الثقافة والسياحة والآثار لاستمرار الأنشطة في المواقع السياحية والتاريخية لنشر التنوير وتأصيل فكرة السياحة الثقافية والفنية.

ويوضح الكاتب الصحافي ورئيس التحرير السابق لجريدة القاهرة الصادرة عن وزارة الثقافة، عماد الغزالي، أن السنوات الماضية كانت شاهدة على اهتمام وزارة الثقافة بالوصول إلى الفئات الشعبية في المحافظات المختلفة، وأن توالي المهرجانات الفنية دليل على ذلك، والأمر بحاجة إلى تشجيع تلك الجهود للاستمرار فيها وتطويرها.

ويذكر في تصريح لـ"العرب" أن هناك ترابطا بين التطوير الإنشائي والمعماري وتحسين جودة الحياة في القرى عبر مشروع حياة كريمة الذي يستهدف 4500 قرية وبين تدشين عدة مشروعات ثقافية سواء أكان ذلك عبر الندوات أو عبر مشروع "كشك كتابك" ويستهدف توفير الكتب بأسعار زهيدة لتشجيع الناس على القراءة.

ويشدد على أن الاحتفاء بعميد الأدب العربي الراحل طه حسين على سبيل المثال ليس بالضرورة أن يكون في قريته بمحافظة المنيا، لأن هناك مؤسسات ثقافية تسهم في ذلك بالنشر والندوات وجميع الأنشطة التي لا تمس مباشرة رجل الشارع العادي لكنها مفيدة لأنها تصل إلى مثقفين ومؤثرين في فئات عديدة، والاستمرار فيها عملية ضرورية للحفاظ على ذاكرة الأمة.

في المقابل، هناك من يطالبون باستلهام العبر والدروس من الحالة الثقافية المصرية في الماضي، وكيف نجحت في شق طريقها إلى الكثير من الدول العربية، وتحول البعض إلى رموز وأيقونات ومنارات، وأي مقارنة بين ما يجري الآن وما جرى سابقا لن يكون في صالح الثقافة المصرية حاليا، والتي بحاجة إلى الخروج والتمدد.

عروض تشد الجماهير المتعطشة للفن
عروض ورقصات تشد الجماهير المتعطشة للفن 

13