الهجرة إلى الفضاء

قمة الانحدار الأخلاقي الذي يمكن أن يصيب البشرية هي أن تصبح الانتماءات الدينية والطائفية والعرقية والقومية، وحتى الإعاقة الجسدية والهوية الجنسية، بمثابة الشتيمة لدى بعضهم.
كيف يعيّر الواحد بما لم يختره؟ سؤال في عهدة كل ذوي الفكر الفاشستي والذهنية الإقصائية على هذه الكرة الأرضية التي تشبه من خلال الفضاء الخارجي، حبة الحمص في حقل مترامي الأطراف.
لكن حبة الحمص هذه، ينخرها سوس الكراهية وسينجح في تفتيتها إن لم تبادر الإنسانية إلى إنقاذها.
وما يزيد المشهد قتامة أن الأرض التي شبهها الشاعر الفرنسي بول إيلوار، متفائلا، بالبرتقالة الزرقاء، قد أصبحت ثمرة متعفنة بفعل الكوارث البيئية التي يتسبب فيها الإنسان وحده دون غيره من الكائنات.
وهكذا يضاف الاحتباس الحراري إلى “الاحتباس الأخلاقي”، ويصبح الكوكب الأزرق جحيما لا يشتهي أحد العيش فيه، ولكن إلى أين المفر؟
المشكلة أن لا وجود لبديل واضح وآمن إلى حد الآن، رغم الفتوحات العلمية المذهلة في عالم الفضاء.
وإن وجد كوكب بديل، فلن يتمكن جميع البشر من الانتقال إليه والعيش فيه، وذلك لعدم تكافؤ الفرص والإمكانيات المادية والعلمية لدى جميع الناس.
أصحاب الامتيازات والحظوظ الوافرة في التقدم التكنولوجي سوف يتمكنون وحدهم من الهجرة إلى الكواكب البديلة، وقد يأخذون معهم ما خف حمله من نفائس فنية وفكرية ويتركوننا نتخاصم مثل السوس في حبة حمص منخورة.
سوف نتوسل إليهم أن يأخذونا معهم، لكنهم لن يفعلوا، وسوف ينتقون قلة قليلة منا ويقلعون بمركباتهم وقد التصق بها بعضنا، وبدأ بالتساقط كما حدث أثناء المأساة الأفغانية إثر قرار الأميركيين بالمغادرة.
سوف نترك لمصيرنا المفجع وحظنا العاثر وقد مسحت البوابات والحدود، وأفرغت الموانئ والمطارات وأقفرت المعامل والمزارع.. ولن يتركوا لنا إلا أسلحة الدمار الشامل لنتسلى بها وسط الدمار الرهيب.
ساعتها، نشبع حربا وتنابزا بالألقاب الطائفية والعرقية والخلقية.. ونقرر أن نثوب إلى رشدنا ولكن بعد فوات الأوان.
سوف نلتفت إلى حولنا فلا نجد سوى الدمار.. ونتطلع إلى الأعلى متضرعين فتخطر على البال فكرة الهجرة السرية إلى الفضاء الخارجي بواسطة المراكب المتهالكة التي يوفرها السماسرة من بيننا.
أليس هذا ما حدث فعلا منذ منتصف القرن الماضي حين أفرغ المستعمر الأوروبي أراضي العالم الثالث من خيراتها ثم قفل راجعا إلى بلدانه ولم يترك لنا غير السعي للحاق به والعمل في مزارعه ومصانعه.
الفرق الوحيد أن هجرتنا القادمة ستكون عمودية باتجاه الفضاء وليست أفقية باتجاه مدن الشمال.