التسهيلات الضريبية لا تكفي لإنقاذ الإنتاج السينمائي في مصر

تدخلت الحكومة المصرية بعد سنوات من التلكؤ لوقف تدهور إنتاج السينما، الذي تلقى دفعة بمقتضاها يمكن جدولة ضرائب المنتجين والموزعين ودور عرض كأحد المطالب التي تقدمت بها جهات فنية للتعامل مع الأوضاع الراهنة في ظل تراجع معدلات الإنتاج.
القاهرة- شرعت وزارة المالية المصرية في دراسة مقترحات غرفة صناعة السينما التي قدمتها لمصلحة الضرائب تتضمن المشكلات التي تواجهها والقواعد اللازمة للحل.
ومن المقرر عقد ورش عمل للوصول إلى توافق يخفف مشكلات القطاع أسوة بما قامت به السلطات مع نقابات المهن الموسيقية والسينمائية والتمثيلية.
ووعدت الحكومة بالعمل على حل المشكلات الضريبية التي تواجه القطاع، لكن الأمر يتطلب وجود فهم كامل لهذا المجال والتحديات، التي تعترضه عبر اتفاق بين مصلحة الضرائب والغرفة، والعمل على وضع آلية لتيسير الإجراءات أمام الممولين.

ماجدة موريس: تدخل وزارة المالية لا يمكن الاعتماد عليه لتطوير الإنتاج
وجاء التدخل الحكومي بعد أن شهدت الأفلام بدور العرض السينمائي انخفاضا يعد الأكبر من نوعه منذ سنوات طويلة، فموسم عيد الفطر لم يشهد سوى عرض ثلاثة أفلام، هي العنكبوت، وواحد تاني، وزومبي.
ولم يحقق أي من هذه الأفلام النجاح المطلوب رغم تخفيف الإجراءات الاحترازية التي صاحبت تفشي فايروس كورونا وعودة الحياة إلى طبيعتها في البلاد.
وقدمت السينما المصرية العام الماضي 20 فيلما، حققت إيرادات بلغت 21 مليون دولار فقط، منها خمسة أفلام حققت 16 مليون دولار.
وتدل هذه الأرقام على ضعف الأعمال المقدمة التي لم تتسم بأي علامة فنية بارزة يمكن الإشارة إليها، مع أن مصر كانت من أوائل الدول التي سمحت تدريجيا بعودة الحياة بعد شهور من الإغلاق الكامل ثم الجزئي جراء الوباء.
ولا يرتبط تراجع السينما بالأوضاع الصحية التي فرضتها الجائحة فقط، لأن إحصاءات العام 2019 تشير إلى أن عدد الأفلام بلغ نحو 33 فيلما، مقارنة بنحو 1813 فيلما في الهند و997 فيلما في نيجيريا، و660 فيلما في الولايات المتحدة، وبلغت إيرادات السينما المصرية في ذلك الحين 72 مليون دولار.
ويتفق العديد من النقاد على أن سوء إدارة قطاع السينما لفترات طويلة أدى إلى تردي الأوضاع وتراجع حجم الإنتاج، وظهر ذلك واضحا من خلال تدهور الكثير من عناصر الإنتاج.
ويعزو المختصون ذلك إلى نقص حرفية الكتابة والتصوير وحالة دور العرض وعدم القدرة على اكتشاف مبدعين حقيقيين وتوظيف إمكانياتهم لتقديم أعمال تتمتع بدرجة عالية من الحرية للغوص في تفاصيل المشكلات المصرية.
وعلاوة على ذلك تحييد البعض من نجوم الصف الأول ودفعهم نحو أعمال لا تنقل صورة قريبة من الواقع وتعقيداته.
ويشكل الاعتماد على الأفلام التجارية التي لا تستطيع أن تخلق قيمة فنية عميقة عاملا مهما أسهم في عزوف الجمهور عن السينما بعد أن فقد الثقة في جودة المحتوى الفني المقدم له.
وأصبحت هناك قناعة لدى فئة من المصريين بعدم وجود ما يستدعي الذهاب إلى السينما طالما أن المتعة الفنية غائبة، بجانب مشكلات ترتبط بالقرصنة وضعف حقوق الملكية الفكرية.
وأكدت الناقدة الفنية ماجدة موريس أن خطوات وزارة المالية تشير إلى موافقة مبدئية من الدولة على الانخراط في دعم إنتاج السينما بعد سنوات من توالي المطالبات بالتدخل لإنقاذه ومنع تدهوره.

رامي المتولي: دورة رأس المال بالقطاع تعطلت لنقص الدعم الحكومي
واستدركت بالقول في تصريح لـ”العرب”: “لكنها لا تشكل ثقلا كبيرا يمكن الاعتماد عليه للتطوير، فهو بحاجة إلى دعم مباشر من خلال المشاركة في الإنتاج وتشجعيه”.
وأوضحت موريس أن أزمة السينما المصرية ترتبط أساسا بالإنتاج عقب تراجعه كثيرا، وانحدار مستوى شركات الإنتاج بصورة ملحوظة مقارنة بالمنتجين الكبار الذين لمعوا في عقود ماضية.
واعتبرت أن انسحاب الدولة بشكل كامل من تقديم الأفلام منذ إلغاء المؤسسة العامة للسينما والتلفزيون في سبعينيات القرن الماضي ضاعف من الأزمة الحالية.
وقالت “ما لم تقم الدولة بتوفير الدعم المادي سيكون من الصعوبة رؤية انتعاشة في السينما المصرية التي كانت منارة في المنطقة”.
وأشارت موريس إلى أن الجهات الحكومية بإمكانها دعم أفلام لديها مردود ثقافي يتجاوز الحدث الآني، ويترك تأثيراته في عقول المواطنين بما يشجعهم على الذهاب إلى دور العرض.
وبينت أنه ليس شرطا أن تستغرق في تقديم أفلام بميزانيات هائلة، ومن الممكن إحداث تنوع في الإنتاج الثقافي والمعرفي بعيداً عن الرسائل المباشرة التي تبحث عن تحقيقها.
ويرى متابعون أن الأفلام التجارية التي راجت في العقود الأخيرة واستطاعت تحقيق إيرادات مرتفعة غير قادرة على تكرار الأمر ذاته حاليا في ظل الخسائر المتتالية مع عزوف الجمهور الذي تزايد إضافة إلى ارتفاع حدة الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها قطاعات عديدة.
وتسببت هذه الحالة في اتجاه غالبية المنتجين إلى تقديم أفلام بميزانيات منخفضة لضمان تغطية تكلفتها، وهو ما انعكس على ضعف المحتوى المعروض دون أن يجذب الجمهور.
ويشكو هؤلاء من قلة شاشات السينما والأزمات التي تواجهها دور العرض جراء عزوف المشاهدين واتجاه فئة من الجمهور إلى المنصات الرقمية التي تتسم بالجرأة في التناول والابتعاد عن مقص الرقيب المتهم الآن بتشويه العديد من الأعمال.
ويبقى الاتجاه إلى الدراما حلا مناسبا لكثير من شركات الإنتاج الفني لأن المخاطرة محدودة، ويشكل الاتفاق مع القنوات الفضائية على عرض الأعمال الدرامية قبل البدء في إنتاج المسلسلات وتصويرها عاملاً مشجعًا على هجرة إنتاج السينما.
21
مليون دولار إيرادات القطاع في 2021 قياسا بنحو 72 مليون دولار في العام 2019
وأكد الخبير السينمائي رامي المتولي أن الاستجابة المتأخرة من الحكومة لجدولة الضرائب ليس الحل الأكثر فاعلية لأن التعقيدات التي تفرضها الجهات المعنية على تصاريح التصوير الخارجي مثلا تشكل عائقا أمام تقديم صورة واقعية عن تطورات المجتمع المصري.
وأوضح لـ”العرب” أن دورة رأس المال في قطاع السينما تعطلت خلال السنوات الأخيرة، وهناك حالة من الفراغ تركها تجاهل الدولة للإنتاج السينمائي في ظل حاجة الكثير من المبدعين والمخرجين المخضرمين إلى دعم حكومي يساعدهم على تقديم أعمال مؤثرة.
ويرى المتولي أنه يجب توجيه ميزانيات موازية للتي يوجهها المجلس القومي للسينما التابع لوزارة الثقافة إلى الهواة وأصحاب التجارب الحديثة بحيث تكون الدولة طرفا أصيلا ومشاركا في إنعاش الإنتاج ونهضته.
وتحمل الأزمة الراهنة مكونات ترتبط بالثقافة العامة لدى المصريين وكأن ثمة حالة من الردة يعيشها بعضهم جراء النظرة السلبية لدى قطاعات يسيطر عليها التشدد الديني إلى السينما والأعمال الفنية بوجه عام.
وهذا الأمر أدى إلى إغلاق الكثير من دور العرض في محافظات مختلفة وخلت الكثير من المدن من دور السينما التي كانت تمثل رافدا حيويا للجذب الفني والثقافي.
ودائما ما كانت السينما المصرية معبرة عن قدرة الفن على البقاء في صدارة المشهد العربي لعقود طويلة، ويشكل التوجه نحو الدراما في ظل تردي جودة الكثير من الأعمال نقطة ضعف تؤثر سلبا على السينما والدراما معا، لأن التجارب المستقلة في المغرب العربي ولبنان حققت نجاحات كبيرة خلال السنوات الأخيرة.